| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. جواد الديوان

 

 

 

 

السبت 7/4/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

القمة العربية الاخيرة


د. جواد الديوان

اشاعت القمة العربية الاخيرة في الرياض التفاؤل بين المراقبين العرب، وكانت المقالات لتمجيد القادة. واستشهد احدهم بقول ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي بان اعلان الرياض يترجم تغيرا ثوريا لمفهوم العالم لدى الدول العربية. لقد بقت القضية الفلسطينية على جدول الاعمال منذ قمة 1946 ، ورفض القادة العرب التعامل مع الافكار والخطط والمحاولات لانهاء الصراع. ورغم تغير الانظمة (استقلال العديد من الدول العربية)، تعزز التعنت العربي في لاأت الخرطوم (1967 بعد النكسة)، وفي بغداد (1978) لمقاطعة مصر بعد زيارة السادات لاسرائيل، وفي تونس (1979) لرفض معاهدة كامب ديفيد. ويلوح التغير في بيروت (2002) في مبادرة الامير عبدالله بن عبد العزيز وتعززت المبادرة في الرياض (2007) بقيادة الملك عبدالله بن عبد العزيز، حيث الامن مقابل الارض، والامل في انسحاب اسرائيل الى حدود 1967. بذلك يرى المراقبون بان قمة الرياض شهادة ميلاد للواقعية في السياسة العربية.
توضحت اشكاليات العرب في العراق ولبنان والصومال والسودان، بعد انحسار المد القومي في الشعارات حول العرب والدين (وظهرت احزاب قومية اسلامية). وشاع العنف وسيلة في تعامل القوى القومية الحاكمة مع الشعوب، والتهم الجاهزة في الكفر والالحاد ومحاولات الانفصال والتآمر والتعاون مع جهات اجنبية وغيرها (تؤكد ذلك كتب سيرة لقادة التيار القومي وكذلك ضحاياهم).
استعراض القضية الفلسطينية عبر القمم العربية وبقاء المشكلة على جدول الاعمال طيلة الفترة مؤشر للفشل اضافة الى تدهور العالم العربي في اشكاليات وجود القوات الاجنبية (العراق والصومال والسودان) وحرب اهلية تكررت في لبنان ويعاني منها العراق واضطرابات في السودان (الجنوب والغرب). وترتفع اصوات القوى القومية لتبرير الانقلابات العسكرية واستمرار الاحكام العرفية، ونمطية التعليم، وتبني سياسات متهورة (الدفاع عن البوابة الشرقية، وتحرير القدس من الكويت، وتحريك الوضع السياسي بحرب على الجبهة العربية الاسرائيلية، وتحرير الجنوب اللبناني ... الخ). ان ذلك (ثبات جدول الاعمال وتدهور الوضع والتهالك على التبرير) يعني الفشل طوال السنوات السابقة، بل ان ذلك يؤكد انتشار الفنطازيا بين القادة العرب والقوى القومية، بل عاشوا في احلام اليقظة (الفنطازيا) طوال تلك السنوات. لقد تجلت الفنطازيات في الخطب السياسية عن تحرير الارض السليبة (كل شيء من اجل المعركة)، ودعم المقاومة الفلسطينية (خطف طائرات وتفجيرات في مختلف الدول)، مع اقرار القمة العربية في الرباط (1974) للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للمقاومة الفلسطينية (يتقاتل فصائلها من اجل سلطة لا معنى لها على بقعة ارض)، ومحاربة الافكار التقدمية والليبرالية. وطغى الحديث عن اليهود وغدرهم (الاستشهاد بالنصوص المقدسة مع العجز الكامل في التعامل معها في التفسير والاستنتاج) وغيرها من الظواهر.
يؤرخ الادب العربي لاشكاليات القوى القومية ومغالاتها في حربها ضد الحداثة والتطور، بل وشططها في اختيار الاهداف والاساليب. لقد تدخلت الحكومة العراقية ابان حكم البعث في الملابس وحلاقة الشعر وغيرها وشنت حملة على النساء عند ارتداء الملابس الانيقة (طلاء سيقانهن باصباغ الجدران)، وما سموه مظاهر التخنث بين الرجال، وكان وقتها وزير الداخلية صالح مهدي عماش (شاعر)، وعاتبه الجواهري برسالة :
                       اترى العفاف مقاس اقـ                 ـ مشة؟ ظلمت اذن عفافا
وفي محاول لدفعهم لتبني سياسة لتطوير البلد وحل مشاكل العراق ورد :
                       أشع الحياة ولطفها                       في موطن يشكو الجفافا
                       وحش من الحرمان فيـ                   ـه، وذل شعب ان يخافا

وكان الجواب من عماش حماسيا متعجرفا بقوله :
                       أخشى على الجيل انهيا                  را وابتذالا، وانعطافا
                       فعلام تمرح والسويـ                      س تدك بالنار انقذافا
انها حماسة عنتر بن شداد في داحس والغبراء وجساس في حرب البسوس.
ان الحماسة في الخطب والاشعار جزء من صفات الشخصية الرحامية التي تثير الصخب لجلب الاضواء والانتباه لها، وهذا ما اشار اليه القباني في دخول العرب الحرب بالطبل والربابة والعنتريات. والفنطازيا من اليات الدفاع العقلي في تعامل الانسان مع توترات الحياة، وهذا التعامل الوحيد للشخصية العراقية انعكاس لضعف الشخصية وعدم تكامل نموها النفسي ونضوجها او كونها ذات صبغة رحامية غالبة.
بروز واقعية في السياسة العربية في هذه القمة (الرياض) بداية الطريق للتعامل بعقلانية مع متغيرات العالم بعيدا عن الغيبيات وانتظار المنقذين.