| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلوائي 

jasem8@maktoob.com

 

 

 

 

الثلاثاء 19/4/ 2005

 

 

 

وقفة تأمل

 

جاسم الحلوائي

ذكرت في مقال سابق إنه " بالرغم من إن الموقف من القوى المتعددة الجنسيات هو من الأمور الستراتيجية والتي تتطلب موقفا دقيقا وواضحا؛ ارى ان هناك عدم وضوح في موقف الحزب الشيوعي العراقي، فتارة يسميها قوة إحتلال وتارة اخرى يسميها قوة متعددة الجنسيات..." وقد إتضح لي أخيرا بان الحزب يعتبر القوات الأجنبية قوة إحتلال وإن التسميات الأخرى هي لمتطلبات الحال. وبأن" هذا الموقف هو إمتداد لموقف الحزب ألسابق الرافض للحرب على العراق"[1]

من المعروف إن الحزب إنخرط بعد سقوط النطام الدكتاتوري في9 نيسان2003 في العملية السياسية، التي تستهدف إقامة نظام ديمقراطي فيدرالي. و كرس كل طاقاته في هذا السبيل، وكان هذا الموقف يستتبع، لغرض الإنسجام مع السلوك العملي، عدم الإنشداد الى موقف ما قبل الحرب، لأن الحرب وقعت وسقط النظام، ولأن سير العملية السياسية الى الأمام في تحقيق اهدافها يجعل الموقف الرافض للحرب لا أهمية له، إن تحقيق عراق ديمقراطي فدرالي موحد يحث الخطى نحو الازدهار، بعد عدة سنوات، لم يعد حلما،  كما كان الامر قبل الحرب، بل انه مشروع تحت التأسيس. ولذلك يبدو سؤالي مشروعا, وهو ماذا سيكون رأي الناس , الذين يعملون ويعيشون في ذلك النظام الديمقراطي المنشود ؟ اظن إنهم، وعلى اقل تقدير، سوف لا يمدحون الذين رفضوا الحرب . .

نخلص مما مرّ بإن هناك تناقض في إنشداد الحزب لموقفه الرافض للحرب و تأييده ودعمه للعملية السياسية الهادفة الى إقامة نظام ديمقراطي فدرالي . ونتج وينتج عن هذا التناقض، أخطاء في الخطاب السياسي تجلى بعضها في الإنتخابات، وإطلاق تسميات مختلفة جوهرياً على القوى الاجنبية في البلاد.  

إن الإنشداد للموقف الرافض للحرب أدى الى إهمال الحزب لما جاء في آخر قرارلمجلس الأمن والمرقم 1546  حول طبيعة القوات العسكرية الأجنبية في العراق. فقد جاء في مادته الثانية ما يلي: "يرحب[ مجلس الأمن- ج ] بأنه سيتم بحلول 30 حزيران 2004 ايضا، إنتهاء الإحتلال، وإنتهاء وجود سلطة الإئتلاف المؤقتة، وبأن العراق سيؤكد من جديد سيادته الكاملة." وجاء في المادة التاسعة مايلي: "يشير[مجلس الأمن- ج] الى إن وجودالقوات المتعددة الجنسيات في العراق هو بناء على طلب الحكومة المؤقتة المقبلة للعراق"

وهكذا، فإن وجود القوات الأجنبية في العراق شرعي، وهي ليست قوة إحتلال ؛ ومقاومتها بالسلاح عمل غير شرعي. هذا على الصعيد القانوني. اما على الصعيد السياسي، فلا يصح مقارنة القوات الأجنبية في العراق بأي حالة من حالات الإحتلال في أي بلد في العالم؛ فهذه القوات أسقطت أعتى نظام دكتاتوري معاصرفي المنطقة و حررت الشعب العراقي منه. والوطنية الحقة تفترض المساهمة الفعالة في بناء النظام الديمقراطي الجديد وضمان ديمومته، وليس هناك طريق آخر لخروج القوات الأجنبية من العراق قبل تحقيق هذا الهدف النبيل. وأما معاكسة هذا الإتجاه فما هي الا عرقلة لخروج هذه القوات، شاء فاعلوها أم أبوا.  

هل جاءت أمريكا لأجل سواد عيون العراقيين أولتعلقها بمثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي ناضل من اجلها الشعب العرقي لعقود طويلة من السنين، وضحى من أجلها تضحيات كبيرة؟ كلا إنها جاءت من أجل مصلحتها القومية الحيوية.[2] فقد تحول الشرق الأوسط الى بؤرة للإرهاب الدولي، الذي يهدد مصالح أمريكا بالصميم، بما في ذلك مصالحها النفطية.  والسبيل الوحيد للقضاء على هذه البؤرة، هو دعم الإصلاحات والحث عليها ونشرمثل وقيم الديمقرطية ومكافحة الفقر والأمية. ولكن هل سيرافق ذلك فضائح مثل فضيحة سجن ابو غريب المدانة؟ أجل . وستتعلم شعوب المنطقة من ذلك درسا ايضا، فالمتجاوز يجب أن يقدم للمحاكمة، وهذا ما لم يحصل في اي بلد في المنطقة، بالرغم من ملايين التجاوزات البشعة في السجون والمعتقلات، بما في ذلك التعذيب حتى الموت، خاصة من قبل الأنظمة "القومية" والدينية.  

هل ستحصل تقاطعات بين امريكا والقوى الوطنية في الآليات والأساليب؟ أجل. وقد حصل الكثيرفي التجربة  العراقية. وتراجع الإمريكان، عن هذا الموقف اوذاك، لم يكن نادرا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تراجع ألإمريكان عن إستقدامهم قوات عسكرية تركية لحفظ الأمن في العراق، بعد أن رفض "مجلس الحكم" المنحل ذلك. وحصل ذلك في ظل الإدارة المؤقتة.

هل لدى الإمريكان خطوط حمر؟ أجل. وهي تسعى لكي تمنع:

اولاً: تقسيم العراق. لأن مصلحة أمريكا تتطلب عراق ديمقرطي واحد ليكون مثلاً للمنطقة، وإن وجود عراقين يعتبر فشلاً "لمبادرة الشرق الأوسط الكبير" وهو في بدايته، هذا واحد. وعند الحديث عن تقسيم العراق، فإن المقصود هو إنفصال كردستان العراق. ومع إن حق تقرير المصير بما في ذلك حق الإنفصال، تكفله الشرائع الدولية، فإن الشعب الكردي لايريد الإنفصال، بل يريد فدرالية في عراق موحد، وهذاآخر. وتركيا، البلد الأساسي في حلف شمال الأطلسي، ترفض وجود دولة كردية بجوارها ولديها وعود مطمئنة من أمريكا بهذا الصدد، وهذا ثالث.

ثانيا:  قيام دولة دينية ، فالدول الدينية جميعها دول شمولية. وفيما يخص الحريات الشخصية فهي أسوء حتى من نظام صدام حسين الساقط.

ثلثا : إخضاع قوى الأمن والقوات المسلحة لأي حزب أو قوة سياسية. لأن ذلك يفسد هذه القوات، ويعيق المنافسة الحرة والمتكافئة للأحزاب والقوى السياسية، ويعرقل التداول السلمي للسلطة.

رابعاً: التحايل على الإستحقاقات، فمواعيد كتابة الدستور، الإستفتاء عليه وانتخابات مجلس وطني دائم ، يجب أن تنفذ في تواريخها المثبتة في "قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية".  

هل هذا تدخل في الشؤون الداخلية العراقية، "نرفضه كما نرفض التدخل الإيراني والسوري" ؟ [3]  أعتقد إن أغلبية الشعب العرقي لاترفض ذلك، فقادة القوائم الكبيرة جميعهم التقوا وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفلد واستمعوا اليه، والى تحذيراته  ولم نسمع لا إحتجاجاً ولا تذمراً منهم. وسيكون هناك من يحتج ويستنكر تدخل رامسفلد، ومن حقه ذلك بالطبع، ولكن ليس من حقه إثارة الغبارعلى وطنية قادة العراق الجدد  ، المنتخبون للتو من أغلبية الشعب العراقي.

إن الخطوط الأربعة الحمر، بحد ذاتها، تجعل من امريكا قوه داعمة للمسيرة الديمقراطية وحليفا موضوعيا للقوى الديمقراطية، ورقما داخليا راهناً، إن سوريا وإيران، تدعمان الإرهاب في العراق، هذا الإرهاب الذي عانى ويعاني الشعب العراقي الأمرين، يومياً، منه، في حين تدعم أمريكا كفاح شعبنا ضد الإرهاب. إن وضع تدخل أمريكا ألإيجابي على صعيد واحد مع تدخل سوريا وإيران الإجرامي، هو عدم تمييز بين الصديق والعدو، وهو بالتالي خطأ ستراتيجي.

إن القوى الديمقراطية ، الكتلة الكردية والكتلة العراقية وكتلة عراقيون يعلنون صراحة تحالفهم أو صداقتهم لأمريكا، ولا يعتبرون القوى المتعددة الجنسيات، قوى إحتلال . فمع من سيصطف الحزب بتأكيده بأنها قوة إحتلال؟ وهل هناك خشية من إصطفافه مع الصدريين وما شاكلهم، وخروجه من العملية السياسية ؟ ألا يتطلب الوضع وقفة تأمل؟

في شباط 2002 في ندوة بحضور سكرتير اللجنة المركزية الرفيق أبو داود. وسكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني العراقي أبو سليم، اعلنت  عدم تأييدي للحرب على العراق . بعد سقوط النظام وضعت موقفي الرافض للحرب جانباً، ولم أنطلق منه يوماً لتحليل أية قضية سياسية.لأنه كان موقفاً أخلاقيأ. إن تحديد موقف الحزب من القوات الأجنبية في العراق الآن إنطلاقاً من موقفه الرافض للحرب، سببه أيدولوجي، متأثراً باليسار الأوربي واليسار العربي المؤدلج،الذي لايرى في "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" مثلاً،  سوى السعي "لتشكيل أمبراطورية إمبريالية أمريكية عالمية."[4] ومتأثراً بهذا المنطلق الأيديولوجي يذكرالتقرير السياسي الذي أقره الكونفرنس السادس للحزب الشيوعي العراقي في كانون الأول 2004 الأولويات الثلاث المقترحة للتغيير في المبادرة المذكورة، وهي:  

1 ـ تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.

2 ـ بناء مجتمع معرفي.

3 ـ توسيع الفرص الإقتصادية.

ليرى إنها ليست الأهداف الحقيقية، لأن الورقة تذكر الفوائد التي يجنيها أعضاء مجموعة الثمان!؟ . فيقول التقرير" لكن الأهداف الحقيقية تكشفها الورقة الامريكية عندما تشير الى إن [مبادرة الشرق الأوسط الكبير "ستعالج" الأوضاع التي تهدد المصالح الوطنية لكل اعضاء مجموعة الثمان ... التطرف، الإرهاب، الجربمة الدولية والهجرة غير المشروعة] اي إن برنامج الإصلاح المنشود يتمحور بشكل أساسي حول مخاوف أطراف خارجية والإستجابة لها، بدلا من تلبية حاجات شعوب المنطقة المعنية ذاتها".  

قد يظن القاريء بأني أقصد الماركسية  ب "المنطلق الأيديولوجي". كلا، لم أقصد ذلك؛ فالماركسية تتطلب الإلتزام بالتاريخية والملموسية عند تناول أية ظاهرة إجتماعية.و لم يلتزم المنطلقون من أيديولوجية "تشكيل أمبراطورية إمبريالية أمريكية عالمية" بذلك!؟ فالحديث يجري عن سياسة، وليست افكار تطرح للمناقشة في هذا المعهد أوتلك الندوة، أخذت تتبلور بعد 11 ايلول 2001 ومعالمها اصبحت واضحة في "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" قي بداية العام الماضي. فالكلام يدور عن مرحلة جديدة بسياسة جديدة، و التناول التاريخي الصحيح هو تناول الظاهرة ضمن مرحلتها، وليس تناول تاريخ أمريكا السياسي والعودة بنا عشرات السنين الى الوراء وتذكيرنا بدعم وحراسة أمريكا لأنظمة الحكم الدكتاتورية والرجعية بما فيها مخلفات القرون الوسطى.[5] وحتى في هذه السياسة الجديدة سترتكب أمريكا أخطاء وحماقات ، وحصل غير قليل من ذلك في العراق، ولكن ضمن ستراتيجية جديدة.

 والملموسية، تتطلب، ضمن ما تتطلب، الموضوعية. فليس كل ما جرى في العراق سلبي. فالإنتخابات الحرة ,التي جرت لأول مرة ــ  بعد إنتخابات نصف حرة جرت قبل نصف قرن ــ وإشترك فيها حوالي 60 بالمئة من الناخبين رغم إنف الإرهابيين وتفجيراتهم، ومن يدعمهم عملياً ونظرياً، تمخض عنها برلمان لاسلطان عليه[6] وإنتخاب رئيس كردي لأول مرة في تاريخ العراق، وإنتخاب نائب رئيس كان رئيسا، وهذا ما لم يحدث في اي بلد عربي آخر. هل هذه المنجزات بنت يومها أم إنها نتيجة عملية سياسية كانت تتطور امام أنظار الجميع في ظل حرية صحافة ونشر واسعتين وحرية تأسيس أحزاب ومنظمات،  يفهم المرء لماذا ترتعد فرائص الحكام الدكتاتوريين عندما ينظرون الى المشهد العراقي. ولكن ماذا بشأن اناس قضوا عمرهم وهم ضد الأنظمة الدكتاتورية والرجعية  ولم يشاهدوا سوى السلبيات في المشهد العراقي، وهذه السلبيات ليست التفجيرات وقتل العرا قيين بالجملة،والتي لم يدينونها، بل العملية السياسية التي حققت المنجزات المذكورة فأين الموضوعية في كل ذلك؟. أليس هذا (إذا ما أضفنا اليه التناول التاريخي الخاطيء) إبتعاداً عن المنهج الماركسي، الذي يتطلب التاريخية والملموسية في التحليل؟  

سيكون في العراق نظاما ديمقراطيا تعدديا فدرالياً موحدا ومزدهرا ًوكامل السيادة بعد سنين عدة ، هذا ما تكافح من أجله القوى الحية في المجتمع ألا تتمنون ذلك؟ إذا كنتم تتمنون ذلك فعلاً، فما عليكم إلا بإعادة النظر بمنطلقكم الأيديولوجي الخاطيء. وإلا سيكون من الصعب عليكم أن تعتذروا، آنذاك ، للشعب العراقي . 

أما عندنا فإن الإستمرار في قراءة غير صحيحة للوضع الدولي ــ  خاصة التحول الخطير في سياسة أمريكا بعد 11 ايلول، من سياسة دعم الأنظمة الإستبدادية الى سياسة ألإصلاح وتشجيع الديمقراطية والتنمية، إنطلاقاً من مصالحها القومية الحيوية ــ  والتمسك بمنطلقات أيديولوجية خاطئة، بدلا من المعالجة الملموسة للواقع السياسي، سيهمش الحزب الشيوعي العراقي سياسيا. والخطوة الأولى لتصحيح الوضع هوتبني التوصيف الذي ورد في قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1546 للقوى الأجنبية في العراق لتصحيح إصطفاف الحزب سياسيا، والإبتعاد عن أدلجة السياسة، وفي ذلك، في نظري، مصلحة الحزب والمسيرة الديمقراطية الظافرة  في وطننا الحبيب.


[1]ـ سلم علي ، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، على البالتوك في غرفة ينابيع في 2005-04-12

[2] ــأنظر أمير طاهري.صحيفة "الشرق الأوسط" 11 آذار 2005.

[3] ـ  المصدر رقم 1 .

[4] ـ نعيم الأشهب. كاتب فلسطيني . موقع الطريق. 7 تشرين الأول 2004 .

[5] ــ انظر المصر السابق.

[6] ــ أسقط المجلس الوطني في جلسته المنعقدة في 17 نيسان إقتراحا يقضي بإستدعاء رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والدفاع لمساءلتهم عن الأوضاع الأمنية في المدائن من أكبركتلة في المجلس ( الائتلاف العراقي، المدعومة من قبل السيد السيستاني ) وهذا مؤشر إيجابي على عدم وجود هيمنة لإحدى الكتل في المجلس.