| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلوائي 

jasem8@maktoob.com

 

 

 

الأربعاء 23/7/ 2008



تعقيب على مقال الأستاذ عبد الخالق حسين
"هل كانت ثورة 14 تموز سبب نكبات العراق؟"

جاسم الحلوائي

نشر الأستاذ عبد الخالق حسين مقاله في المواقع الالكترونية يوم 22 تموز 2008. والمقال في الأصل هو مداخلة ألقيت في ندوة لندن يوم 19 تموز 2008 لمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز 2008.

لست هنا في معرض قراءة نقدية لهذه المادة المهمة، فهي، على ما أعتقد، واحدة من أبرز وأصح ما قرأته حول هذا الموضوع في مناسبة اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز، وإنما أود الإشارة إلى معلومات غير دقيقة وردت في المقال وذات علاقة بفترة حكومة فاضل الجمالي.

لقد جاء في المقال ما يلي: " لذا فكان العراق بأمس الحاجة إلى التغيير والإصلاح السياسي. ولكن النظام الملكي نفسه، وبالأخص نوري السعيد، وقف ضد التغيير، وأمعن في انتهاك حقوق الشعب، وأوقف التطور السلمي التدريجي، ووقف عقبة كأداء أمام التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها قوانين التطور إلى أن استنفد دوره. ومما يؤكد صحة ما نقوله نذكر على سبيل المثال، أن حصلت في عام 1954 محاولة إصلاح سياسي عندما تسلَّم رئاسة الحكومة ولأول مرة، رجل مثقف ومستنير بالمعنى العصري، وهو الدكتور محمد فاضل الجمالي الذي تلقى تعليمه ونال درجة الماجستير والدكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكية، وكان من تلامذة الفيلسوف الأمريكي المعروف جون ديوي. فقام الجمالي ببعض الإصلاحات السياسية، حيث أطلق سراح السجناء السياسيين، وأجاز الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، كما وأجريت الانتخابات النيابية، فاستطاعت أحزاب المعارضة أن تفوز بـ 11 مقعداً من مجموع 131 مقعداً. لم يتحمل نوري السعيد هذا العدد من نواب المعارضة رغم قلته، فما كان منه إلا وأن قام بانقلاب القصر على زميله الجمالي...ألخ".

هناك عدم دقة في هذه الفقرة. فلم يطلق الجمالي سراح السجناء السياسيين ولم يجز أي حزب سياسي جديد، ولكنه سمح للأحزاب القديمة، الاستقلال والوطني الديمقراطي اللذان لم يعترفا بتعطيلهما من الوزارة السابقة، إضافة إلى حزب الجبهة الشعبية المتحدة، بمزاولة نشاطها. كما أن الانتخابات النيابية التي جرت في 9 حزيران 1954 وفازت بها الجبهة الوطنية ﺒ 11 مقعداً كانت في عهد وزارة أرشد العمري وليس في عهد فاضل الجمالي، التي استقالت وزارته في 19 نيسان 1954. وفي عهد الجمالي قمع إضراب عمال النفط في البصرة بإشراف سعيد قزاز وزير الداخلية المعروف بشراسته، وأعلنت الأحكام العرفية في المحافظة وأغلقت حكومة الجمالي تسع صحف وأحالت جريدتي "صدى الأهالي" و "لواء الاستقلال" إلى المحاكم الجزائية لدعمهما الإضراب.

والصورة غير الدقيقة التي رسمها مقال الدكتور عبد الخالق حسين لعهد الجمالي لا تنفي وجود فكرة أو محاولة "إصلاح" الوضع السياسي بصرف النظر عن طبيعته ومدى جديته، وهو بيت القصيد في المثل الذي أورده المقال ليبرهن بأن الحاجة إلى إصلاح النظام لم تقتصر المطالبة به على المعارضة. كانت هذه المحاولة من تخطيط الأوساط البريطانية والأمريكية وأوساط من الفئة الحاكمة المختلفة مع نوري السعيد ونهجه الاستبدادي. فقد جاء في رسالة السفير البريطاني تروتبيك،المؤرخة في 11 كانون الثاني 1954 إلى ايدن وزير خارجية بريطانيا، ما يلي: "إن حكومة جلالتها ينبغي أن تعلن على رؤوس الأشهاد اهتمامها بأن ترى الإصلاح والتقدم يسيران بسرعة أكبر في العراق. وأؤكد أيضاً على العلاقة الوثيقة بين الاستقرار في العراق وثباته في ترتيباتنا الدفاعية"(1) . إن المقصود بالترتيبات الدفاعية هو ضم العراق إلى الحلف التركي ـ الباكستاني العسكري الذي كان الإعداد له يجري على قدم وساق، وكان الجمالي طرفاً في هذه المساعي.

ومن الجدير بالإشارة إلى أن الانتخابات التي جرت في عهد أرشد العمري هي امتداد لنهج "الإصلاح" الذي بدأه الجمالي. وهناك شكوك حول جدية الإصلاح بسبب خوف نفس تلك الأوساط التي خططت له من نتائج الانتخابات التي أوصلت 11 نائبا معارضاً إلى البرلمان وما رافق ذلك من نشاط سياسي يبشر بتوسع نشاط المعارضة ، ومما له دلالة واضحة في هذا الصدد هو وجود 32 ورقة بيضاء مقابل 80 ورقة عليها اسم عبد الوهاب مرجان مرشح الحكومة لرئاسة مجلس النواب (2) . ﻔ " تم تكليف نوري السعيد برئاسة الوزارة بضغط من الأمريكان والانجليز على الوصي عبد الإله، الذي كانت العلاقات بينه وبين نوري السعيد فاترة يومذاك، بل يمكن القول إنه كانت بينهما جفوة.... وانصاع الوصي للطلب، بشكل مذل، وذهب إلى الخارج حيث كان نوري السعيد، وصالحه، وكلفه بتشكيل الوزارة!" (3).

في الختام بودي التأكيد على إن هذه الملاحظات لا تقلل بأي قدر كان من تقييمي الإيجابي الذي ذكرته في المقدمة. فمقال الدكتور عبد الخالق حسين من الكتابات المتميزة التي نشرت لمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز المجيدة.


(1) تقرير السفارة البريطانية الموجه إلى وزارة الخارجية البريطانية في 11 كانون الثاني 1954. (مؤيد إبراهيم الونداوي،العراق في التقارير السنوية للسفارة البريطانية 1944ـ 1958. دار الشؤون الثقافية ـ بغداد 1992، ص 71). راجع عزيز سباهي " عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" الجزء الثاني ص 124.
(2) راجع كامل الجادرجي، مذكرات، ص 673.
(3) عبد الرزاق الصافي. "شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرته الذاتية" الجزء الأول ص 130.
 

23 تموز 2008

 

free web counter