الجمعة 10 /2/ 2006

 


(الذاكرة العراقية)


شهود على الانقلاب الدموي الأسود في 8 شباط

الحلقة 1

 

جمال الهاشمي

* نوح علي الربيعي : القانون رقم (80) أحد أسباب الانقلاب الدموي

كان في انقلاب 8 شباط ضابطا برتبة ملازم في الجيش وعضوا في الحزب الشيوعي العراقي ضمن تنظيمات الخط العسكري التقيناه في الحوار التالي ليسلط الضوء على مرحلة سبقت الانقلاب وأيام الانقلاب كونه شاهدا من الكادر الذي قاوم الانقلاب منذ ساعاته الاولى .

*مرحلة سبقت الانقلاب وهي رحلة ثورة 14 تموز الوطنية ما جرى وانت ترى تحركات العناصر الرجعية داخل الجيش وضد القوى الوطنية والنظام الوطني القائم حينذاك؟
- كانت ثورة 14 تموز الوطنية الديمقراطية التي هزت أركان الاستعمار في الشرق الأوسط من خلال تدمير حلف بغداد وفضح مخططاته ونواياه التامرية وشرعت قوانين اقتصادية واجتماعية وسياسية مع بناء مؤسسات المجتمع المدني كلها في خدمة الإنسان العراقي وهذا لم يكن بعيدا عن تربص الدوائر الاستعمارية بالثورة لكن للأسف الثغرة الأولى التي وفرت فرصة للعناصر الرجعية والعملاء للتحرك بحرية هي انفراط عقد جبهة الاتحاد الوطني والتي شكلت عام1957 بين القوى الوطنية الرئيسية،وبدأ الصراع السياسي والفكري يدب بين كل القوى الوطنية ناهيك عن الدور الخارجي الذي اصبح للأسف موجها لبعض الأطراف الوطنية،حيث خلقت حالة من العزلة التامة بين القوى الوطنية ، والأسف الكبير أن الصراع لم يكن بطريقة الحوارات الهادئة والشفافة ضمن أهداف مرسومة لمصلحة الثورة وقيادتها الوطنية، بل بوادر الصراع كان طابعها العنف والتصفية الجسدية، من اجل الاستحواذ على مكاسب شخصية أو غنائم ليس للعراق وشعبه مصلحة فيها، وما يحز في نفسي شخصيا هو إن رفاق ألامس في تهيئة وأعداد التنظيم ومن خطط لها اصبحوا بين عشية وضحاها من أعدائها وهم في خندق ضد عدو مشترك .
لكن التآمر على الثورة واضحا للبيان في تلك الأيام وباعتباري ضابطا شيوعيا وضمن التنظيمات العسكرية في الجيش العراقي كنت مع رفاقي نلمس التآمر اكثر من غيرنا وكان التسامح والرحمة فوق القانون وفتح الأبواب وكل مجالات العمل لقوى الردة ومن ورائهم قوى مسيسة لمصالح الاستعمار ورغم معرفة النظام الوطني وعلى رأسه الزعيم عبد الكريم قاسم بان الحزب الشيوعي العراقي المدافع الأول عن الجمهورية اكثر من أدعياء القاسمية والوصوليين والانتهازيين  .

* هل قضية التآمر داخلية برأيك من اجل المكاسب الشخصية وبعض المواقف العربية وانفراط جبهة الاتحاد الوطني والاحتراب السياسي وحدها سهلت للانقلاب .

- كانت المؤامرات تتوالى باستمرار لغرض إسقاط النظام الوطني وتشويه ثورة 14 تموز والالتفاف على مضامينها الوطنية، الذي صعد التآمر ليأخذ أدوارا كبيرة والحلقة تتسع لشركاء اكبر واكثر هو صدور قانون رقم (80) الذي حجم دور مصالح شركات النفط الأجنبية العاملة وضرب مصالحها لقد كان القانون تدوين شهادة قتل الثورة وذبح القوى الوطنية وكان الحزب على دراية كاملة بما يجري على بلغ الساحة السياسية داخل وخارج العراق وخصوصا التنظيمات العسكرية وكنا نبلغ الحزب بكل التفاصيل .

* كم كانت قوة التنظيم العسكري؟
- كان تنظيما واسعا على مستوى الصنوف العسكرية والوحدات المنتشرة بطول البلاد وعرضها وكم هائل من الضباط بمختلف الرتب مع عدد كبير من ضباط الصف والجنود وضباط الاحتياط .

* كل هذا التنظيم وعلمكم بالتحركات وانتم تملكون هذا الرصيد من الضباط والقادة الوطنيين والمخلصين وخسرتم المعركة؟
- - نعم لدينا تنظيم وقادة وطنيين ومخلصين وهم خيرة كوادرنا الشيوعية في الجيش يشار لهم بالبنان أمثال الشهيد جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية والشهيد طه الشيخ احمد مدير الحركات والشهيد وصفي طاهر المرافق الأقدم للزعيم والشهداء داود الجنابي وفاضل عباس المهداوي وماجد محمد أمين والكثير منهم والذين سقطوا دفاعا عن ثورة تموز والحكم الوطني في يوم 8 شباط في قلب الوزارة وما بعدها . لكن قبل الانقلاب تم إحالة مجموعة من خيرة الضباط المخلصين على التقاعد مع أحداث تنقلات وأبعاد كافة الضباط الوطنيين والشيوعيين وتسريح وجبات من الضباط الاحتياط وإعادة ضباط كبار إلى مواقع حساسة داخل الجيش وتسليم قيادات المناطق إلى قادة عسكريين معروفين بمعاداتهم للنظام الوطني ومفضوحين برجعيتهم يضاف إلى تسليم منصب الاستخبارات العسكرية إلى عنصر معاد للثورة وانتهازي والكل يعرفه كل هذا أعطى الفرصة للانقلابيين مع الدور الخارجي للأعداد للمؤامرة واليوم تعلم أن الكتب والوثائق كشفت كل شيء وبخط من شارك بالانقلاب من القيادات العليا .

* حدثنا عن مقاومة الضباط الشيوعيين بشكل خاص مع أبناء شعبنا من المخلصين الذين شاركوا بالدفاع عن الحكم الوطني ضد الانقلابيين؟
- ما ذكرته عن دور القادة الشيوعيين في التنظيم العسكري في السؤال السابق وساعة الصفر كانت في استشهاد الرفيق جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية الا إن معركة وزارة الدفاع ودور الشهيد الملازم البطل علاء الأمين الذي استشهد والقاذفة في يده وهو يوجهها ضد الدبابات والشهيد الملازم محمد مجيد بحر الذي لم تفارق الغدارة يده والشهيد نوري ناصر الذي قاتل بإصرار وعناد ثوري والشهيد المقدم فاضل البياتي مسؤول تنظيمات الضباط ، وممثل الحزب الشيوعي والشهيد المقدم سعيد كاظم مطر بطل المقاومة في وزارة الدفاع والشهيد الملازم كنعان حداد والشهيد صلاح الدين محمد جميل ورفاقه قادوا المقاومة في معسكر سعد في بعقوبة والعديد من شهداء الحزب من ضباط الصف الشيوعيين كلهم استشهدوا بإصرار دفاعا عن ثورة 14تموز ونظامها الوطني واسمح لي أن اروي قصة فريدة ونادرة من نوعها على موازنة الزعيم عبد الكريم قاسم للأمور قصة الشهامة والبطولة التي تميز المرحوم الزعيم إبراهيم حسين الجبوري ، كان الجبوري من أوائل الضباط الشيوعيين من مؤسسي تنظيمات الضباط والجنود الأحرار في الجيش العراقي . وبسبب إخلاصه ونشاطه كشيوعي ضمن صنوف الحزب وجراء إخلاصه للثورة ، أحيل على التقاعد أوائل عام 1962ولدى سماعه البيان الأول لانقلاب 8 شباط . سارع بارتداء بزته العسكرية وتوجه نحو وزارة الدفاع تلبية لنداء الحزب للدفاع عن ثورة 14 تموز لدى وصوله وزارة الدفاع والجماهير المحتشدة أمام الوزارة تطالب بالسلاح لغرض مقاومة الانقلاب وإذا بالزعيم عبد الكريم قاسم أمامه وجها لوجه وجزاء لهذا الموقف البطولي المسؤول عنفه وقال له بالحرف الواحد ‘‘إبراهيم أنت متقاعد ومن سمح لك بهذا ساحيلك إلى محكمة عسكرية لتنال عقوبتك لمخالفتك الأوامر‘‘ لكن الرفيق الجبوري قاد المقاومة مع فصائل شعبنا وقاوم الانقلاب ولم يكل ساعده وتم إلقاء القبض عليه من قبل الانقلابيين وسيق إلى المحاكم العرفية وحكم عليه بالسجن عشرين سنة واودع معنا في سجن نقرة السلمان شامخا سالما معافى

*كانت للحزب الشيوعي حينها خطة طوارئ مذكورة في وثائق الحزب أين كانت أيام الانقلاب؟

- ما يؤلم الجميع في يوم الانقلاب أن خطة الطوارئ للحزب الشيوعي المعول عليها للتصدي لأية حركة انقلابية تستهدف ثورة تموز والحزب الشيوعي لم تكن بمستوى الحد الأدنى الذي يجب أن تكون عليه لما يملكه الحزب من إمكانيات جماهيرية واسعة لا يستهان بها من العسكريين . لقد دفع حزبنا الثمن، فأذيع بيان رقم(13) الدموي والداعي إلى التصفية الجسدية لكل من يمت بصلة من بعيد أو قريب للحزب الشيوعي، وجرت التصفيات وزج في السجون خيرة أبناء الشعب واعدم وصفي تحت التعذيب الآلاف من أعضاء حزبنا وهم من خيرة أبناء شعبنا من مفكرين وفنانين وأساتذة جامعيين وقادة لمؤسسات المجتمع المدني والمئات من النساء بمختلف الأعمار بل حتى الاطفال .

* لقد تحدثنا الكثير ونجح الانقلاب. من يتحمل المسؤولية التاريخية بالتفريط بثورة 14تموز وزعيمها ومفجرها عبد الكريم قاسم؟
- أقولها التاريخ شاهد على ذلك رغم الاحتراب الدموي المؤسف الذي حدث بين فصائل القوى الوطنية بعد14 تموز والذي راح ضحيته ليس الأرواح العراقية الغالية بل راح ضحيته العراق بأجمعه لما آل أليه اليوم من احتلال أمريكي مباشر وهذه النتيجة هي محصلة انقلاب شباط الدموي من حيث يشعرون أو لا يشعرون ومن باب الانحياز المهني أن جميع الضباط وضباط الصف والجنود من تنظيمات الضباط الأحرار قبل ثورة14 تموز 1958قادة وأمرين واعوان وكل الذين ساهموا في تفجير الثورة وعلى رأسهم الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم جميعهم وطنيون مخلصون لتربة هذا الوطن لا تربطهم بالاستعمار آية رابطة، بالرغم من التداعيات والانجرار وراء شعارات لم يتمكنوا من تطبيق الحد الأدنى منها فذهبوا ضحايا الخديعة وخسر الجميع ثورة 14تموز وزعيمها عبد الكريم قاسم الذي وقف شامخا صلبا شجاعا أمام جلاديه ورفض أن تعصب عيناه واجه الموت بشجاعة واباء وهو يهتف باسم الشعب العراقي الزعيم الوطني النزيه الغيور والذي لا تاخذه في الحق لومه لائم .
 


موقع الناس     http://al-nnas.com/