| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جودت هوشيار

 

 

 

الثلاثاء  17 / 6 / 2014

 

غزوة الموصل : كيف انقلب السحر على الساحر ؟!

جودت هوشيار

سقوط مدينة الموصل بيد المسلحين من تنظيم داعش أمر جلل وخطير، غريب ومريب. لم يخطر ببال أحد، ولو كان مؤلفاً لقصص خيالية. الموصل الحدباء إحدى أهم المدن العراقية وأرقاها، لكن الأكثر غرابةّ تسليمها إلى "داعش" من دون قتال والهروب المخزي لأشباه العسكريين من جنرالات الدمج، وترك أهلها لمصير مجهول.

تخيل أيها القارئ الموقف العسكري في الموصل في الساعات الاولى من فجر يوم التاسع من يونيو/ حزيران الجاري: ثلاث فرق عسكرية جرارة مجهزة بأحدث الدبابات والمروحيات الهجومية المقاتلة والصواريخ والمدافع الثقيلة، وأنواع أخرى من شتى صنوف الأسلحة الفتاكة، وأحدث وسائل الاتصال. جيش لا يقل تعداده عن 45 ألف منتسب، وفرقة للشرطة الاتحادية قوامها 30 ألف منتسب مع 30 ألف منتسب من الشرطة المحلية، فضلا عن وجود فوج لقوات سوات وقوات طوارئ. كل هذه القوات التي سامت الشعب العراقي الذل والهوان، أسرعت في الهروب، وأطلقت سيقانها للريح، تاركة وراءها كل معداتها وأسلحتها، ومن دون أي مقاومة على الإطلاق، وتركت المدينة العزلاء من دون أي دفاع، وأتاحت لمئات من المسلحين، مجهزين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، السيطرة السريعة على مدينة واسعة، مترامية الأطراف، كالموصل بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية، بما فيها مقرات الجيش والشرطة ومخازن الأسلحة وطائرات وآليات ومعدات حربية، تم نقل معظمها على الفور إلى سورية، تحت أنظار الحكومة المركزية التي سحبت قوات الجيش من الحدود العراقية السورية والعراقية الأردنية، وتركتها مفتوحة. لتنقل "داعش" بين البلدين المنكوبين العراق وسورية.


محافظ قلق وجنرال مرتاح :

يقول محافظ الموصل السيد أثيل النجيفي في حديث متلفز أنه توجه - مع عدد من خيرة ضباط الجيش العراقي السابق ( المتقاعدين حاليا ) والذين يمتلكون خبرة ممتازة في حرب المدن - الى مقر قائد العمليات المشتركة الفريق اول ركن عبود قنبر . ويضيف النجيفي بمرارة : وجدت قنبر ( مرتاحا ) وكأن الأمر لا يعنيه ولم يحدث شيء على الاطلاق رغم أن الغزاة كانوا على مبعدة كيلومتر واحد فقط من المقر .وسألت قنبر : ماذا أنتم فاعلون ؟

رد قنبر بكل هدوء : لا شيء ، نحن بأنتظار أمر القائد العام للقوات المسلحة ( يقصد نوري المالكي ) .

وعبثا حاول النجيفي حثه والقادة الآخرين الذين كلنوا بمعيته على مقاومة الغزاة واضعا كل امكانات المحافظة وكل خبرات عدد من المع ضباط الجيش العراقي السابق تحت تصرفه. ولكن قنبر ظل مرتاحا ولامباليا فهو بأنتظار أمر المشير من بغداد . ونحن نعلم الآن والعالم يعلم أي أمر أصدره المشير الى قادة الجيش الكبار : " أنسحبوا وأتركوا كل شيء ورائكم . " هربت تلك القيادات وتخلت عن كل أسلحتها لـ( داعش ) ، وتم احتلال تلك المقار والسيطرة على طائرات الهليكوبتر التي كانت موجودة في مطار الموصل ، في عملية أشبه بعملية تسليم وأستلام .

بزات الجنرالات تحت الأقدام :

القدة العسكريون الكبار (قائد القوات البرية الفريق اول ركن علي غيدان وقائد العمليات المشتركة الفريق اول ركن عبود قنبر وقائد عمليات نينوى الفريق الركن مهدي الغراوي) نزعوا ملابسهم العسكرية وارتدوا ملابس مدنية وهربوا بأتجاه أقليم كردستان وسلموا أنفسهم للبيشمركة .

وقد عرضت القنوات الفضائية بزات عسكرية لرتب عالية، فريق ركن، لواء ركن، عميد ركن، مرمية تحت الأقدام في منافذ الدخول إلى إقليم كردستان، عندما تزاحم قادة جيش المالكي للهروب إلى الإقليم. هذه القيادات الدونكيشوتية التي طالما هدد نوري المالكي بها إقليم كردستان والمحافظات المنتفضة.

ألا تشبه هذه المسرحية المبتذلة، سيئة الإخراج نكتة بايخة، لا تضحك أحداً؟
وكنت قد كتبت، في مقال سابق، نشر قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أن الهدف من استدراج تنظيم داعش، حليف بشار الأسد وإيران إلى داخل المدن المنتفضة هو خلط الأوراق وإفراغ تلك المدن من سكانها وتشريدهم لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم في يوم الاقتراع، وكنت أقصد سكان مدن محافظة الأنبار في المقام الأول، ومدناً وبلدات في محافظتي صلاح الدين وديالى. ولم أتخيل يوماً أن المالكي سوف يسلم محافظة نينوى بكاملها إلى "داعش"، لأن هذا الاحتمال لم يكن ليخطر على بال أحد، مهما كان رأيه في المالكي الفاشل وحكومته الفاسدة.

أيعقل أن يتآمر المالكي على نفسه ؟

أطل علينا المالكي يوم امس من على شاشة قناة العراقية ليقول : " أن ثمة مؤامرة أو خديعة قد حصلت وأنه لا يعرف من أصدر أمر الأنسحاب الى القادة العسكريين." وبطبيعة الحال فان المالكي كدأبه دائما يكذب على الملأ دون أن يرف له جفن . فجنرالات الدمج ، الذين لجأوا الى أربيل يقولون أن أمر الأنسحاب أصدره المالكي شخصياً ، وهو الآن يتنصل من المسؤولية ويرميها على آخرين ( مجهولين ) ولم يتهم المالكي جهة معينة بتدبير المؤامرة أو الخديعة المزعومة .
ما حدث في الموصل جاء تتويجا لعمليات مماثلة أقل شأناً، منها انسحاب الجيش من مدن الأنبار، وتسليمها إلى "داعش"، والتواطؤ مع "داعش"، في عملية اقتحام سجن أبو غريب وإطلاق ما يزيد على ألف من عتاة الإرهابيين، وهروب القيادات والحراس، وانسحاب المهاجمين من دون خسائر.

أراد المالكي أن يحول الموصل الى فلوجة ثانية، ويتخذها مبرراً لقصف أحيائها السكنية، بذريعة محاربة الإرهابين داخل المدينة، وأغلب الظن أن أمر المالكي كان ينص على انسحاب الجيش إلى أطراف مدينة الموصل، وقصف المدينة من هناك بالصواريخ وقذائف الهاون، لكن تخبط الجنرالات وخشيتهم من الوقوع في أسر عناصر "داعش" أفسد الأمر كله. وبعد هروب القادة، دبت في صفوف الجيش فوضى عارمة، وحاول كل ضابط وجندي الاقتداء بالقادة الهاربين. وبذلك، فشلت خطة المالكي فشلاً ذريعاً، في تحقيق أهدافها، وخرجت الموصل عن السيطرة تماماً. وهكذا انقلب السحر على الساحر، ومع سيطرة "داعش" على مدن أخرى في طريقها إلى بغداد، أصيب المالكي بالهلع، وأخذ ينشئ جيشاً ميليشياوياً جديداً، ليس للدفاع عن العراق وتحرير المدن المحتلة وطرد الغزاة، بل لحماية الأضرحة المقدسة.

جيش الدمج :

يطلق العراقيون على جيش المالكي اسم جيش الدمج، لأنه تكوّن نتيجة دمج عدة ميليشيات (عراقية)، متنافسة فيما بينها على الغنائم، وإن كانت كلها موالية لإيران، ومنح المالكي الرتب العسكرية العالية لقادتها وثم عيّن عدداً كبيراً من المتطوعين المدنيين العاطلين عن العمل، أرغمتهم الظروف القاسية على التطوع في الجيش، لتأمين لقمة العيش. وكل هؤلاء لا يجمعهم أي هدف مشترك، وليست لديهم أي خبرة قتالية في ظروف الحرب، وغير مؤهلين لخوض أي معركة حقيقية، لأن قتل المدنيين العزل بدم بارد شيء وقتال المسلحين شيء آخر.

هذا الجيش قادر فقط على مهاجمة المتظاهرين والمعتصمين المطالبين بالخبز والكرامة ، كما حدث في ساحة أعتصام الحويجة قبل عام تقريبا حيث أطلقت قوات المالكي النار على صدور المعتصمين وسحلتهم ومثلت بجثامينهم . وبلغ عدد ضحايا هذا الهجوم الأجرامي الغادر ستين قتيلاً ومئات الجرحي .

وكما حدث في بلدة (بهرز) الجميلة ، بلدة البرتقال والبساتين الخضراء ، حيث وجه المالكي قطعان ما يسمى (عصائب أهل الحق) و( ميليشيا بدر) الأجرامية ، لأعدام عدد كبير من رجالها وأغتصاب النساء وسرقة ما خف وزنه وغلا ثمنه من منازلها ومتاجرها ..

قوات المالكي (الأمنية)، أو بتعبير أدق، جستابو المالكي، تخصصت في تعذيب السجناء واغتصاب السجينات، وتهديد واعتقال المدنيين الأبرياء لأقل شبهة وإشهار السلاح بوجوههم وابتزازهم تحت التهديد بانتهاك أعراضهم. هذه هي (بطولات) جيش الدمج. ماذا يتوقع الإنسان من جيش يقوده جنرالات كرتونية مشغولون بسرقة المال المخصص لأرزاق الجنود؟ حتى الإجازات المستحقة للضباط والجنود لا تمنح الا لقاء رشى. ومنذ مذابح الفلوجة لا يعود أي ضابط أو جندي الى وحدته بعد انتهاء أجازته. وبلغت نسبة الهروب من الجيش أكثر من 30 %، بعد استشهاد أكثر من ستة آلاف وإصابة ما لا يقل عن 25 ألف جندي وضابط بجروح وإعاقات دائمة.

تصور، أيها القارئ الكريم، أن 300 ألف جندي وضابط يفضلون البطالة وفقدان لقمة العيش على البقاء ضمن جيش مهزوز ينخره الفساد.

بيت القصيد :

الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء في العراق واسعة جدا ، وفوق هذا احتكر المالكي الملف الأمني وهيمن على السلطة القضائية بعد شراء ذمم كبار القضاة ، وضيّق الخناق على البرلمان الذي لم يعد قادرا على ممارسة دوره التشريعي والرقابي . كما سيطر المالكي على الهيئات المستقلة ، ومع ذلك يطلب الآن من البرلمان الموافقة على اعلان حالة الطواريْ ، أي ايقاف العمل بالدستور والغاء المحاكم المدنية بعد أن تيقن أنه لن يحصل على أغلبية الثلثين في مجلس النواب الجديد لأختيار رئيس الجمهورية - كما ينص الدستور العراقي - والذي يقوم بدوره بتكليف زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة الجديدة . وربما – وأرجو أن أكون مخطئاً – أدخل المالكي داعش الى مدينة الموصل ليتسنى له ايجاد مبرر لأعلان حالة الطواريء وتجاهل البرلمان الجديد والبقاء في الحكم حتى الممات . ولكن رهان المالكي خاسر لا محالة .، لأن البرلمان لن يحقق مأرب المالكي المريب ولن يوافق على اعلان حالة الطواري التي يريدها المالكي ، لسحق المعارضين للولاية الثالثة . بقاء المالكي في سدة الحكم هو الخطر الأكبر المحدق بالعراق اليوم .
 



 

 

free web counter