| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلوائي 

jasem8@maktoob.com

 

 

 

 

الخميس 10/3/ 2005

 

 

 

هل فازت أم خسرت قائمة اتحاد الشعب ؟

 

جاسم الحلوائي 

 لا شك بان نجاح الا نتخابات يُعد انتصاراً عظيماً للشعب العراقى واعلاناً ، رسميا ، عن رفضه القاطع للدكتاتورية والاستبداد وتاييده الحاسم للديمقراطية ، ويُعد ايضاً ، لطمة قوية للأرهابيين بمختلف فصائلهم وتسمياتهم وللذين يقفون وراءهم . وسيكون لهذه الأنتخابات عواقب إيجابية هامة ليس على العملية السياسية قي العراق حسب ، بل وفي المنطقة كلها . ولا اريد التوقف عند ذلك  كثيراً ، فقد كتب وقيل عنه الكثير .

 النتائج التي افرزتها إنتخابات المجلس الوطني لا تعكس وزن الأحزاب والقوى التي تنافست ، بدقة . لان الأنتخابات جرت في اجواء غير طبيعية اتسمت بموجَة طائفية (شيعية) في الجنوب واخرى قومية في الشمال (كردستان). شكلت سلوكا انتخابياً . والظواهر (الموجات وليست الطائفة او القومية) المشار اليها ، مؤقتة ، وبالتالي فان نتائجها ايضا مؤقتة . لأن السلوك الأنتخابي لا يتأتى بالضرورة من الموقف السياسي للمرء تجاه هذه القائمة او تلك ، وانما يتاثربالظروف الطارئة ايضا . وكلما كانت هذه الاخيرة شديدة الوطأة كلما كان تاثيرها اكبر . وعندما نقول بأنها ظواهر مؤقتة لانقصد بأنها قريبة الزوال إنما نقصد بأنها ستنحسر تدريجياً وإن المستقبل الديمقراطي ليس معها . وهناك فرق جوهري بين طبيعة ومضمون الموجتين .

واذا اخذنا الموجَة الاولى (الشيعية) نرى بانها لم تكن مجرد رًد  فعل  تجاه الأضطهاد والحيف الذي اصابها في العهد الدكتاتوري البائد حسب ، بل وإنها دفاعاً عن النفس تجاه ما تتعرض له في الوقت الحاضر من أعمال إرهابيه طائفية واسعة من قبل ارهابيين (بعثيين) متأسلمين ومن السنة المتعصبين التكفيريين ، وبصرف النظر عن اسباب الموجة فإنها ظاهرة رجعية ، كأي ظاهرة طائفية ،  والتقدم الأجتماعي في كل ميادين الحياة كفيل بتقليص هذه الظاهرة.

اماالموجَة الثانية فقد عبرت عن طموح شعب ناضل ولا يزال من اجل حقوقه المشروعة . وتعرض في سبيل ذلك الى الأضطهاد والتنكيل منذ تاسيس الدولة العراقية . وتعرض على يد نظام صدام الدكتاتوري للأبادة الجماعية (الأنفال) والأسلحةالكيمياوية (حلبجة)، وظلً خلال الحقبة الأخيرة يعيش هاجس الخوف من السلاح الكيمياوي. واول ما شعر به الكرد في  يوم 9 نيسان ، يوم سقوط اعتى طاغية على وجه الأرض ، هو تحرره من الهاجس المذكور ؟!

وكانت الأنتخابات فرصة للشعب الكردي لكي يعبر عن ذاته القومية المستقلة ويقول ها أنذا ؟!  بإلتفافه حول قائمته القومية. وحسناً ما فعل. يخطئ خطأ شنيعاً من يضع الموجتين على صعيد واحد ،  بأعتبارهما ظاهرة سلبية قلصت فرص اليسار الديمقراطي .  فإذا كانت الموجة الطائفية رجعية فالموجة الكردية ليست كذلك ، بل بالعكس تماماً ، فالكتلة الكردية اكبر سند للديمقراطية والعلمانية لان مطلب الأكراد المشروع في الفيدرالية القومية غير قابل للتحقيق إلا في ظل نظام حكم تقدمي وديمقراطي وعلماني  . فالطائفي كالشوفيني لايفهم القضية القومية ولا يقر بحق الأمم في تقرير مصيرها ، واذا ما أجبر على إقرارالفيدرالية فإنه يفهمها فيدرالية جغرافية  يريد تطبيقها على البصرة والجنوب ؟! لذلك فإن الكتلة الكرديةحليف ستراتيجي للقوى الديمقراطية في كل العراق ، سواءاً التي دخلت اوالتي لم تدخل البرلمان .

والمطلوب ، قي نظري ، هو السعي لأيجاد افضل السبل للتنسيق بين الكتلة الكردية والقوى الديمقراطية، من كتلة رئيس الوزراء علاوي الى الحزب الشيوعي مرورا ب "الديمقراطيين المستقلين" و "حمد" والحزب الوطني الديمقراطي و"عراقيين"  " والتحالف الوطني الديمقراطي"  وكل الذين يعارضون سيطرة الدين على الدولة .

وإذ كنا نحمًل الموجة الطائفية مسؤولية معينة في تقليص القوة التصويتية لقائمة "اتحاد الشعب" فلا يمكن باي حال ، أن نحمًل الموجة الكردية أية مسؤولية . ولا نريد ولا نتمكن ان ندخل في منافسة معهم على القضايا القومية .

اذاً ماهو حجم قا ئمة "إتحاد الشعب" ؟ .  لو أخذنا بنظر الأعتبار التصويت في المجالس المحلية  حيث لم تواجه قائمة "إتحاد الشعب" منافسة القائمة 169 المباركة (المدعومة) من قبل المرجع الشيعي السيد السيستاني ، هذا الدعم الذي "زيًف" ارادة الكثيرين ( ثلاثة أرباع ناخبي قائمة169 ،  حسب تقديرات بيان "الوفاق الوطني" بعيد الأنتخابات) فإن مجموع الاصوات التي حصلت عليها قائمة "إتحاد الشعب" في انتخابات المجالس المحلية ، لاتتجاوزال 200,000 وهذا يشكل بالكاد ضعفي العدد الذي حصلت عليه القائمة في المجلس الوطني ،  فهل هذا ما كان مؤملاً ؟

نعم ...ولا ؟!  سأحاول توضيح النفي أولاً: من المؤسف ، إن قيادة القائمة إنجرًت وراء تقديرات لاتستند على الأساليب العلمية كالتصويت الألكتروني المضلل والتقديرات التي أعطتها المنظمات الحزبية والتي لاتستند على آليات علمية ، وغضت النظرعن التقديرات التي جاءت بها إستطلاعات الرأي العلمية ــ المستندة على قسائم وتقوم بها مؤسسات عادة ما تحرص على صدقيتها ــ والتي لم تعط للحزب الشيوعي خلال فترات متباينة بعد سقوط النظام سوى اقل من واحد بالمائة . وآخرإستطلاع كان لمؤوسسة امريكية ، قبل شهرين من الأنتخابات ، لم تعطي للحزب اكثر من نصف واحد بالمائة . وبدلاً من ان تنبه قيادة الحزب المنظمات الى عدم الأنجرار وراء التقديرات المبالغ فيها ، وذلك قبل الأنتخابات ، راحت تنفخ بالصورة فترشح 275 مرشحاً مع وعود تسر الأصدقاء . وراحت قيادات المنظمات في الخارج  بتشجيع المنظمات على التصويت الألكتروني متصورة بأن ذلك نوع من الدعاية الأنتخابية ولم يخطر ببالها خيبة الأمل واضرارها .عندما يتضح الفرق بين المتوقع والواقع .

والغريب ان البعض يذًكر بتلك النسب الألكترونية ليشيرالى إن عدم تطابق "حساب البيدر مع حساب الحقل" يعود الى الأخطاء والتقصيرات التي رافقت الأنتخابات والى ضعف المفوضية العليا للأنتخابات واحيانا التلميح بوجود سبب مجهول ؟!  وهذا البعض لا يقًر بالحجم الحقيقي لقائمة "إتحاد الشعب" . متجاهلاًالواقع الذي نطق بالأرقام ، منتقماً لنفسه امام المبالغات والاماني غيرالواقعية ، والتي لاتساعد على معالجة الأمور بشكل صحيح . وقد يعتبرهذا البعض بأن الحزب خسر الأنتخابات . وتجاوبا مع هذا الأتجاه فإن هناك رهط من الناس يتأسفون ويتباكون على الحزب وكأنهم يشيعون نعشه ، بدلا من أن يزفوه عريسًا ، باعتباره أول حزب شيوعي منتخب إنتخابا حرًا الى برلمان في بلد عربي ، في عصرنا الراهن .

ما سبب الفوز المتواضع ؟ صحيح إن التأريخ المشرق والمشًرف لأي حزب سياسي هو رصيد له، ولكن ذلك وحده لايكفي بالطبع ، فإن سياسته وسلوكه الراهنين يلعبان دوراً اكبر بكثير من ذلك ، ولانبالغ ان قلنا يلعبان الدور الحاسم . بل ومن الممكن ان يعمًر حزب ما 70عاماً اواكثر، ويقدم الكثير من التضحيات ، ومن ثم يندثر.

لقد تعرض الحزب الشيوعي العراقي الى محاولات عديدة لأبادته خلال تأريخه الطويل ، ولكنه سرعان ما كان ينهض ويعود الى الساحة معافى بفضل نشوء ظروف جديدة تسمح لإسترداد عافيته. ولم تكن الفترات بين محاولة إبادته ونشوء ظروف جديدة سوى بضعة سنوات . إن محاولة إبادته الأخيرة على يد النظام الدكتاتوري البائد طالت ربع قرن ، استخدم فيها النظام مختلف الأساليب الفاشية والديماكوكية فقتل المئات من خيرة كوادرواعضاء الحزب و شرد الألوف واسقط من العمل السياسي الكثيرين . لقد بذلت جهود كبيرة جداً لإيجاد ركائز  في مختلف المدن ، وقدم الحزب تضحيات كبيرة في هذا المجال ، وكان يحرز نجاحات معينة ولكنها كانت وقتية ، فقد كانت الركائز  تتعرض للتصفية مرة بعد اخرى .

وقد رافق حملة القمع والأبادة ، التي قام بها النظام البائد ، حملة دعائية ديماكوكية ضد الحزب والفكر الشيوعي  بهدف خلق " مناعة طبيعية"  لدى الشعب العراقي تجاه الشيوعية مستغلاً الحصار الفكري الذي ضربه على الشعب العراقي فلا إنترنيت ولا ستلايت ولا صحيفة شبه مستقلة . فحقق في هذا المضمار "نجاحا" خطيرًا .

لقد كان لسقوط الأتحاد السوفيتي والبلدان الأشتراكية والأخطاء التي تكشفت على الصعيدالتطبيقي تأثيرها السلبي على قوة الحزب ونفوذه وافقده امكانيات متنوعة، وابتعد عنه عدد غير قليل من كوادر الحزب واعضائه من أوساط الفئة المثقفة ، بشكل خاص .

وفي الحقيقة لولا تجديد الحزب لنفسه في مؤتمره الخامس 1993 وتغيير نهجه، وخطابه السياسي ، جذرياً ، لما تمكن الحز ب من اقتحام الجمعية الوطنية و لكان قد اندثر او يكاد . 

لقد تبنى الحزب التعددية والتداولية وبذلك لم يبق جامع يجمعه مع الشيوعية التقليدية، غير

 الأسم . وبذلك تمكن من التطوربالرغم من الظروف غير المؤاتية بالنسبة له ، خلا فا لحزب الدعوة مثلا حيث أعاد بناء نفسه في ظل "نهوض" ديني وطائفي في البلد والمنطقة .

لذلك أعتبر إن الحزب فائز في الأنتخابات وستكون كتلة الشيوعيين اربعة مع الشيوعيان اللذان فازا ضمن الأئتلاف الكردي ويمكن أن يشكلا محوراً لليسار الديمقراطي في المجلس الوطني وسيكون لهذا المحور شأن يذكر إذا ما أصر على  الألتزام بنهج يسار ديمقراطي.

هذا وارى ان هناك بعض الأخطاء في خطاب الحزب السياسي تؤثر سلباً على نفوده ، على سبيل المثال:

أولاً: الموقف من القوى المتعددة الجنسيات . بالرغم من إن الموقف من هذه القوى هو من الأمور الستراتيجية والتي تتطلب موقفاً دقيقاً وواضحاً . نرى بأن هناك عدم وضوح في موقف الحزب، فتارةً يسميها قوة احتلال وتارة اخرى يسميها قوة متعددة الجنسيات.انني ارى بان تسمى هذه القوى بإسمها القانوني الرسمي وهي قوة متعددة الجنسيات . علماً بأنها حليف ستراتيجي للقوى التي يهمها اقامة نظام ديمقرااطي في العراق وبالتالي لايمكن اعتبارها قوة احتلال، هذه الكلمة التي من تداعياتها المباشرة، ضرورة مقاومة الأحتلال .

ثانياً: إن الفرق بين الأصوات ، التي حصل عليها الحزب في المجالس المحلية والمجلس الوطني ، يشير الى إن هناك اعداد كبيرة ممن صوتوا لنا في المجالس المجلية لم يصوتوا لنا في المجلس الوطني ، ويرجح بأنهم صوتوا للقائمة 169 . ان ذلك يشير بأن الحزب تمكن من الوصول الى جماهير بسيطة لديها تشوش من موقف الحزب من الدين .المطلوب الآن هو رفع مستوى وعي هذه الجماهير. اتذكر، بعد ثورة تموزوبعد إقبال جماهير واسعة على الحزب ، اعتمد الحزب كراسة للتثقيف تتضمن عرضاً ، مبسطاً ، للمادية التأريخية يتناول تطورالمجتمع البشري من المشاعية البدائية الى ...الخ ، مع الأسف لاأتذكر اسم الكراسة، واشعر بأنها مفيدة جداًالآن .

ثالثاً: الموقف من تحيز السيد السيستاني في الانتخابات . كانت مباركة السيستاني لقائمة الأئتلاف الموحد ، مباركة مشؤومة بالنسبة لجميع القوائم الأخرى، بإسثناء الكردية.

ولكن لم يكن من مصلحة القوائم الأخرى انتقاد موقف السيستاني ، بل تركيز الأنتقاد على قائمة الأئتلاف لأستغلالها الرموز الدينية. والى هنا فالأمر مفهوم قبل الأنتخابات. وما هو غير مفهوم ، هو استمرار هذا الموقف بعد اعلان النتائج النهائية للأنتخابات . إن موقف علاوي من تدخل السيستاني في الأنتخابات كان موقفاً جريئاً وموزوناً وتاريخياً . وكان تعبيراً عن رأي ومشاعرجميع الأحزاب والشخصيات العلمانية ، بل وحتى الذين قاطعوا الأنتخابات .

إن محاولة إرضاء مختلف الأطراف أوعدم إزعاجها ، سياسةً غير صحيحة ، تقًيد مبادرات الحزب ولا تقوي نفوذه . ربما تحقق مكسباً وقتيا او شكلياً ، وهذه يجب ان تكون آخر مايهم الحزب . إن المواقف الجريئة والواضحة والشفافة والمحسوبة بدقة هي الني توسع دائرة  نفوذ الحزب وتقويه .