| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جودت هوشيار

 

 

 

                                                                                        الأحد 22/1/ 2012

 

ثلاثة مظاريف

جودت هوشيار

ثمة نكتة سوفيتية قديمة عن تداول السلطة تصف على نحو دقيق سلوك الرؤساء الفاشلين فى الحكم و بخاصة سلوك المالكى خلال السنوات الخمس الماضية .

تقول النكتة أن ستالين ترك لمن يخلفه فى الحكم ثلاثة مغلفات و أوصاه ان يفتح كل مغلف اذا وصلت الأمور فى البلاد الى حافة الأزمة . و بعد عدة سنوات حلت الأزمة الأولى و فتح خروشوف المغلف الأول و قرأ : (ألق علىَّ مسؤولية فشلك) و بعد فترة حدثت الأزمة الثانية و فتح المظروف الثانى وقرأ النص السابق نفسه . و عندما حلت أزمة جديدة فتح المظروف الثالث و كم كانت دهشته عظيمة عندما قرأ: (جهز ثلاثة مغلفات لمن يخلفك فى الحكم) .

دأب الحكام الجدد فى الأنظمة الأستبدادية ، بعد مضى فترة على وصولهم الى السلطة و أخفاقهم فى تحقيق وعودهم المعسولة - بتوجيه اللوم واصابع الأتهام الى أسلافهم فى الحكم و تحميلهم المسؤولية عن كل ما يحدث فى البلاد من أزمات و أخطاء فى مجالات الحياة المختلفة .

وهو تقليد ممل و مضلل فى آن معا، الهدف منه التنصل من المسؤولية و التستر على الأخطاء و خداع الرأى العام فى سبيل البقاء فى السلطة لأطول فترة ممكنة .

كل عراقى (خبر النظام الصدامى) يعرف ان هذا النظام كان سيئا بكل المقاييس حيث تفنن فى قتل العراقيين و زج البلاد فى حروب عبثية و نهب و بدد ثروات العراق . و خلف وراءه تركة ثقيلة .

و كان من المؤمل قيام العهد الجديد بمعالجة المشاكل المزمنة التى تسبب بها النظام السابق و الأخطاء الجسيمة التى أرتكبها و لكن ها نحن اليوم بعد مرور حوالى تسع سنوات على التغيير نرى ان " القائد الضرورة الجديد " ليس بأفضل من الدكتاتور السابق فى أنتهاك حقوق الأسان و أعتقال المعارضين و زجهم فى سجون سرية وتعذيبهم لأنتزاع الأعترافات الكاذبة منهم او حتى التستر على أغتيالهم بالكواتم أو فى مساكنهم ، كما حدث مع الشهيد هادى المهدى . أضافة الى تسخير أمكانات الدولة من اجل أحكام قبضته على الحكم .و أستغلال السلطة من أجل مصالحه الشخصية و الحزبية الضيقة .

ماذا فعل المالكى منذ توليه رئاسة الوزارة قبل حوالى خمس سنوات ؟

ليس لدى المالكى و مستشاريه السبعين و أبواقه الناعقة ليل نهار عن أنجازات موهومة ، جواب واضح على هذا السؤال ، لأن كل ما فعله المالكى هو أستغلال عشرات المغلفات الموروثة من أسلافه أبشع أستغلال .و ألقاء مسؤولية فشل حكومته فى أداء مهامها و عن كل ما يعانيه البلاد من مشاكل ، على النظام المباد أو على الآخرين .

المالكى لا يمتلك الشجاعة الكافية و لا الجرأة المطلوبة من رجل دولة للأعتراف بأخطاءه ، ويفضل التهرب من المسؤولية بأستمرار و التنصل من وعوده - نعم وعوده و ليس برنامجه ، لأنه ليس لدي المالكى و حزبه برنامج علمى مدروس وواضح و آليات محددة لتنفيذه من أجل أعادة بناء الدولة العراقية المدمرة ، بل شعارات ديماغوجية أكبر من قدراته بكثير و أخطر من أن يتولى تنفيذها – أذا كانت لديه النية أصلا لتطبيقها على ارض الواقع - شخص لا يمتلك الحد الأدنى من المؤهلات و الخبرة المطلوبة لأدارة دفة الحكم فى مرحلة عصيبة ، كالتى يمر بها العراق اليوم ، حيث تتفاقم المشاكل يوما بعد آخر فى كافة ميادين الحياة .

أن الهم الأكبر للمالكى هو البقاء فى السلطة أطول فترة ممكنة عن طريق الهيمنة التامة على القوات الأمنية و خضوعها المباشر لأوامر القائد العام للقوات المسلحة و أتباع سياسة الترغيب و التهديد فى قمع و أسكات أصوات الأحرار الذين ، لا يؤمنون بعبقرية " القائد الضرورة" حتى داخل حزبه ، ناهيك عن الأحزاب الأخرى و التشهير بالخصوم السياسيين تمهيدا لتصفيتهم و أزاحتهم عن طريقه للبقاء فى السلطة لولاية ثالثة و رابعة ! .، كما أعترف بنفسه مؤخرا حين قال ان لا احد يستطيع أن يزيحه عن السلطة ، حتى بعد ست سنوات . قد يكون ذلك زلة لسان ، و لكنها كشفت دواخل المالكى و عدم أيمانه بالديمقراطية و بمبدأ التداول السلمى للسلطة .

فى بداية حكمه ( الزاهر ) وعند نشوب أى مشكلة كان المالكى ، يبحث عن ذريعة لتبريرها ، أما اليوم فقد أكتشف " القائد الضرورة" الجديد ، أن المغلفات القديمة التى ورثها عن أسلافه ، لم تعد تجدى نفعا و لن تضمن له البقاء فى السلطة ، بعد ان فشل فى تحقيق أى أنجاز يذكر رغم أنفاق حوالى خمسمائة مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية - ذهب الجزء الأكبر منها الى جيوب ( العراقيين الجدد ) الذين صعدوا (من الطهارة الى المنارة) كما يقول المثل الشعبى العراقى !

سلاح المالكى الجديد للبقاء فى السلطة ، هو خلق الأزمات ، أزمـة وراء أزمـة و قد تتداخل أكثر من أزمـة فى آن واحد و ذلك بهدف صرف أنظار خصومه السياسيين و ألهاء الرأى العام العراقى عما يجرى فى الخفاء و يسخر من أجله كل أمكانات الدولة بهدف بسط هيمنته على كافة مفاصل السلطة و تهميش البرلمان و نقض القوانين التى يسنها و تجاهل القرارات التى يتخذها و تسيس القضاء لمصلحته عن طريق شراء ذمم كبار القضاة ( كما أشارت الى ذلك مؤخرا و كالة أسوشيتد برس للأنباء ) و أستغلال شبكة الأعلام العراقى و الأعلام الحزبى و غير الحزبى الممول من خزينة الدولة ، لأطلاق غبار كثيف من الأكاذيب للتغطية على العمل الجارى وراء الكواليس .

حكومة المالكى هى حكومة الأزمات المفتعلة أبتداءا من أزمة ( المساءلة و العدالة ) قبيل الأنتخابات التشريعية الأخيرة و أزمة التنصل من تنفيذ أتفاقية أربيل لتقاسم السلطة عند تشكيل الحكومة الحالية و تداعياتها و مرورا بأزمة الأنقلاب المزعوم قبيل الأنسحاب الأميركى من العراق و أنتهاءا بأزمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمى . و ما دام المالكى فى السلطة سيشهد العراق المزيد من الأزمات المفتعلة و المسرحيات المفبركة التى جند لها أعوانه المقربين لصب الزيت على النيران المشتعلة و أبواقه الأعلامية الصاخبة التى تقوم ليل نهار بتلميع صورته الكالحة و تبرر أخطاءه و خطاياه و عجزه الكامل عن القيام بأى عمل أيجابى و تشهر بزعماء المعارضة على نحوسمج يتصف بمنتهى الأبتذال فى تجاوز كل المعايير الأخلاقية و الأعلامية .

المالكى - الذى فقد ، ثقة العراقيين ، كل العراقيين و بضمنهم حلفائه السياسيين ، بأستثناء زمرة من الوصوليين الملتفين حوله و المنتفعين من فتات موائده - لن يستطيع الأستمرار فى أختلاق الأزمات و أحتكار الحكم طويلا ،لأن لعبة الأزمات المفتعلة قد أنكشفت و لن تنطلى على أحد بعد اليوم .


 

free web counter