| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلفي

 

 

 

الخميس 6/11/ 2008

 

زيارة الى بقايا الهور

جاسم الحلفي

سمعنا كثيرا عن مشاريع إحياء الأهوار، وتابعنا تصريحات المسؤولين حول أهمية ذلك، وابتهجنا كغيرنا من الوعد الذي قدمه احد الوزراء المعنيين برعاية ثقافة سكانها الأصليين، والحفاظ على تراثهم، وتوفير مناخات صحية لعودتهم الى الأهوار بعد هجرتهم القسرية منها. فيما لم تؤثر أكثر التصريحات تشاؤما على أجواء التفاؤل بإعادة الحياة الى الأهوار رغم الخراب الكبير!

ليست تصريحات المسؤولين العراقيين هي وحدها التي أكدت على ان مشروع تأهيل الاهوار يمثل أولوية في مشاريع إعادة الأعمار، فقد أشارت تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة قبل عامين الى "إن 20 بالمئة من المساحة الأصلية من الهور تم غمره، ورافق ذلك إستعادة حوالي 30 بالمئة من النظام الطبيعي". وهذا ما جعل المرء مطمئنا ليس على إعادة أكبر نظام بيئي في العراق، واهم طرق لعبور الطيور المهاجرة ما بين القارات وحسب، بل كون مناطق الأهوار تحضى باهتمام دولي لما تمثله من تراث إنساني لا نظير له.

ولكن بالرغم من ذلك كله فان من يزور هور العمارة سرعان ما تتضح له مفارقة مؤلمة حين يجد "المشاحيف" منسية في صحراء قاحلة جرداء لا ماء فيها ولا حياة!. غير ان هذا الواقع المؤلم لم يمنع قسم من سكانها الاصليين من العودة الى هذا المناطق بعد هجرتهم القسرية منها اثر جريمة التجفيف. فبعد ان ضاق عليهم الخناق في المدينة، وبعد أن كانوا قد فقدوا البيئة الحياتية والاقتصادية التي تؤيهم، عادوا الى أرضهم. غير ان " الرياح تجري بما لا تشتهي السَفن "، فأن شكلت هجرتهم من الهور بداية لمأساتهم، فبالعودة إليه كبرت المعاناة.

عاد ابن الهور والعودة محمودة، فأين لابن الهور الحر الطليق ان يبقى بعيدا عن رائحة القصب والبردي، هذا الذي لا يطيق العيش في المدينة وغلائها ومشاكلها التي لا تحتمل خاصة لمن لا يعرف غير الصيد وزراعة وتربية المواشي مهنة يعتاش منها. فعاد الى ارض كانت هورا وابتنى فيها بيتنا من الطين وبقايا القصب قرب نهر العز الذي شقه عام 1992 مفكري هندسة الخراب والدمار ضمن خطة تجفيف الاهوار. عاد الى اثر الهور ولم يجد غير بؤس جديد يعيش فيه، فلا طموح سوى ماء صالح للشرب.

فاذا كانت عمليات تجفيف الأهوار قد اعتبرت جريمة ومأساة وكانت ترد على كل شفة، لكن الوضع المعيشي والإنساني للعائدين الى اثر الهور شكل صدمة ومصيبة مخجلة لا تزال ماثلة أمام العين، فكيف يمكن تصور ان قاع الهور قد جف، فلا بردي ولا قصب هناك. وليس الهور وحدة يشكو من العطش، فانهار المشرح والكحلاء والبتيرة لا قطرة ماء فيها، فعليك ان تتصور معنى الحياة هناك!

يواجهك الناس في الكًبيبة والصكًيل والاحمر والعويدية والطيب والمصيل وقد سحقتهم المأساة مرددين وهم في قمة الغضب:
لقد حاربَنا الطاغوت بالماء والان تتم محاربتنا بالماء أيضا!
ويستغيث أقرانهم في الشلفة والاكرع والعوينية والكريبة والبيضة والصخرة والكسارة و الزكية والخير مؤكدين: لا تنسوا ميسان !!


 

free web counter