نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلوائي 

jasem8@maktoob.com

 

 

 

 

الأحد 10/9/ 2006

 

 

ملاحظات على مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي

 

جاسم الحلوائي

مشروع البرنامج شامل ويغطي جميع المجالات بشكل جيد ولكن هناك ثغرات في المقدمة والخاتمة. فالمقدمة مثقلة بنصوص وأفكار كثيرة واردة في مقدمة النظام الداخلي ومن غير الصحيح تكرارها في مقدمة البرنامج لأن وثائق الحزب كل موحد وعادة ما تطبع الوثائق أيضا في مطبوع واحد. ولا يبرر التكرار أيضا في الوثائق البرنامجية متطلبات السياق، وعند حصول مثل هذه المتطلبات يجب إختيارالسياق الأهم وتجنب التكرار جهد الإمكان. وتكرر المقدمة الحديث عن أمور معينة بصيغ مختلفة وهي واردة في مكان آخر من المشروع، مثل الحديث عن المرأة أو الشبيبة... ممأ يؤدي الى ترهل النص وهذا ما ينبغي تجنبه في وثيقة برنامجية.

في تقويمي العام لمشروع النظام الداخلي أشرت الى "إن المشروع يعكس قدرة الحزب على تطوير نفسه مستندا على تجاربه وظروفه وإطلاعه على التطورات والمعارف الفكرية المعاصرة" في حين وردت في مقدمة مشروع البرنامج عبارات طنانة لا ترقى الى التقويم الإيجابي المذكور. فقد جاء في الفقرة الثانية من المقدمة ما يلي :

ـ ويسترشد الحزب الشيوعي العراقي في سياسته وتنظيمه ونشاطه، وفي نضاله من اجل تحقيق أهدافه المتمثلة في القضاء على استغلال الإنسان للإنسان وتحقيق التحرر الإنساني، بالفكر الماركسي وسائر التراث الاشتراكي، ساعيا إلى تطبيق ذلك بصورة مبدعة في ظروف العراق، بالاستناد إلى دراسة الواقع الطبقي والقومي والديني والسياسي للمجتمع العراقي المعاصر والتطورات الجارية فيه.

هنا يطرح السؤال التالي ؛ متى سيحقق الحزب مهمة القضاء على إستغلال الإنسان للإنسان؟ خاصة ونحن نعرف بأن مثل هذا الهدف لم يتحقق في دول سبقتنا في سلم التطور والتحضر بأشواط بعيدة مثل انكلترا وفرنسا والمانيا وامريكا والتي توقع مؤسسوا الماركسية ، قبل أكثر من قرن، أن تنجح فيها الثورة الإشتراكية لتباشر بتحقيق الهدف الوارد في صدر برنامجنا ولكن لم يتحقق ذلك حتى الآن. فكيف سنحقق ذلك نحن في العراق؟. الجواب الملموس يجده القارئ في خاتمة المشروع حيث جاء فيها ما يلي:

ـ ان حزبنا الشيوعي العراقي إذ يطرح وثيقته البرنامجية هذه، التي انطلق في وضعها من الواقع الموضوعي لبلادنا ومرحلة تطورها الراهنة وآفاقها، يؤكد في الوقت نفسه على خياره الاشتراكي لبناء المجتمع في المستقبل. ذلك انه يدرك ان التطور الرأسمالي لن يحل الازمة البنيوية الشاملة التي تعيشها بلادنا منذ عقود طويلة، فهذا النمط من التطور زاخر بالتناقضات والصراعات السياسية والطبقية والاستقطاب.

وهكذا يطرح برنامج الحزب الإشتراكية كهدف مستقبلي منظور كمحاولة رغبوية (ذاتية) لإختصار مرحلة التطور الرأسمالي أوقطع طريق تطورها قسراً وهذا ما يذكرنا بالخطأ الذي وقعت فيه الحركة الشيوعية العالمية، بما فيها حزبنا وكان كاتب هذه السطور من بين من كتبوا مروجا لذلك، عندما تبنت الحركة الشيوعية ما سمي بالطريق اللارأسمالي أو التوجه الإشتراكي والذي أثبتت الحياة خطله.

وقد إعتبرت من الخطأ طرح الإشتراكية كهدف مستقبلي منظور في مطالعتي حول مشروع النظام الداخلي، والذي لم يطرحه بهذه الطريقة الطنانة المطروحة في مقدمة مشروع البرنامج، حيث قلت:

ـ لا أرى من الصواب طرح بناء الأشتراكية كأفق مستقبلي منظور في العراق لأن ذلك يخلق أوهاماً يتبعه خيبة أمل لدى أعضاء الحزب ومؤيديه هذا من جانب، ومن الجانب الآخر ان من شأن هذا الطرح إضعاف مصداقية الحزب، إن لم يكن فقدانها، في أعين الأوساط الواعية التي تؤمن بالخيار الأشتراكي ولكن لم يعد لديها أدنى شك، بعد إنهيار التجربة الأشتراكية السابقة، بأن بناء الإشتراكية غير ممكن إلا في بلد رأسمالي متطور ومتحضر، فأين يقف العراق من ذلك؟

أقترح الإكتفاء بالمقدمة بعبارة "وصولا الى الإشتراكية" في نهاية الفقرة الأولى من المقدمة لتصبح النهاية على الشكل التالي :

ـ ومن اجل التحرر والاستقلال وبناء المجتمع الديمقراطي وتحقيق التقدم الاجتماعي وصولا الى الإشتراكية. وحذف كل ما يتعلق بالإشتراكية من المقدمة، لا سيما وإن ذلك وارد من حيث الجوهر في خاتمة المشروع وهو مكانها الصحيح. وإني أؤيد ما جاء في تلك الخاتمة بعد تشذيبها مما يوحي بأن الإشتراكية مهمة تقع في الأفق المنظور. لذلك أقترح حذف ما يلي منها :

ـ ... انه يدرك ان التطور الرأسمالي لن يحل الازمة البنيوية الشاملة التي تعيشها بلادنا منذ عقود طويلة، فهذا النمط من التطور زاخر بالتناقضات والصراعات السياسية والطبقية والاستقطاب.

وأقترح كذلك تبديل عبارة "الرأسمالية الوحشية" ﺒ "الرأسمالية المنفلتة" في آخر فقرة من الخاتمة  .

وتأييدي لما تبقى من التعريف الوارد عن الإشتراكية في خاتمة المشروع، لا يعني بأن ذلك دقيق وكامل فالنقاش حول هذا الموضوع لايزال مفتوحاً عالميا حتى في البلدان التي سبقتنا في تطورها الرأسمالي قرونا عديدة. وسيبقى الحديث عن الإشتراكية في العراق مبتسرا بدون وصف الوضع الإقليمي والدولي الذي سيشهد بناء لإشتراكية فيه ، في حين إن محاولة تحديد ذلك منذ الآن، بإعتقادي، ضرب من الغرور.

إن كون الإشتراكية لا تقع في الأفق المنظور لا يبرر بأي حال من الأحوال حذفها من وثائقنا البرنامجية، كما يرى البعض. فمن شأن ذلك أن يحول الحزب نوعيا الى حزب آخر ، سيحوله الى حزب ديمقراطي ليبرالي. ومع إن هناك الكثير من المبادئ والقيم التى تجمعنا وستبقى تجمعنا مع الديمقرطيين والليبراليين، إلا أن هناك بعض الإختلافات. ففي الإشتراكية قيم وأخلاق ومبادئ تلهم سلوكنا السياسي وإلإجتماعي اليومي. فالذي يعتقد بأن إستغلال الإنسان للإنسان هي ظاهرة إجتماعية مؤقتة في حياة المجتمع البشري، لم تظهر مع نشوئه وإنما ظهرت لاحقا مع ظهور الملكية الخاصة للإنتاج وستزول يوما ما مهما طال الزمن، ويناضل من أجل تقريب ذلك اليوم، يفترض أن يكون حسه للمساواة والعدالة والحرية رهيف وإحترامه لحقوق الإنسان راسخ ويمقت التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الدين أو المذهب أو الانتماء السياسي والفكري أو المنحدر الاجتماعي. كما أنه يؤمن بالتضامن الإجتماعي والتضامن الأممي. وإخلاصه عميق للديمقراطية والتعددية والتبادلية وإحترام الرأي الأخر، وينبذ العنف ويسعى إلى استبعاده من الحياة السياسية. وفي الوقت الذي يدعم برنامج الحزب الشيوعي العراقي عمليا التطور الرأسمالي الجاري في البلد فأنه يسعى الى أن يتحقق ذلك بأقل ما يمكن من الآلام بالنسبة للطبقة العاملة وعموم الشغيلة.

مساهمات أخرى للكاتب :

حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي

ملاحظات على مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي

التراث الإشتراكي في مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي