| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جودت هوشيار

 

 

 

                                                                                        السبت 19/11/ 2011

 

الموقف الروسى من الصحوة العربية

جودت هوشيار

الموقف الروسى من ثورات الربيع العربى ، يدعو الى الأستغراب و التساؤل لدى بعض المتابعين للشأن الروسى و لكننا نعتقد ان لا جديد فى هذا الموقف ، فقد وقفت روسيا دائما ، منذ العهد السوفييتى البائد ، كما تقف اليوم مع الأنظمة العربية الشمولية و تدافع عن الحكام العرب الطغاة .
و هذا الموقف ناجم عن جملة عوامل داخلية و خارجية ( صفقات الأسلحة ، عقود الطاقة ، النظام العالمى الجديد ، الأقليات الأثنية و الدينية فى الأتحاد الروسى و مدى تأثرها بالأوضاع فى الدول المجاورة لروسيا.)
و لكننى اود التطرق الى عامل مهم آخر لم يلتفت اليه المتابعون للعلاقات العربية – الروسية ، و هو نظرة الأنظمة الحاكمة المتعاقبة فى روسيا الى شعوب البلدان القريبة من حدود روسيا الجنوبية .
فرغم مرور 95 عاما على سقوط النظام القيصرى فى روسيا و بصرف النظر عن تبدل شكل و طبيعة النظام الحاكم فيها أكثر من مرة ، الا ان أمرا واحدا ظل كما كان فى العهد القيصرى و هو النظرة الأستعلائية الروسية الى شعوب الشرق عموما و الشعوب العربية خصوصا .
و نظام فلاديمير بوتين لا يختلف عن الأنظمة الحاكمة السابقة فى هذه النظرة ، التى لم تكن مقبولة فى يوم من الأيام و مرفوضة تماما فى عصرنا الراهن.
نظام بوتين ( السوفييتى الجديد ) المغلف بديكور ديمقراطى تجند وسائل اعلامها – وهو اعلام سائر فى ركاب السلطة عموما - لتجميل الوجه القبيح للأنظمة العربية القمعية . نظام بوتين لا يحسب حسابا للشعوب العربية الثائرة و يحاول تصوير الثوار كأنهم مجاميع من الرعاع السلفيين و أن الشعوب العربية ان هى الا قبائل بدوية و طوائف متناحرة و الثوار تحركهم أحزاب و تنظيمات جهادية ، تحاول أنتزاع السلطة من ( أنظمة شرعية ) بالعنف والأرهاب و الأستعانة بالأجنبى .

وسائل الأعلام الروسية أمتدحت طوال الشهور الماضية نظام القذافى قبل و بعد سقوطه و تصف دكتاتور ليبيا بأنه بطل قلما يجود به الزمن ، عاش و قاتل بشرف و شجاعة نادرة حتى آخر لحظة فى حياته كالفرسان النبلاء . فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعيد هذه الوسائل ، المرة تلو المرة ، نشر المقابلات التى تجريها مع ( ممرضات ) القذافى اللواتى يذرفن الدموع على الدولارات الضائعة نتيجة لأضطرارهن العودة الى بلادهن و حرمانهن من هدايا بابا قذافى الثمينة .. !

و تقول يلينا سابونينا (1) :
" ان نظام القذافى كان نظاما (شعبيا و ديمقراطيا ) حيث كانت القرارات المصيرية تتخذ من قبل اللجان الشعبية و كذلك المصادقة على خطط التنمية و الموازنة العامة و تضيف دون ان يرف لها جفن " ان القذافى وفر للشعب الليبى كل شىء بالمجان (الماء و الكهرباء و التعليم و الخدمات الصحية . وقدم منحا و تسهيلات لبناء السكن أو أقتناء السيارات ) و تتساءل : فى أى بلد كان بوسع المرء أن يشترى سبعة ألتار من البنزين بدولار واحد فى غير ليبيا القذافى . ؟ "

أما السياسى المتقلب ، زيرينوفسكى ، رئيس الحزب الديمقراطى الليبرالى الروسى و نائب رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسى الذى أصبح موضع تندر و سخرية الشعب الروسى لتصريحاته الغريبة و مقابلاته الأعلامية المضحكة ، فقد أعتبر نظام القذافى مثاليا و أفضل نظام فى العالم !

و الأعلام الروسى - الذى يدور فى فلك النظام - يسهب فى هذه الأيام فى أبراز الطبيعة القبلية للمجتمع الليبى و فى تضخيم الخلافات القائمة بين مختلف الفصائل المسلحة للثورة الليبية و تعتبر ذلك بداية لحرب أهلية بين الفصائل و القبائل المتنازعة .
ورغم خصوصية كل ثورة عربية و اختلاف ظروفها و أسبابها من بلد عربى الى آخر ، الا أن الموقف الروسى الرسمى من ثورات الربيع العربى ظل موقف المتشكك بنوايا الثوار و الباحث عن القوى الأجنبية ( الغربية ) التى تقف وراء التظاهرات العارمة . و يعتبرالناشطين الشباب ، من أصحاب المدونات و الصفحات الألكترونية وبخاصة فى مواقع التواصل الأجتماعى طابورا خامسا يعمل لحساب الأجنبى..

ويرتكب نظام بوتين بهذا الموقف الشاذ عن الأجماع العربى و الأقليمى و الدولى ، أثما لا يغتفر فى حق الشعوب العربية و خطئا فادحا فى حق روسيا و مصالحها الحيوية ، لأن الحكام زائلون و الشعوب باقية و سوف يضطر نظام بوتين الى التعامل مع الأنظمة الثورية العربية الجديدة . و من مصلحة روسيا معالجة تداعيات موقفها من الربيع العربى بأسرع ما يمكن . و لكن كل الدلائل تشير الى قصر نظر مستشارى حكومة بوتين من المستعربين و الباحثين فى معاهد الأبحاث الستراتيجية الكثيرة الغرباء عن الواقع العربى و الذين يزودون الكرملين بتقارير مضللة عن جهل او نتيجة لنظرتهم الدونية الى شعوب الشرق العربى .، أضافة الى أن هؤلاء الباحثين و المستعربين ينطلقون فى العادة من علاقات التنافس بين العملاقين الأميركى و الروسى فى تقييم القضايا الخارجية ، كل ذلك يجعل أبحاث هؤلاء السادة غير موضوعية ، بل غير ذات قيمة فى كثير من الأحيان . و صفوة القول ان سياسة الكرملين تجاه الصحوة العربية لا تخدم المصالح الروسية فى المنطقة على الأطلاق ، بل تلحق بها أبلغ الأضرار ..
البعض من متابعى الشأن الروسى (2) يعتقد ان هذا الموقف " مبنى أساسا على نهج براغماتى بحت يقيم الوزن لحسابات الربح و الخسارة ، و لذلك ظهرت موسكو ، مستعدة للأعتراف بالثورات دون التخلى عن الأنظمة التى قامت ضدها . " و هذا القول صائب و خاطىء فى آن واحد . صائب ، لأن موسكو لا تعرف سوى حسابات الربح و الخسارة فى تعاملها مع الأنظمة العربية . و خاطىء لسببين ،
اولهما ، أن المواقف الروسية تأتى متأخرة جدا بعد ان تكون الأحداث قد تجاوزتها. و هذا ما حصل بالنسبة الى موقفها من الثورة الليبية ، حيث أعترفت بالمجلس الأنتقالى ، بعد أن تبين للقاصى و الدانى السقوط الحتمى لنظام القذافى و كان لهذا الموقف ردود فعل سلبية لدى الشارع العربى عموما و الشارع الليبى خصوصا . و يمكن القول ان الموقف الروسى من الثورات العربية و بخاصة الثورتين الليبية و السورية " شكل صدمة لكثير من الشعوب العربية ، حين أصطفت موسكو الى جانب النظم العربية ، رافضة للثورة و الحرية ."

و ثانيهما ، أن روسيا لم تجن من حساباتها الخاطئة سوى الخسارة .حيث ذهبت المساعدات الأقتصادية و التسليحية الضخمة التى قدمتها الى الأنظمة العربية القمعية أدراج الرياح ، و خسرت فى الوقت ذاته تأثيرها و نفوذها فى الوطن العربى . أى أن الموقف الروسى لا يمكن وصفه بأى حال من الأحوال بالبراغماتية !
" و ربما هذه أول مرة بتأريخ العلاقات الروسية – العربية ، تطالب فيها بعض الشعوب العربية بمقاطعة موسكو أقتصاديا و سياسيا و عسكريا ، بعد أكثر من نصف قرن من التقدير العربى لمواقف روسيا المساندة لقضايا العرب . "
وحسب وسائل الأعلام الروسية ، فأن موسكو تنتقد الولايات المتحدة و الدول الأوروبية و تركيا و الدول العربية ، بأنها تعد العدة لتغيير النظام فى سوريا ، و أن هذا التغيير لن يؤدى الا الى أثارة الحرب الأهلية فى هذا البلد . وترى روسيا ان المجتمع الدولى ينبغى ان يضغط أيضا على المعارضة السورية للجلوس وراء مائدة المفاوضات للتوصل الى حل يرضى الطرفين ، أى بعبارة أخرى يضمن بقاء بشار الأسد فى السلطة . و بذلك فأن روسيا تضع علامة مساواة بين القاتل ( نظام بشار ) و الضحية (الشعب السورى وممثله الشرعى ، المجلس الوطنى السورى). وتحاول أنقاذ نظام بشارالآيل للسقوط .

و لا شك أن الدعوة الروسية للحوار جاءت متأخرة جدا ،فقد فات أوان الدعوات ، لأن النظام استخدم الحوار لكسب الوقت و أراقة مزيد من الدماء أملا فى قمع الثورة الشعبية ، لذا فأن المجلس الوطنى السورى الذى يضم معظم القوى المعارضة لنظام الأسد ، قد رفض رفضا قاطعا أى حوار مع النظام القائم و طالب بتنحى بشار عن السلطة فورا . و كالعادة لن يطرأ تغيير جوهرى على الموقف الروسى الا فى و قت جد متأخر ، عندما تتيقن موسكو بأن مصير بشار قد صار قاب قوسين او أدنى من مصير القذافى .

نظام بشار فقد شرعيته و أصبح نظاما منبوذا و محاصرا من قبل المجتمع الدولى و سوف يسقط ان عاجلا أم آجلا , و لا أمل له بالبقاء ، مهما حاول و أستنجد بنظام الملالى فى طهران و تابعه ، حكومة المالكى .
يا لبؤس نظام بشار ! لم يتبقى له من نصير فى هذا العالم الواسع ، سوى نظام الملالى فى طهران و تابعه المطيع فى بغداد .

 

free web counter