| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلوائي 

jasem8@maktoob.com

 

 

 

 

الأربعاء 25/5/ 2005

 

 

حدث هذا قبل نصف قرن ــ القسم الثاني

منظمة راية الشغيلة وتجربتي معها

( 2 ــ 5 )

 

 جاسم الحلوائي 

في آب 1954 تم ترحيلي من عبد الأميرالصراف الى حزام عيّال؛ وهو معلم من العمارة من الأخوة المندائيين، عمره حوالي خمسة وثلاثين عاماً، كان سجينا سياسيا اطلق سراحه بعد أن قضى حوالي خمس سنوات قي السجن، وقد أصيب بجراح في مجزرة سجن بغداد. كان مسؤولا عن منظمة "راية الشغيلة" ومتخفياً  بزي عربي ، في مدينة كربلاء للسنوات54ـ 1955 . كان موضع إحترامنا لقدمه قي العمل السياسي والحزبي ولمستواه الثقافي، وقد تعلمت منه الكثير ،خاصةً في شؤون التنظيم . وقد أنهى مهمته وغادر كربلاء بسلام ، ولم أكن اعرف عنه اي شيئ سوى ان إسمه (أبو إبراهيم) ،الى أن ألقي القبض عليه. وقد إلتقيته ثانية في التحقيقات الجنائيه حيث كان قد اعترف عليّ  وذلك في كانون الثاني 1958. لقد شكًل حزام عيّال مني ومن شاب آخر حلَقة شرح لنا فيها المواد الخمسة الأولى للنظام الداخلي ورشحنا لعضوية الحزب. ونلت شرف العضوية ــ وقد دامت مدة ترشيحي 4 أشهر[1] ــ  في نهاية عام 1954 . وكانت ورقة عضويتي موقعة من قبل ثابت.[2]   

لقد كان العديد من كوادر الحزب يلاحظ نزعة يساريةـ إنعزالية وسلوكاً بيروقرطياً وفردياً في قيادة الحزب. وقد تحول ذلك الى "معارضة" داخل الحزب بعد صدور ميثاق (برنامج) جديد للحزب ، في ربيع 1952، والذي صار يعرف بإسم ميثاق باسم ، نسبة الى الأسم  الحزبي لبهاء الدين نوري قائد الحزب آنذاك . وقد نشر هذ الميثاق دون عقد مؤتمر او كونفرنس اوحتى اجتماع للجنة المركزية لمناقشته وإقراره ؟! . لفد غيّرالميثاق ستراتيج الحزب لتلك المرحلة من حكومة وطنية ديمقراطية الى جمهوربة شعبية متماثلاً مع جمهورية الصين الشعبية . لقد فجر الميثاق الخلاف الفكري داخل الحزب وكان ابرز المعارضين في السجون، اللجنة القيادية المسؤولة في"سجن الموقف" في بغداد، وكان سكرتيرها عزيزمحمد ومن بين أعضائها  جمال الحيدري وإبراهيم شاؤول وحمزة السلمان ويعقوب مصري .

 وقد كتب عزيز محمد رسالة الى قيادة الحزب تتضمن ملاحظات حول الميثاق الجديد، بإعتباره يحرق مرحلة التحرر الوطني وبالتالي لا يعير اهمية لتجميع القوى الوطنية. وإن الحزب يبالغ في تقدير قواه ويقلل من دور الاحزاب الوطنية (البرجوازية) . وان شعار الجمهورية من شأنه التفريط بقوى متمسكة بالملكية ــ  من هنا جاءت تسمية "راية البلاط" التي كانت قيادة الحزب تطلقها عليهم ــ  ولكن يهمها إقامة حكومة وطنية دمقراطية ... والخ. وقد عُرفت هذه الرسالة برسالة ( م ) نسبة الى الأسم الحزبي لعزيز محمد آنذاك (مخلص). وكان رد فعل بهاء على الرسالة، هو إنه عزل عزيز عن مهمته القيادية وإحتجاجاً على هذا الأجراء رفض اعضاء اللجنة الآخرون استلام المهمة . فقرربهاء إزاحة اللجنة وتشكيل لجنة جديدة بقيادة سليم الجلبي ومن بين أعضائها صادق الفلاحي .                                                    

 وقد نشر بهاء رسالة عزيز راداً عليها بعنف ومدافعا عن خطه السياسي الإنعزالي الصبياني بحماس "الى حد تحريف رسالة وجهها إليه مخلص، بحيث تبدو إنتهازية صريحة بإعتراف كاتبها"[3]. فأثار بذلك حفيظة المعارضين ووترالأجواء. وتفاقم الخلاف اكثر على اثر نشر بهاء تقييماً لأنتفاضة تشرين الثاني  1952 من منطلقات دوكماتية  . فانشطرت المنظمة داخل السجن ، لكل شطر قاعته ولجنته الخاصة .  وقد التحقت بالمنظمة كوكبة لامعة من كوادرالحزب ،اثبتت الحياة إخلاصها وجدارتها في مقدمتهم عزبز محمد والذي تبوأ، بعد وحدة الحزب وإستشهاد سلام عادل، الأمانة العامة للجنة المركزية طوال 29 عاماً. و الشهداء جمال الحيدري وحمزة سلمان وحسن عوينة ونافع يونس وعدنان البراك وإبراهيم حكاك ... ومن الكوادر ايضاً عادل مصري وعبد الرزاق الصافي وسلام الناصري وإبراهيم شاؤول وعادل سليم وكاظم فرهود ويوسف حنة وغيرهم. ومع الأسف لم تثبت الحياة إخلاص آخرين؛ فالذي طردهم من الحزب ( بهاء الدين نوري ) إنشق عن الحزب في عام 1984 ، ولم تعد له علاقة بالحزب منذ ذلك الحين. أما نظير بهاء المغامرحميد عثمان، فقد إنضم عشية ثورة 14 تموز الى الحزب الديمقراطي الكردستاني. وبعد سنوات ترك هذا الحزب ايضا ليتحول الى داعية لحزب البعث مكرسا نفسه له في الصحافة بإسم ( سليم سلطان ). وهادي هاشم الأعظمي، احد أبرز أنصار بهاء الدين نوري وحميد عثمان، سلم قيادة الحزب لإنقلابي 8 شباط الفاشي عام 1963 .

 وخارج اسوارالسجن ، التحقت بالمنشقين منظمة كبيرة بكل جماهيرها وتوابعها من منظمات، وهي منظمة النجف التي كانت بقيادة عبد الأمير الخياط  وحسين سلطان ومحمد أبو كالة ... وكان رجل الدين ونصيرالسلم المعروف محمد الشبيبي، والد الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم) متعاطفاً معهم؛ و يلعب دوراً تعبوياً كبيرا من خلال مجالس العزاءالواسعة والتي كانت تتحول الى مايشبه الخطب السياسية التنويرية والثورية، ومن خلال اللقاءات التي كانت تعقد في بيته. وكنت شاهدا على احد هذه اللقاءات ضمن وفد كبير ضمّ حوالي 40 شابا، نظمته منظمة كربلاء عام 1954، وقد بتنا ليلة واحدة ، متوزعين، ضيوفا على بيوت رفاق منظمة النجف . وكان حديث الشيخ الشبيبي شيقاً، و يدور حول أهمية السلام العالمي .

  لم أكن اعرف في بداية الأمر بأنني مرتبط بمنظمة منشقة عن الحزب .وإن المنشقين يشكلون أقلية في السجن وليس لديهم منظمة جماهيرية سوى في النجف وكربلاء؛  وإن هناك قادة مشهورين ليسوا معهم مثل: زكي خيري وعزيز الحاج وهادي هاشم وحميد عثمان وعمر علي الشيخ وآرا خاجادور... وإلى ان عرفت ذلك تدريجياً، كنت قد إقتنعت بطروحات المنظمة، يإعتبارها هي الحزب . ولم يتمكن أحد من "ألأنجازيين" ــ نسبة الى نشرة داخلية كان يصدرها الحزب  تسمى "الإنجاز" ــ ممن صادفتهم في  موقف مركز شرطة كربلاء أو بعض الطلبة الذين كانوا يأتون من بغداد لزيارة أهاليهم، من زحزحة قناعاتي ، وكانت مناقشاتهم سطحية.الى أن إلتقيت بباقر إبراهيم في خريف 1955  في موقف كربلاء[4].

كانت منظمة راية الشغيلة تبرر عملها الإنشقاقي، باديء ذي بدء، بالإدعاء بأن عملها لم يكن إنشقاقاً، إنما كان إنتشالاً للحزب من قيادته الإنتهازية ! وعندما بات واضحا للعيان فشل العملية، حيث لم يلتحق من منظمات الحزب بالمنشقين سوى منظمة واحدة، وبقي الحزب ككيان سياسي معترف به وطنيا ودوليا ــ حضر سلام عادل في لندن مؤتمرألأحزاب الشيوعية والعمالية في دول الكومنولث البريطاني الذي إنعقد في 21 نيسان 1954  ممثلا للحزب الشيوعي العراقي. وقد أجرى هناك لقاءات واسعة وأعاد العلاقة بالحزب الشيوعي السوفيتي ــ أخذت المنظمة تبرر عملها بالقول بأن الرفاق الذين طردوا من قبل قيادة باسم المنحرفة بسبب تصديهم لهذا الإنحراف، كانوا مضطرين لتكوين منظمة لهم ، وإلا فقد كانوا يتعرضون للتفسخ سياسيا بدون ذلك.  كان فحوى رأي باقر ابراهيم هو" إن وضع قيادة الحزب لم يكن طبيعياً ، بعد تلك الضربات الواسعة والعميقة التي وجهت لها ولكوادرالحزب, وبالتالي لم يكن من  الصحيح التعامل مع القيادة الجديدة تعاملاً طبيعياً  وكأن شيئا لم يكن، وبالتالي تعريض الحزب للإنشقاق." وقد وجدت نفسي لأول مرة أتزحزح وأفكر بإحتمال خطأ مسيرتي، ولكن سرعان ما طردت هذا الوسواس، خاصة وإن الحزب كان يواصل سياسته اليسارية ــ الإنعزالية. وُسفرباقر في نفس اليوم ولم ألتقيه ثانية إلا بعد أن حُلت منظمة راية الشغيلة 

يتبع


[1]  ـ كانت مدة ترشيح العمال 4 أشهر، في حين كانت مدة ترشيح الآخرين 6 أشهر. لقد إشتغلت عاملا اجيرا في مهنتي، عند محمد حميد. وقي مهنة أخرى  (تعبئة المواد الغذائية والخضر في علوة المخضر لأغراض التصدير الى المحافظات الأخرى بإجور يومية قدرها 200 فلس ، عند الحاج علي خان، وكان يشتغل معي أخي مجيد أيضا) ولكن لفترات قصيرة،لاتتجاوز بضعة اشهر. لذلك لم أدع يوما بأني عامل. في حين اشتغلت لسنوات عديدة يصفتي حرفي. يمكن أن ادعي بأني كادح ومنحدر من عائلة كادحة. أما لماذا اعتبرت عاملا عندما ترشحت لعضوية الحزب ، فلا علم لي بذلك.  إذ ربما لأني كنت منتظما في الخط العمالي.

[2] ـ ثابت، هو الإسم الحزبي للشهيد جمال الحيدري عند قيادته لمنظمة "راية الشغيلة".

[3] ـ زكي خيري. مذكرات، ص16.

[4] ـ كان تسفير النجفيين من بغداد الى النجف يمر عبر كربلاء بإعتبارها مركز المحافظة .