| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. جواد الديوان

 

 

 

 

الأحد 25/3/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

ألم في الذاكرة


د. جواد الديوان

وبعد اكثر من اربعة عقود لازالت ذكريات شباط 1963 الاسود حية في الذاكرة. الوالد نزيل نقرة السلمان (تبرز نقرة السلمان في قضية الانفال لتروي قصص من عذابات الاكراد، ومعها ذكريات اضطهاد المتنورين ابان حكم البعث، الفصيل الاقسى من القوى القومية على الساحة العربية)، وممارسات الحرس القومي (سماه عبد حرب بالحرس اللاقومي لاحقا في محاول لتبيض وجه القوى القومية)، والفتاوي الدينية (اشار اليها رشيد خيون في كتابه المذاهب والاديان في العراق)، وقرار الحاكم العسكري العام رشيد مصلح (تم اعدامه في بداية السبيعينات لتورطه بالتجسس لصالح اسرائيل) بفصل الموقوفين من وظائفهم حيث انها وسيلة فعالة في محاربة الافكار ولجم الالسن وهي وسيلة قديمة تعرض لها الكثير:
          حشدوا عليه الجوع ينشب نابه                 في جلد ارقط لا يبالي ناشبا
          وعلى شبول الليث خرق نعالهم                ازكى من المترهلين حقائبا

ورغم الاثار السلبية لتلك الاسلحة وقسوة المجتمع في اللوم والاهانات لينالوا من سمعة الوالد (الوصم بالكفر)، لم تنهار تلك الصورة ولا المثال لنقلده في صموده وصبره وعمله وتعامله مع الحياة، واحمد الله فقد وجدت نفسي طبيبا كما اولاد الحاكم العسكري العام السابق في ثمانينات القرن الماضي ، طبيبا اختصاصيا يشارك في قيادة الخدمات الطبية والصحية ويعمل من اجل تطوير النظام الصحي (كان العمل صعبا في مفاصل الرعاية الصحية الاولية بين كوادر وزارة الصحة التي تمرست على العمل التقليدي للطبيب)، وكانت الهموم من وفيات الاطفال الرضع والاطفال دون الخامسة من العمر في العراق (العراق كان القطر الوحيد في العالم الذي سجل تزايد مستمر في تلك الوفيات) حيث مارس النظام قسوته معهم في الحروب المتواصلة ومشاكسة النظام العالمي ليكون الحصار.
لقد كان لذلك الحشد (الجيش والقوى القومية وعلماء الدين) ضد اتجاه يمثل فسيفساء الشعب العراقي فقد ضم كل الطوائف والمذاهب والاديان والقوميات فتقاربوا فكريا وعملوا من اجل الوطن للبناء والاستقلال والانتاج وغيرها لتظهر الفرقة باسم الدين والطائفة بعد اربعة عقود من تلك الاحداث (اشارت العديد من الصحف والمؤسسات البحثية الى ان ما يحصل في العراق حربا اهلية). ويسعى العقلاء لتجاوز ذلك دون جدوى! فقد انهارت تجربة صهر طوائف العراق ومذاهبه وقومياته ومذاهبه بعد ان تعصب ساسته للعرب منذ التأسيس (1921)، وهكذا حال دعاة القومية وبعض رجال الدين دون التعصب للعراق (تناولت ذلك في مقال سابق).
ويستمر الضرر طيلة الاربعة عقود الماضية ليفتقر العراق للابداع الادبي وبروز قيادات متمرسة وواعية لمصالح الشعب (تشير عدة صحف غربية وشرقية الى ان القادة السياسيين في العراق مبتدئين لا خبرة لهم) ويتدهور الانتاج الادبي بعد ان ساقت قوى الظلام الادباء والشعراء الى المحاكم (بحر العلوم وسعدي يوسف وغيرهم ...) وبقى في المنفى القسم الاخر (الجواهري وغيره)، فأصبح العراق في سنواته الحاضرة يشبه الى حد كبير العراق في القرن الرابع الهجري! (تناولت ذلك في مقال سابق)، فيصف المتنبي ذلك بقوله:
                    انا من نظر الاعمى الى ادبي          واسمعت كلماتي من به صمم
ورغم اصرار المعري بانه الاعمى المذكور! في هذا البيت الشعري، الا اني اجزم ان المتنبي اشار الى جهل الناس وقتها المنتشر (القرن الرابع الهجري) بحيث كأن شعره بينهم كما وصفه! وتؤدي النصوص المقدسة الى انتشار الجهل وعسر التفكير بين العرب قبل الاسلام (عمي صم بكم فهم لا يفقهون - سورة الاية) وبسبب ذلك اضطر قادة المجتمع الى الاختفاء عن عين السلطة. ولم يعكس ذلك غروره او تكبره على شعراء عصره رغم ما شابت علاقته بشعراء عصره من اشكاليات. انه تعدى ذلك في وصف الجهل وانحراف الناس (تناولت تأثير تدهور الانتاج الادبي على الصحة العقلية في المجتمع في مقالات سابقة).