| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. جاسم محمد الحافظ

 

 

 

 

الأحد 20/9/ 2009



الحزب الشيوعي العراقي والمثقفون والانتخابات القادمة !

د. جاسم محمد الحافظ

تسود في أوساط المثقفين التقدميين من نشطاء اليسار العراقي ومناصريهم مشاعر الحيرة المشوبة بالترقب والتوجس من طبيعة المشهد السياسي العراقي المتسم بأعلى درجات التعقيد , لشراسة الهجمة الامبريالية ولتعدد أوجه المصالح الأَقليمية والعالمية المتصارعة والمتناقضة مع المصالح الوطنية لشعبنا , رغم أَمتلاك غالبيتهم ناصية أدواة البحث والتحليل العلمي , وآليات تفكيك الظواهر الأَقتصادية والأَجتماعية والسياسية , لغاية أَدراكها وبلورة موقفا عقلانيناَ منها بعيداَ عن الأَرتجال والسذاجة والسطحية , لذا لاغرابة في أشتداد حمى السجالات الفكرية التي عَبر ويُعبر فيها الكتاب عن رؤآهم لما ستؤل أَليه أحوال البلاد بعد الأَنتخابات القادمة والتي ستشكل أَنعطافة جدية في مسيرة الكفاح الوطني من أجل مواصلة بناء الدولة الديمقراطية الأَنسانية المنشودة , التي تٌؤَمن للناس الحياة الكريمة والعدالة الأَجتماعية وتُحقق الأَستقلال الناجز للوطن , ولا غرابة في أن تتمحور تلك الرؤى - أَيجابية كانت أم سلبية - حول دور وتوجهات الحزب الشيوعي العراقي في هندسة شكل التحالف التكتيكي أو الأَستراتيجي الذي ينوي صياغته لخوض الأَنتخابات القادمة , وذلك أَدراكاً منها لأَرتباط المصالح العضوية بين هذا الحزب وعموم المثقفين والكادحين الحالمين بوطن خالٍ من الأَستبداد والفاشية , وأَحتراماً للعقل الجمعي العراقي الذي يختزن في الذاكرة البعيدة والقريبة صوراً باهيةً عن أَخلاص الشيوعيين العراقيين وتفانيهم في سبيل الذود عن مصالح الشعب والوطن وتقديرها – مع علمي بأن لكل فارس كبوة وأن كبوة الأصيل مكلفة - وليس أدل على ذلك من رفضهم المطلق للحرب الأمريكية على العراق رغم ما كابدوه من نظام البعث الفاشي . ورفضهم للعنف الطائفي المقيت الذي أَجتاح بيوتنا وأزقة أحيائنا المسالمة وخلف جرحاً لا تدمله أَصطفافات مخادعة لرجالٍ تفوح من مطابخ أَعداد مناهجهم السياسية هذه الأيام روائح التأمر والتسقيط السياسي المتبادل , مثل ما لم تزكي الحياة قدرتهم على أَدارة شؤؤن البلاد وحماية أرواح الناس والمال العام .

فأَزاء هكذا أجواء سياسية مشحونة بالمكر والخداع ,ينبغي الأَجابة على ما يلي :-

1- هل يجوز للشيوعيين , الذين يمتلك حزبهم تجارب تحالفات وطنية عديدة على مدى سنوات سِفره النضالي الطويل ,بدءاً من جبهة الأَتحاد الوطني , التي أفضت الى تقويض المَلَكية وأَقامة أول جمهورية وطنية على أنقاضها عام 1958م حتى جبهات (جوقد , جود , ولجنة العمل المشترك ) مرورأ بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية – الفاجعة التي كلفت الحزب والشعب الكثير- أن لا يخضعوا دروس هذه التجارب لتحديد القوى التي ينبغي أن تُبنى معها تحالفاتهم , اُفقيةً كانت أم عمودية ؟

أَنني أشك في ذلك , وأعتقد أن البيئة السياسية المحيطة بالحزب والتي تتشكل من :-

- التيارات الرجعية ممثلة بالأقطاعيين والقبليين والأسلامويين , الذين أفرزتهم ظروف التدهور الأقتصادي والأجتماعي الناجمة أصلاً عن سياسة عسكرة البلاد والحروب العبثية للنظام البائد , والحملات الأَيمانية المزيفة , والذين يشكلون اليوم أَمتداداً طبيعياً لثقافته , حيث لازالوا يواصلون عدائهم للحزب الشيوعي ونهجه التقدمي والتنويري ويتمركزون في المفاصل الهامة للدولة .

- مجموعات من قوى البرجوازية الوطنية الصغيرة المحكومة دوماً بتغليب مصالحها الأنانية الضيقة ونَفَسها النضالي القصير ويعتريها الضعف لأَختفاء الطبقة الوسطى في المجتمع .

- منظمات المجتمع المدني المهمشة والمجيرة نشاطات أغلبها لصالح الأحزاب النافذة في الحكم .

لا ريبَ في أن كل هذا التنوع الأديولوجي للقوى الفاعلة يشكل عنصراً ضاغطاً على الشيوعيين لصالح التريث في أَصطفاء حلفائهم الأَستراتيجيين الذين سيشتركون معهم في الأتجاهات العامة لأهدافهم النضالية المنطوية على أحلام الفقراء والكادحين في الانعتاق من براثن الجهل والتخلف , غير أن الأمر الذي أقلق جماهير الحزب في حسم خياره النهائي - وأَنه لقلق مشروع بكل تأكيد – هوعدم ديناميكيته على كل مستويات التحضير لهذه الأنتخابات التي ستلعب دوراً هاماً في صياغة مصير ومستقبل شعبنا والعملية السياسية برمتها .

2- هل يجوز للشيوعيين الأنظمام الى تحالفات مكتوبُ على أغلبها بالفشل لأَنفصالها عن الجماهير وعدائها المستحكم للديمقراطية وهاجسها الوحيد الوصول الى السلطة وبأي ثمن ؟

بأَعتقادي أن تجربة السنوات الماضية ينبغي أن لا تشجعهم على تحالف يضعف صلاتهم بالجماهير , وأن لا يكون تكتيكاً لعبور أزمة وذلك لضمان عدم تكرار مآسي التحالف مع البعث , ان أَطلاق ( صفة ذوي الأيادي البيضاء ) على الشيوعيين العراقيين رغم كل محاولات تزوير تأريخهم لم تكن مِنةً من سارقي قوة الشعب , بل أنه وسام عَلقهُ العراقيون على صدور الشيوعيين عرفانا لَنزاهتهم , لذا ينبغي توظيفه بقوة في الحملة الأَنتخابية القادمة . وأَني لواثق بأن الكتل الطائفية تتمنى في دواخلها أَنظمام الشيوعيين أَليها لا بدواعي وزنهم الأَنتخابي بل بدوافع تجيير سمعتهم الوطنية الحسنة لأَضفاء الشرعية الوطنية على قوائمها .

3- مع من يجوز للشيوعيين التحالف ؟

أَنني أتصور أن أمام الشيوعيين خياران , كلاهما مهم أَن تحقق , أولهما المبادرة في أَقامة تحالف واسع لكافة القوى اليسارية والديمقراطية النابذة للعنف بكل أشكاله وهذا يتطلب بكل تأكيد الأَعتراف بالآخر في هذا الظرف , الذي تفرض تعقيداته السياسية تعدد الأجتهادات , فضلاً عن أن هذا الأَعتراف يعّبر عن مدى الأَلتزام بممارسة الديمقراطية والأَستجابة لأستحقاقاتها , كما أنه من صلب واجبات الشيوعيين هو توحيد القوى اليسارية وحشد طاقاتها لأَنجاز هذه المرحلة الخطيرة من تأريخ شعبنا , وهذا يقتضي المبادرة الجدية والسرعة .

وثانيهما أن ينفرد الحزب بقائمةٍ خاصة به يتعكز فيها على تراثه السياسي المُشرف الذي بنته أجيال الشيوعيين المتعاقبة منذُ تأسيسه حتى اليوم , شريطة أن تنشط كل الفعاليات الحزبية لأَشهار سياسة الحزب الطبقية وأَعلان أَنحيازه الكامل للكادحين والفقراء وذلك لحشد طاقاتهم للتصويت له من أجل الدفاع عن حقوقهم المهضومة .


 

 

free web counter