| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الهنداوي

 

 

 

السبت 15/1/ 2011

     

كم كان الرئيس بن علي متفائلاً..

جمال الهنداوي

ثلاث سنين فقط وسأرحل .. كم كان الرئيس متفائلا.. وكم كانت ثقيلة عليه هذه الكلمات .. فلم تسر الامور كما ارادها.. ولم يعد البلد ظريفاً.. ولم يعد الشعب ودودا كما كانً.. ولم يعد يكفي أن يقول الرئيس للشيء كن فيكون.. ولا ان يقول ان الجماهير الزاحفة الى الشوارع ليس الا عصابات ملثمة, ومتآمرين يحركهم الخارج, وعملاء للغرب, حتى تتلاشى من الوجود.. ويطلق عليها الرصاص بعيون دامعة من الغبطة.. قد عرفتهم يا سيدي الرئيس..

ثقيلة ومؤلمة على الرئيس ان يعترف بأنه لم يكن بذلك السلطان الملهم الذي يتلقى كلمة السماء.. بل هو مجرد شخص مضلل محاط ببطانة سيئة ضللته ولم تقل له بأن الامور ليست بما يتمنى الرئيس.. من جاء بهم يا سيدي.. ومن اطلقهم على ارواح ومقدرات وثروات الشعب التونسي البطل سياطا ورصاصا ونهبا وتجويعا وتشريدا في بحار الدنيا وعلى نقاط التفتيش المهينة..

صعب على الرئيس - أي رئيس - ان يجثو على ركبتيه معترفا بالعجز ومطالبا بثلاث فقط من سنوات كانت ممتدة امامه يغرف منها ما يشاء.. عسير على الحاكم الذي جاء للسلطة مناديا الا لا حياة للحكم المطلق.. ومطلقا الوعود بالحد من احتكار السلطة .. ولينتهي برئاسة خامسة.. ان يستوعب ان لا تأتي تهديداته ووعيده بالبرد والسلام على نظامه المسرف في اهلاك الحرث والنسل.. وان يرى الحشود الضخمة التي ملت الجوع حد الانتحار.. تخرج متحدية القبضة الأمنية الحديدية للنظام ومتمردة على سياط الجلاد ودموية السلطة واداتها القمعية.. اين هم ناخبيك يا سيدي.. واين من ابتهل لك بطول البقاء على خزائن الارض ما مد الله لك من الايام ومادام هناك شيء ينبض في حناياك..

قد قال الشعب كلمته.. ووقف امام آلة النظام المزمجرة والمغطاة بدعم عربي راجف مرتعش وتواطؤ غربي مخجل.. مجردا الا من شجاعته واستحضاره لكل عظمة واصالة الانسان العربي التونسي العظيم بصوته الهادر وايمانه بان القيد لابد ان ينكسر.. وان دوام هذا الليل ليس قدرا اذا ارادت الشعوب الحية ان تمارس فعل الحياة.. لتتحول تونس التي اريد لها ان تكون مثالا للاحباط المغلف بشعارات الحداثة والتنمية الزائفة .. الى ريادة الانعتاق العربي الرافض لسلطة النهب والتكميم والتعتيم واعلاء التحالف المدنس ما بين الفساد والخيانة الوطنية الاقتصادية والسياسية والتأبد على الرقاب من خلال الاستقواء بالغرب على الشعوب المقهورة.. تلك السياسة التي لم تجلب لشعب تونس البطل سوى المزيد من الفقر والبطالة والقمع والامتهان وفقدان الكرامة الوطنية.

قال الشعب كلمته شجاعةً ونبلاً.. وقالها النظام.. جبنا وتخاذلا وارتعاشا وحلولا غرائزية لم تجد الا اطلاق الساق والتضحية برأس النظام الفاسد على مذبح الركوع للارادة الشعبية.. وان كان الشهيد البطل " محمد بوعزيزي " لم يتحصل الا على جسده الطاهر سلاحا ليحرقه احتجاجاً على التجويع الممنهج للشعب وعلى البطالة والتهميش.. فان تضحيته قد اشعلت بركان الغضب الشعبي من خلال الانتفاضة التي تحولت إلى قوة متصاعدة هائلة ، تضاءلت امام جبروتها كل تراث القمع والاسيجة النارية التي احاط النظام نفسه بها من أجهزة بوليسية ومخابراتية متغولة ومنفلتة وشرسة ، ومن خلال الامساك بجميع مفاصل الاقتصاد وادارته من قبل المافيات العائلية الحاكمة تحت غطاء الليبرالية الاقتصادية التي تنظر فقط وبعين عوراء الى اقطاب النظام والشركات الدولية المتواطئة، ومن الاسراف في استرضاء الغرب عن طريق انتحال صفة المحارب الجسور على الارهاب..

لقد فتحت انتفاضة الشعب التونسي البطل كوة في ظلام الخنوع العربي يبدو انها مرشحة للاتساع لتكون بحجم وعظمة الامل الذي يتفاعل في صدور الشعوب العربية التي ملت الاذلال والخضوع والإفقار والتهميش .. وان التعتيم الذي تفرضه اجهزة الاعلام الرسمية على النور الذي اضاء العالم من ارض تونس الخضراء لن يكون كافيا لتكميم الغضب الشعبي الذي برهنت الانتفاضة التونسية الباسلة على نجاعته كسبيل اوحد نحو التغيير والتحرر والانعتاق، فالواقع المؤسف المأزوم يتشابه موضوعيا من المحيط الى الخليج .. واتساع حالة الاحباط الناجمة عن استنفاذ الوسائل المدجنة المتسالمة مع هذه الانظمة التي اسرفت في امتهانها لكرامة الانسان وقامرت بلانهائية السقف المفتوح للنهب والسلب والتركيع والتجويع وعدم الاكتفاء بكل القناطير المقنطرة من مقدرات الشعوب المستلة من افواه الجياع ومن مستقبل بلادهم.. قد لا تجد بدا من ترديد صدى المثال التونسي العظيم..على حكامنا ان يتوصلوا -متأخرين- الا ان وقت الاستعباد والارتهان قد ولى مع اول شرارة انطلقت من النار التي عمدت الشهيد العزيز النفس "البوعزيزي" وان الاجراءات الترقيعية والتجميلية لم تعد ذات جدوى.. وان المواطن لم يعد مستعدا لتحمل اعباء الادارة المتقادمة المأساوية المتوطنة في البلدان الناطقة بالضاد.. وان عليهم ان يلتفتوا الى الانسان ويعيدوا له ما استلبوه من انسانيته وحقه في الحياة الحرة الكريمة.. فان الشعب العربي يهتف الان لشعب تونس معليا النداء يا ليتنا كنا معكم لنفوز فوزا عظيما.. ولن يمر وقت طويل حتى تتردد هذه النداءات داخل قصوركم وداخل مخادعكم وغرفكم المغلقة .. ولن ينفع يومها التحجج بانكم قوم لا تعلمون..


 

free web counter