| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

جمال الهنداوي

 

 

                                                                                 الجمعة 18/2/ 2011

     

ما زال هناك عمر للاستبداد في اليمن..

جمال الهنداوي       
 

ليس انتقاصا من حقيقة ان الحراك الثوري والانتفاضات الاحتجاجية الشعبية العربية قد قدمت دليلا واضحا على أن الشعوب, وان كانت قد اسرفت في الصبر الطويل على الظلم وحكم الاستبداد ..إلا أنها إن اختارت ان تدق على باب القدر ..فهي قادرة على إحداث التغيير المطلوب..وليس تغافلا عن تشابه انظمة الاستبداد العربية في الورقية والفساد والهشاشة المتأصلة في عمق تكوينها البنيوي..ولكننا لا يمكن ان نتجاهل تأثير الخواص المجتمعية لهذا البلد او ذاك على نتائج هذا الحراك..وعلى اغلال يد النظام او اطلاقها في قمع وكسر وتحطيم الارادة الشعبية المناهضة للحكم..

مخيفة هي الاخبار التي تقرعنا من ارض اليمن الذي كف ان يكون سعيدا..وقلق لا يمكن له الا ان يعترينا ونحن نراقب الاحتجاجات الشعبية تجاه الظلم والاضطهاد الذي تطاول مداه ..
ومبعث القلق ان المظاهرات الآخذة في التصاعد يبدو انها متزامنة مع تغول الاجهزة الامنية في عمليات القمع والترويع تحت اغطية كثيفة من التشويش الاعلامي والتشتيت السياسي والتشويه المجتمعي الذي يبدو ان النظام يجيد التعاطي معه بصورة افضل مما عليه الحال لاخوان له في الاستبداد ..

فالنظام اليمني الذي تعود التلاعب على الوتر القبلي والعشائري في مجتمع منقسم سياسيا وطائفيا ويتميز باولية الانتماءات الفئوية على مشترك وطني مغيب أكل النظام من جرفه الكثير ..النظام المستند على الخبرة الطويلة التي تحصل عليها ممارساته المتقادمة لتقنيات الاستقواء بالخارج واعتماد سياسة استعداء القوى الاقليمية على الفعاليات المناوئة والمناهضة لسياساته..يبدو انه مستعد للذهاب بعيدا..وبعيدا جدا..في صراعه للبقاء متربعا على عرش بلقيس..حتى لو كانت قوائم هذا الحكم المتهالك خائضة في الدماء المسفوحة على الارض المحروقة المضمخة برائحة البارود وقعقعة الحرب الاهلية..

وكذلك لا يمكن التغافل عن الدور الاقليمي المتطير والمتوجس من تطور الاحداث في هذا البلد ..وخصوصا من قبل الجار الشمالي الذي تؤكد المعطيات عدم تقبله لتفلت حديقته الخلفية من بين اصابعه التي ما زالت ترتجف من هول فقدان عمقه السياسي والستراتيجي الممثل بالنظام المخلوع في مصر..مما يتوقع معه استعداده العالي والمسبق التخطيط والترصد للتدخل المباشر في الاحداث ..وعلى مستويات اكبر وابعد بكثيرمن تعاطيه المرتبك مع تداعيات الحركة الحوثية..كنوع من الدفاع عن مصالح ستراتيجية عليا يرى انها غير قابلة للتفريط..

كما ان غياب الإجماعات الوطنية وتشتت الشعارات الشعبية..وحربائية وتلون الخطاب الرسمي المنافق.. قد تعد من الامور التي تسهل على هذه القوى الاقليمية الخارجية التدخل لفرض نوع من الامر الواقع المبني على الاملاءات القسرية والارتهان السياسي الخارجي المسوق اعلاميا وسياسيا ..بغض النظر عن ملاءمة هذه الواقع للمصالح والأولويات اليمنية..

وعليه..فان هذا الواقع الذي تعيشه اليمن..يشي بالصعوبة البالغة لعملية التغيير الداخلي الآمن والبعيد عن اخطار التفكك والانقسام.. فالقوى السياسية المؤهلة لقيادة هذا الحراك اما تكون غير فاعلة أو مغيبة، والقوى النافذة التي تمتلك حضورا على الارض كالفعاليات القبلية والعشائرية قد لا تكون معنية بالتغيير ..او قد تجد نفسها مستهدفة به..مما يدفعها الى مقاومته خوفاً على مصالحها وارتباطاتها الفئوية الضيقة.. ثم ان آليات التغيير السلمي والديموقراطي والدستوري نفسها غير متوفرة.

هذه المعطيات ..وغيرها يمكن ان تؤكد ان عمر الاستبداد في اليمن قد يكون اطول مما يتمنى المحتجين..خصوصا وان هذا النظام قد بادر الحراك الشعبي بما انتهى به النظام المصري..وكان تحريكه للقوى المموهة والمرتبطة والمؤيدة له ودفعها للاصطدام الاستباقي المتوحش بالمظاهرات نوع من الاستفادة من الدرس المصري الثمين..ولكن بشكل اقل احساسا بالمسؤولية..مما قد ينذر بحمامات من الدماء المتدفقة بوفرة وسخاء تحت شعارات الحفاظ على الهوية ورفض الإملاءات الخارجية..والمسيرات المتطاولة من اللعن الهستيري الزاعق للامبريالية والصهيونية..وهذه الامور لو اضفناها الى اللاابالية الاخلاقية التي يتمتع بها النظام اليمني منفلت العقال..ومستوى التسلح العالي للشعب والقبائل اليمنية ..فهي مما قد يثير المخاوف من مضاعفة باهظة غير قابلة للتوقع للكلف المادية والبشرية لعملية التغيير ..ومما قد يحيل اليمن السعيد الى مجالا واسعا للفوضى العارمة ومرتعاً خصبا لمشاريع الوصاية الخارجية...
 

free web counter