| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جودت هوشيار

 

 

 

الأحد 6/9/ 2009

 

بحثاً عن قيادة ديمقراطية حقيقية للعراق

جودت هوشيار

شهدت السنوات الأخيرة سقوط عدد كبير من ألأنظمة الشمولية والأستبدادية فى انحاء العالم وحلت محلها انظمة ديمقراطية وخاصة فى اميركا اللاتينية واوروبا الشرقية وبعض جمهوريات الأتحاد السوفييتى السابق ، واخذت رياح التغيير تدق ابواب الشرق الأوسط منذ سقوط النظام الدكتاتورى فى العراق فى التاسع من نيسان عام 2003 . وقد اقترن زوال الديكتاتوريات فى هذه البلدان بالتخلى عن رأسمالية الدولة و التوجه نحو خصخصة القطاع العام وانتهاج سياسة اقتصاد السوق والمنافسة الحرة .

ولا شك ان سقوط الأتحاد السوفييتى و تداعياته المؤثرة، كان العامل المباشر فى هذه التغييرات ولكن ثمة عوامل اخرى لا تقل اهمية ، ذلك لأن الأنظمة الشمولية والقمعية بمختلف اشكالها التى كانت سائدة فى تلك المناطق، لم تتمكن ، لا من ضمان حكم الشعب ولا تحقيق اى تقدم اقتصادى، والأهم من ذلك ان الشعوب التى عانت من الأنظمة الشمولية والقمعية عرفت قيمة الحريات الأنسانية التى تؤمنها الأنظمة الديمقراطية.

ولكن بالرغم من هذه الأنتصارات الظاهرية، فأن الديمقراطية تعانى من ضعف كبير من حيث التنظيم و نشر وترسيخ الثقافة الدمقراطية، بكل ما تحمله من مبادىء وقيم ومعايير. ففى العديد من بلدان العالم ، ما تزال الأيديولوجيات المتزمتة والمتطرفة بشتى صورها ( من اقصى اليسار الماركسى والتروتسكي الى اقصى اليمين الفاشى و الأسلاموى ) تهيمن على السياسة فى بعض البلدان (كوريا الشمالية ، السودان ، ايران ، فنزويلا ...الخ) وعلى الجامعات والنشاط الثقافى فى بلدان كثيرة ، ويتعرض فيها المثقفون الديمقراطيون الى القمع والتنكيل او الأقصاء والألغاء. و يتجلى ذلك على اوضح صورة فى العالم العربى و ايران و بخاصة فى عراق ما بعد التاسع من نيسان عام 2003 ، حيث تمكنت القوى الأسلاموية المتخلفة من تضليل الجماهير برفع شعارات براقة كاذبة وتزوير الأنتخابات لصالحها و تشكيل مجلس نيابى هزلى - تهيمن عليه القوى الطائفية التى تنفذ أجندات خارجية - اصبح موضوعا" للتندر و السخرية من قبل العراقيين - و تشكيل ميليشيات و فرق موت تقف وراء قتل و ذبح النخب العلمية و الثقافية و قادة المجتمع الحقيقيين و القضاء على كل مظاهر التقدم الحضارى فى بلاد الرافدين .

الديمقراطيون فى الدول المتخلفة التى تحكمها أنظمة لا ديمقراطية او انظمة تدعى الديمقراطية من دون ان تمارسها فعلا على ارض الواقع ، كما هو الحال فى عراق اليوم غير منظمين او منظمين اسوأ من انصار الأيديولوجيات الأسلاموية او القومية المتطرفة ، لأن الديمقراطيين ، اناس اكثر اعتدالا ومن ذوى التفكير المستقل ويقدرون الحريات العامة والخاصة ، وألأهم من ذلك ، انهم يميلون الى النضال السياسى، بدرجة اقل من معارضيهم .

ولا يمكن للديمقراطية ان تتحقق لا فى العراق و لا اى بلد آخر فى العالم من دون وجود منظمات غير حكومية قوية و مستقلة حقا كالأحزاب التى تؤمن بالديمقراطية عملا و سلوكا و تمارسها فى حياتها الداخلية و فى تعاملها مع القوى الأخرى أو عند استلامها السلطة و كذلك النقابات و الأتحادات و الجمعيات المهنية و الخيرية التى بأمكانها الدفاع ليس فقط عن قطاعات متفرقة من المجتمع ، ولكن ان تبنى وتدافع عن النظام الديمقراطى عموما، وبتعبير اخر من المشكوك فيه تجاوز العقبات والمشاكل المعقدة التى تقف فى طريق الديمقراطية فى عراق اليوم او ان يتمكن المناضلون الديمقراطيون من التأثير على سير الأحداث من دون مجتمع مدنى منظم.

ان معظم المنظمات غير الحكومية فى العراق نشأت بعد زوال النظام البعثى بمبادرات من جهات أجنبية تتخذ من هذه المنظمات واجهات لتمرير سياساتها ، و بتعبير آخر ، لم تنشأ فى العراق سوى قلة قليلة من المنظمات غير الحكومية الطوعية المستقلة ، كما ان الأحزاب العراقية الرجعية الفاسدة تهيمن ايضا على النقابات و الأتحادات المهنية التابعة لها و التى تأتمر بأوامرها و لا عمل لها سوى حشد التأييد لها و تسخيرها لخدمة أغراضها الفئوية الضيقة و تحريكها عند اللزوم كقوة ضاغطة على خصومها و للحصول على اكبر حصة ممكنة من النفوذ و السلطة و المال . وفى ظل ديمقراطية ( التوافق على أقتسام السلطة والغنائم ) أصبح كل شىء فى عراق اليوم مزيفا " : الحكومة و البرلمان و المنظمات و الأتحادات و النقابات وهى مجرد أسماء و واجهات تخفى وراءها تخلفا و فسادا فى التفكير و السلوك . حكومة من دون برنامج عمل معلن و برلمان يضم بين صفوفه عددا لا يستهان به من رؤوس الأرهاب و الفساد حسب مفوضية النزاهة و الأجهزة الأمنية ) و منظمات كارتونية للأستحواذ على الدعم المادى الذى تقدمه جهات أجنبية لتمرير أجنداتها فى العراق فى حين نرى ان الأحزاب الليبرالية الديمقراطية والعلمانية و المنظمات الجماهيرية المستقلة تعانى من غياب التنسيق و التضامن و من التشتت فيما بينها ، رغم أنها تتمتع بشعبية كبيرة فى الشارع العراقى و خاصة بين صفوف العمال و المثقفين و الطلبة  .

فأمام الليبراليين و الديمقراطيين الحقيقيين فى العراق تحديات داخلية و خارجية خطيرة و معقدة لا يمكن مواجهتها و التغلب عليها فى حالة استمرار التشتت و الأنعزال و التقوقع السائد اليوم بينهم .

و لا شك ان الأغلبية العراقية الصامتة التى تعانى من المصائب و البؤس ما يفوق طاقة البشر ، مهيئة نفسيا" أكثر من اى وقت مضى لمجابهة هذه التحديات اذا توفرت لها قيادات ديمقراطية حقيقية و مناضلة تعمل من اجل مصالح الشعب و الوطن وليس فى سبيل تنفيذ محططات الأعداء و ثمة عدد غفير من العراقيين بشتى انتماءاتهم الأثنية والعرقية والدينية و المذهبية - الذين خذلتهم الكتل الدينية المتخلفة و المضللة - على استعداد للعمل من اجل انقاذ العراق من الحكم الطائفى الرجعى و تعميق الوعى الفكرى و اشاعة الديمقراطية الحقيقية ولكن مهمتهم صعبة للغاية فى الأوضاع الراهنة. لأنهم محاصرون ومعزولون، فالقوى الديمقراطية اضعف من خصومها، وفى اغلب الأحيان لم تطلع على الستراتيجيات والأساليب التكتيكية التى تستخدم بنجاح فى النضال من اجل الديمقراطية فى انحاء العالم الأخرى .

ليس لدى الديمقراطيين العراقيين معلومات كافية عن انشطة وجهود العراقيين الذين لم تلوثهم فايروس التطرف والفساد و الذين يحملون نفس الأفكار ، ولم يطلعوا على الستراتيجيات والأساليب التكتيكية التى تستخدم بنجاح فى النضال من الجل الديمقراطية فى انحاء العالم الأخرى

ومما يثير الأستغراب حقا عدم وجود اى اتصالات او لقاءات بين القوى الديمقراطية فى العراق مع القوى والشخصيات الديمقراطية فى الشرق الأوسط فى حين تنشط القوى الأسلاموية و القومية فى العراق فى تعزيز تعاونها مع الأحزاب و القوى العربية و غير العربية فى المنطقة و العالم . وهذا خلل كبير ينبغى معالجته بالعمل الدؤوب . و لا يقتصر الأمر على غياب التواصل مع القوى الديمقراطية فى المنطقة ، بل ان ان غياب التواصل و التنسيق يشمل القوى الديمقراطية داخل العراق ايضا .

لذا فأن الحاجة تدعو الى اقامة جسور بين جزر الديمقراطية المعزولة بعضها عن بعض ، لتعزيز الحركة الديمقراطية في العراق و الشرق الأوسط ومن اجل فهم افضل للظروف والستراتيجيات اللأزمة لتشكيل وتعزيز وعمل المنظمات والحركات الديمقراطية .

ولكن ماذا نقصد بالديمقراطية ؟ لقد شوه هذا المصطلح كثيرا من قبل اعداءها، لذا ينبغى استعادة معناه الحقيقى . فالديمقراطية الحقيقية هى نظام حكم يتصف بثلاث سمات رئيسة وهى :-

1- التنافس الحقيقى السلمى الواسع بين الأفراد والمجموعات المنظمة من اجل الوصول الى المواقع الأكثر أهمية فى السلطة عن طريق الأنتخابات العامة الدورية الحرة النزيهة .

2- الأسهام السياسى الفعال والمستقل ، استقلالا حقيقيا فى اختيار القادة والأتجاهات السياسية ، وعدم استبعاد او اقصاء اية شريحة او مجموعة مهمة من السكان من الأنتخابات .

3- المستوى العالى للحريات السياسية والمدنية ( حرية التعبير،الدين ،الرأى ،المعلومات ، المساواة ، سيادة القانون، اتاحة الفرص المتساوية للجميع للأشتراك فى التنافس السياسى ، حماية امن وحقوق المواطنين ، وخضوع الحكام لرقابة الشعب )

وعلى الرغم من ان هذا المفهوم الواسع للديمقراطية نتاج الحضارة الغربية ولكننا نعتقد انه يتناغم مع التطلعات الأنسانية المشتركة لشعوب كوكبنا - الذى حولته و سائل الأتصال و الأعلام الى قرية صغيرة - لأنه يستند الى التنوع الثقافى الواسع والتقاليد المميزة للشعوب ، ويمكن تجسيده عبرالهياكل الدستورية المختلفة ، اى ان الديقراطية تتخذ اشكالا كثيرة دون تجاهل لوحدة المبادىء الديمقراطية .

وبالرغم من كل التحديات – وفى مقدمتها التحدى الأسلاموى السلفى بكل أشكاله - فأن شعبنا العراقى لن ينخدع بالشعارات البراقة للتيارات التى تستخدم الدين لأغراض سياسية و سيأتى اليوم الذى تنهار فيه الأيديولوجيات المتخلفة و نظام الحكم الطائفى وسيخطو العراق نحو عصر الديمقراطية الحقيقية و التقدم و الحرية و الرخاء.


 

free web counter