| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلفي

 

 

 

الخميس 25/9/ 2008



مشروع "كامل" للدولة المدنية

جاسم الحلفي

لم تكن لكامل أية علاقة مع السلاح، الا حينما استخدمه القتله ضده يوم 23/8/2008 في شارع محمد القاسم، واطلقوا عليه نيران حقدهم وهمجيتهم، كي يقضوا على واحد من الذين يقفون بحزم ضد الطغيان والتخريب والتدمير، في محاولة يائسة لإيقاف مشروع التقدم والتطور والتجديد، المشروع الواعد في مواجهة الهمجية والتخلف.

لم يستهدف كامل لكونه يتبنى المشروع الوطني للعراق الديمقراطي التعددي التداولي نظريا وحسب، بل لعمله ونشاطه من اجل ذلك، وما سر قوته التي اخافت القتلة والمجرمين إلا انغماره في عمل متفان في إحدى أهم ساحات الصراع بين التقدم والتخلف، ولم يستهدف كامل بسبب كبر المساحة التي يحتلها مشروعه في المشهد العراقي الحالي، فالمشروع الان يبدو ضعيفا، لكنهم قتلوه ليقينهم بمستقبل ومصداقية المشروع وآفاقه الواعدة التي سترسم ملامح مستقبل العراق القادم.

قتلوه لرعبهم من لمساته التي خط بها دربا نحو ترسيخ الثقافة الوطنية الديمقراطية بأفقها الإنساني، في وزارة كان الصراع فيها شديدا بين من يريد ان يبنى انسانا عراقيا يعيش في وطن حر ومجتمع متسامح، يضم العراقيين المتوحدين بتنوعهم من جهة، وبين مشروعين خطرين على العراق من جهة اخرى، احدهما ينزوي تحت الهوية التي تضيق حتى الاختناق، من شدة ظلمتها، بينما يشيع الآخر قيم الليبرالية المتوحشة التي تغذي نزعات الاستهلاك والنفعية والأنانية.

فالمشهد يكشف عن الصراع بين الآفاق المنفتحة للإنسانية وبين الانعزال والانطواء، والتشبث والانشداد للماضي او التنكر للتاريخ، دون أي محاولة لرؤية الحاضر وتفهمه وقراءته قراءة علمية رصينه متأنية، والعمل على "تحرير المستقبل من الماضي".

فاختار كامل في هذا الصراع قوة الكلمة ووضوحها، كخيار وحيد لابد منه لبناء الوعي والثقافة الديمقراطية في المجتمع، وإحداث التأثير الايجابي فيه، فالعمل عنده، فعل أنساني راقٍََََ يعيد الروح للثقافة العراقية الإنسانية، ويجعل الحياة في مؤسساتها تتدفق بحيوية وانسياب.

ومن هنا كانت علاقاته برموز ثقافتنا الديمقراطية وحرصه على إدامتها بهم، وقناعته بأنهم ثروة كبيرة، ليس لإبداعهم في صناعة الجمال وتطوير الذائقة الجمعية، ووقوفهم بشجاعة طوال هذه المدة ضد القبح والبشاعة والتخريب والفساد وحسب، بل لدورهم الكبير وطاقاتهم الهائلة وإمكانياتهم الواعدة في إعادة وجه الثقافة العراقية الصبوح، وتكريس المشروع الثقافي العراقي كمشروع يحافظ على الهوية الوطنية، وبمحتواها الديمقراطي الذي لا يمكن له إلا ان يكون تعددياَ يزدهر بالتنوع، إنساني الأبعاد، واسع الأفاق.

لكن مسعاه مع زملائه الرائعين من اجل ان تكون الثقافة في العراق، ميسرة للجميع، قد أزعج أعداء الثقافة ومشروعهم البائس في بناء مشروع دولة اللون الواحد، مشروع التخلف والانعزال وضيق الأفق، أولئك المروجين للكراهية بدلا من المحبة، والثار بدلا من التسامح، والعنصرية بدلا من الإنسانية، والطائفية بدلا من المواطنة، مستخدمين من اجل ذلك وسائلهم المخزية والمخجلة حيث التفخيخ والتفجير والخطف والقتل على الهوية، مرورا بالفساد والمحاصصة الطائفية والانطواء وبناء الخوف في نفوس الأبرياء.

لذا لم يعمل في إطار الدولة إلا لكونه يحمل مشروعاَ لإعادة بناء مؤسساتها. مشروعه كان جماعياَ، وهو "شخص دون مشروع خاص، في السياسية كما في الثقافة" مشروعه "مرتبط مع الجماعة، فلا فعل ولا حضور دون مشاركة وتضامن". وفي ذلك يكمن سر انتمائه للحزب، وهذا ليس غريبا على مفكر وباحث دؤوب كان اسمه بين أسماء هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة، في وقت حسب العديد ان الالتزام قيد، لكن التزامه لم يكن قيدا على حريته الفكرية وإبداعاته الثقافية، ولم يقف حائلا أمام اندفاعه نحو التجديد والتطوير والابتكار.
فحرية الباحث والمفكر الملتزم هي مسؤوليته، وقدرته الإضافية، في اكتشاف "الهدوء، والصدق ورفعة الشأن العام"

 

free web counter