| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلفي

 

 

 

الجمعة 31/10/ 2008



مراكز استطلاعات الرأي: إتاحة المعلومة ام تزييفها

جاسم الحلفي

ما إن بدأ العد العكسي للموعد الافتراضي الذي ستجرى فيه انتخابات مجالس المحافظات، حتى سارعت "مراكز استطلاع" غير معروفة بنشر نتائج "استطلاعاتها" حول اهتمام المواطنين واحتياجاتهم، واختياراتهم للقوائم والأحزاب والزعماء.

ان تلك "المراكز" التي أطلقت على نفسها "إستراتيجية"، عرضت في تقاريرها نتائج وتحليلات غير مقنعة وبعيدة عن الواقع بشكل واضح. ولم تنفع النسبة 2.5% التي حددت فيها مقدار الخطأ كي تبين ان هناك منهجا علميا تم إتباعه بما لا يقبل الشك والتأويل!. فيما لم تشر تلك التقارير، كما هو متعارف عليه، الى طريقة اختيار العينة، ونسبتها في المجتمع، ولا إلى إمكانية مستطلعي الرأي ومؤهلاتهم. هذا إضافة إلى افتقاد تلك التقارير الى أسماء الخبراء والمحللين والمشرفين على ذلك، ما يضعها في دائرة الشك!. ويجعل التساؤل عن المغزى والهدف من ذلك ملحا، خاصة حينما نلاحظ ان نتائجها تقترب كثيرا من الدعائية الانتخابية والترويج لعدد من الشخصيات التي تصدرت الحكم أبان السنوات الخمسة المنصرمة، ما يؤكد ان الهدف ليس سبر آراء الناس بطريقة موضوعية قدر التسويق الانتخابي لهذا الشخص او ذاك.

ان لمراكز البحث وإستطلاع الرأي أهمية كبيرة، ولا يكن لأي مؤسسة حديثة، تعنى بمعرفة رأي الناس ان تستغني عنها، حتى أصبحت نتائج بحوثها وتقاريرها مطلوبة ليس من طرف صناع القرار وحسب، بل أيضا من القوى التي تطمح للتغير. وهناك مؤسسات ومراكز استطلاع رصينة كان لنتائج أعمالها اثر كبير في تغيير وتدقيق القرارات نظرا لدقة تقاريرها ومصداقيتها.

ومن هنا تتضح أهمية استطلاعات الرأي العام ومعرفة اتجاهاته. والتعرف على مزاج المواطنين، وأوليات احتياجاتهم وما يشغلهم وبشكل علمي دقيق. لكن العراق لم يعهد ذلك، بل كانت فيه المعلومة التي تتحدث عن الشأن السياسي من المحظورات الخطيرة، ولم تترسخ لحد هذه اللحظة علنية المعلومة وأهمية تسخيرها بحياد، وواجب تعميمها بإنصاف، وتأمين حق المواطن في الحصول عليها كما ذهب الدستور.

هناك حاجة ماسة الى بناء ثقافة مجتمعية تتقبل فكرة استطلاع الرأي، وتداول المعلومة وإتاحتها للمواطنين بهدف تشجيعهم على المشاركة الإيجابية، وتنمية ثقافة الشفافية والمحاسبة. ولكن تحقيق ذلك يظل مرهونا بمدى التزام تلك المراكز بالأخلاق المهنية، وبالمناهج العملية إبتداءاً من طريقة إجراء الاستطلاع، وتصميم العينة، الى تفريغ البيانات وانتهاءاً بتحليلها والإعلان عن النتائج.

اما تلك الاستطلاعات التي تهم الشأن العام وتهتم فيه، فمن باب أولى ان لا تستخدم للضغط السياسي، والدعاية الانتخابية، وان لا تستغل كإرهاب فكري يمارس ضد الآخر، او كوسيلة لتزييف الواقع وخداع المواطن وتضلليه. ومهما حاولت "مراكز الاستطلاع الإستراتيجية" التي لم يسمع عنها احد من تشويه المعلومة وابتذالها، فان هناك صعوبة بالغة في تحويل الوهم الى واقع.
 

free web counter