| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 28/7/ 2008

 

العراق : ماذا لو انفجرت كركوك؟

فانسينت هوغو Vincent Hugeux
إعداد :
د. جواد بشارة / باريس
Jawad_bashara@yahoo.com

نشرت مجلة الاكسبريس الأسبوعية الفرنسية تحقيقاً عن مدينة كركوك تحت عنوان:" ماذا لو انفجرت كركوك" بقلم مبعوثها الخاص فانسينت هوغو جاء فيه :

في شمال العراق هناك مدينة عريقة يعود تاريخها إلى آلاف السنين وغنية بالنفط، تطالب بضمها منطقة كردستان شبه المستقلة، ويقطنها مزيج من الإثنيات والقوميات والأعراق والأديان والمذاهب ، وهي عبارة عن عراق مصغر هش، تختزن التوترات والآمال وإعادة بناء ما تبقى من الدولة.
هنالك آلاف من العائلات الكردية المهجرة قسراً في زمن النظام الصدامي المنهار من كركوك وباقي المدن الكردستانية تنتظر الفرج، وماتزال الكثير منها تعيش في ظروف مأساوية ولا إنسانية في مدن النزوح والشتات حتى بعد تغيير النظام سنة 2003. وفي نفس الوقت هنالك آلاف العائلات العربية ، الشيعية ، والسنية ، لاسيما تلك التي جلبها صدام حسين بالقوة من مدن الجنوب لتقطن رغماً عنها في كركوك في سياق حملة التعريب التي مارسها صدام حسين ضد السكان الأكراد، ومنح البعض منها بعض المغريات والامتيازات، تسكن في المدينة منذ حوالي الأربعة عقود إلى يوم الناس هذا.
النازحون والمهجرون يسكنون بيوتاً بائسة من الطين أو الصفيح أو الأحجار المتآكلة أو في مخيمات، في الملاعب والساحات والحدائق العامة والأراضي المهجورة، بلا ماء ولا كهرباء ولا مرافق صحية، ناهيك عن باقي الخدمات الضرورية كالمدارس والطرق المعبدة . يعيش أغلب هؤلاء على المعونات الشحيحة التي تقدمها لهم المنظمات الإنسانية غير الحكومية ، الفقر المدقع يعيش فوق بحيرة من الذهب الأسود، هذا مايقوله من يعيش هذه المأساة في فصولها اليومية . هذه المدينة الغنية بالنفط، والتي تضم كل هذا الموزائيك، من أكراد وتركمان وعرب، مسلمين ومسيحيين كلدانيين وآشوريين وصابئة، يطالب بها الجميع، حتى الأتراك جيران العراق الشماليين. منطقة كردستان العراق تعتبرها جزءاً لايتجزأ من حقوقها التاريخية وتريد ضمها إدارياً إليها لذلك شجعت الأكراد المهجرين منها على العودة إليها والمطالبة بحقوقهم المهدورة لكنها لم تتمكن بعد من توفير التعويضات اللازمة لاسترجاع وإعادة بناء ما سلب منهم. لذلك تتعرض حكومة كردستان شبه المستقلة لانتقادات لاذعة وشديدة القسوة لإهمالها ملف هؤلاء الضحايا منذ زمن النظام البائد، عدا رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني.

القنبلة الموقوتة:
قد تشكل مدينة كركوك الأثرية، التي تبعد 255 كلم شمال بغداد، وتحوي أكثر من مليون نسمة، قنبلة مؤجلة الانفجار، والتي أقسم الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البرزاني بأنه مستعد لسفح آخر قطرة دم في جسده من أجلها، وقد كانت هذه المدينة سبباً في فشل جميع مبادرات ومشاريع المصالحة والتوافق بين العرب والأكراد في العراق على مر التاريخ المعاصر للعراق. فكل النزاعات المسلحة بين مقاتلي الجبال الأشداء والسلطة المركزية، كانت من أجل إحكام السيطرة على هذه القلعة الألفية التي تضم رفات الأنبياء دانييل وعزرا كما تقول الأسطورة. فإذا نجحت التجربة في كركوك فالعراق سيكون بخير وستحل جميع مشاكله بالتدريج، ولكن لو فشلت التجربة في كركوك فالله وحده يعلم ما سيكون عليه مصير ومستقبل هذا البلد .
هل ينبغي اللجوء إلى التاريخ؟ كلا بالطبع فكل جماعة من المكونات البشرية والسكانية للمدينة له تاريخه الخاص وطبعته الخاصة للحقائق كما يراها هو، والتي تنحاز، بطبيعة الحال، لصالحه، وكلها متخمة بالأحداث والشواهد ولأرقام والاحصائيات . التركمان يستندون إلى العصر الذهبي للإمبراطورية العثمانية ويتشبثون بإحصاء سنة 1957، بينما يلجأ العرب لإحصاء سنة 1977 و سنة 1997 ، أما الأكراد، المحررين للمدينة بمعية القوات الأمريكية سنة 2003، فيطالبون بإحقاق الحق والعدالة ويبرزون أطناناً من الوثائق والأرشيف والخرائط القديمة. ويشدد نائب كردي على القول :" بأن الجميع يعلم أن كركوك كردية وهناك آلاف الوثائق التركية والبريطانية والفرنسية والروسية تشهد بذلك " وينبري الخصوم للطعن في هذه المزاعم ودحض هذه البديهية، بالقول "أن هذا لايشكل دليلاً بحكم إمكانية تزوير كل أنواع الوثائق اليوم" . وخلال عقود طويلة مارس النظام البعثي سياسة البطش والاستبداد وشن حملات التعريب والتهجير المنتظمة مشرداً ومهجراً مئات الآلاف من الأكراد ووضعهم في قرى جماعية معدة سلفاً وسهلة المراقبة والسيطرة ،واستعاض عنهم في تلك المدينة بسكان عرب جلبهم بأساليب الترهيب والترغيب من الجنوب والوسط والغرب لتغيير المعالم الديموغرافية للمدينة وفرض أمر واقع جديد عليها. وفي سياق إعادة تطبيع الأوضاع في المدينة اليوم، تتراكم مئات الآلاف من المعاملات من جانب الأكراد المهجرين الراغبين في العودة إلى مدنهم وقراهم، والموعودين بتعويضات تصل قيمتها إلى 20 مليون دينار أحياناً أي ما يعادل حوالي 12000 يورو، أو من جانب العرب الموافقين على المغادرة مقابل تعويضات مالية تقل إلى نصف هذا المبلغ، لكن الروتين والبيروقراطية والفساد تحولت إلى عوامل عرقلة مضنية ومرهقة دفعت الكثير إلى اليأس من التوصل إلى حلول لقضاياهم. حتى عندما حاولت إحدى العائلات الشيعية المقيمة في كركوك تجديد بطاقة التموين تلقت رداً بالرفض لأنها ستغادر المدينة إن آجلاً أم عاجلاً وستصرف لها بطاقة تموينية أخرى في منطقة سكنها الجديدة في الجنوب. لحسن الحظ يوجد نظام التعويض كما يقول المبعوث الدولي الخاص للأمم المتحدة في العراق، لحل الإشكال القائم بشأن الأقليات، السويدي ستيفان دو ميستورا، لكن المؤسف أن هذا النظام يعمل ببطء شديد ولم تتم معالجة سوى 10 بالمائة من الملفات. وقد رحلت عن مدينة كركوك فقط 6000 عائلة عربية بينما استعادت 5000 عائلة كردية من ضحايا الأنفال، الأراضي التي ولدت عليها، وبقي أمامها أن تبني لها فوقها مساكن بدائية بسيطة كبداية لتحديد ترسيخ حقوقها وتثبيتها.
والعديد من الأكراد ينتظرون اليوم المشاركة في الاستفتاء الذي من المؤمل تنظيمه حول المدينة في سياق تطبيع الأوضاع والعودة إلى ماكانت عليه قبل عام 1968 وفق ما جاء في المادة 140 من الدستور العراقي الفيدرالي الذي أقر بالاستفتاء العام في أكتوبر 2005. وكان من المفترض أن يجرى الاستفتاء حسب الدستور قبل 31 ديسمبر 2007 وتم تأجيله ستة أشهر بطلب من مبعوث المنظمة الدولية المكلف من قبل مجلس الأمن ، وبالطبع لم يحترم تاريخ 30 حزيران 2008 الذي من المفترض أن يجري فيه الاستفتاء. بل ولم تجرد قوائم الانتخابات المحلية بعد لأنها مهمة معقدة وصعبة للغاية وشديدة الحساسية اليوم، ولأن أي خلل فيها سيمهد الطريق نحو المواجهة بين مختلف الطوائف والقوميات الساكنة في كركوك. وقد نجح ستيفان دو مستورا في إطفاء فتيل الأزمة وتفادي الفخ بيد أن الملف مايزال قابلاً للانفجار في أية لحظة. حصل تطور إيجابي واستعداد للحوار والتسوية من جانب كل الأفرقاء المعنيين بهذا الملف حتى لو استدعى ذلك المزيد من التأجيل وكسب الوقت بغية التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض والحوار يكون مرضياً ومقبولاً من قبل الجميع. العرب والتركمان لايحبذون طريق صناديق الاقتراع في الوقت الحاضر لتخلخل موازين القوى في التناسب السكاني بسبب فرض الأكراد لأمر واقع جديد بالقوة منذ سقوط النظام السابق كما يدعون. بينما يعلن الأكراد، على الأقل من الناحية النظرية، قبولهم بنتائج الاستفتاء ، ويرددون عبارة ذات مغزى كبير وهي : " إن كركوك هي قدسنا" ، ويحاول دو ميستورا ، في دور مزيل الألغام، أن يعثر على حل مبتكر وخلاق وبناء يقدمه على شكل مقترحات وتوصيات إلا أن الأكراد تحفظوا على بعض فقراته ورفضوا البعض الآخر بل واحتجوا على تصوراته الخاطئة واللامنطقية ومقترحاته المجحفة بحقهم وتوصياته غير العملية وغير القابلة للتطبيق. المشكلة أن العرب والتركمان قاطعوا الانتخابات السابقة فانفرد الأكراد في إدارة المدينة واحتلال كافة مواقع مجلس المحافظة . وكان ذلك خطأً فادحاً ارتكبوه ويرغبون في تصحيحه والمشاركة بقوة في الانتخابات القادمة. إن مصير المدينة ليست مرتبطاً بسكانها فحسب بل بالمركز في بغداد وفي دول الجوار أيضاً، فلو استرجعها الأكراد بما فيها من خيرات وثروة نفطية، فربما سيحث ذلك وثير شهية أكراد دول الجوار في تركيا التي نصبت نفسها حامية لتركمان العراق، وإيران المعنية بمصير الشيعة، وسورية التي تخشى من العدوى ولاتردع نفسها عن التدخل في الشأن العراقي حماية لمصالحها. وهناك مفاوضات مستمرة ودائمة بين الأتراك وحكومة أربيل الكردية كما يقول مبعوث للأمم المتحدة. والأكراد يعرفون أن الأمريكيين الذين يحمونهم سيغادرون يوماً ما بينما الجيران الأتراك باقون إلى الأبد . ومع ذلك تمثل كركوك رمزاً للاضطهاد الصدامي ضد الأكراد ويعتقد الأكراد أن ثروة كركوك النفطية هي لكل العراق وهم سيكتفون بنسبة الـ 17 بالمائة المقررة لهم لكنهم لن يخضعوا لإرادة بغداد وينتظروا موافقتها في استغلال حقول نفطية أخرى في منطقة كردستان ، ويكفيهم ما خسروه من وقت في الماضي. ففي الوقت الذي تماطل فيه الحكومة المركزية في بغداد في إقرار قانون النفط، بادرت حكومة أربيل في كردستان إلى إبرام عقود مع شركات نفطية غربية وفروعها العالمية . حالات التوتر والاحتكاكات، وأعمال العنف والخطف والعمليات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية مستمرة في هذه المدينة لاسيما بين عامي 2006 و 2007 ولكن هل تستحق مدينة دانييل وعزرا أن يخوض سكانها حرباً دامية فيما بينهم من أجل إحكام السيطرة عليها؟ الأكراد يردون بالإيجاب والآخرون يلوذون بالصمت الذي لايعني الرفض بالضرورة، وقد تثير عملية السيطرة الكردية على كركوك تجديد المنافسة الشرسة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وهما الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. ويختتم كاتب التقرير بشهادة أستاذ جامعي عاد مؤخراً إلى أربيل بالقول:" لقد مات العراق القديم ولكن إذا نظرنا إليه من كركوك فسنرى أن جثته مازالت تتحرك".

مجلة الإكسبريس عدد 26/6/2008

 

free web counter