| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمعة عبدالله

 

 

 

                                                                                الأربعاء 29/2/ 2012

 

شرف الكلمة

جمعه عبدالله

منذ ان بزغ الحاكم كقوة تشتد جبروتاً لتشمل كل مفاصل السلطة ونفوذها وتتركز في يديه ، ظهر شكل الطاغي المتجبر الذي يستخدم القوة والعنف في اقصى حالاته دون رادع او دون معارضة .
ليكون امر الطاغي هو السائد , وامثلة من التاريخ القديم كثيرة جدا وابرزها مثال الفيلسوف اليوناني المشهور سقراط.

لمحة سريعة عن ملحمة هذا الفيلسوف - سقراط 399 - 469 ق.م - فيلسوف في علم الاخلاق أو الفلسفة الاخلاقية ,وكذالك في مفاهيم السخرية السقراطية ,و فلسفته تعتمد على اسلوب الجدل و مفاهيم الخير والعدل ويعتبر مؤسس الفلسفة السياسية التي تعتمد على الاخلاق . كان عضوا بارزا في مجلس الشيوخ اليوناني ,حكم عليه بعقوبة الموت لمعارضته اوامر الحاكم الاستبدادية ,وكان القانون اليوناني يمنع تنفيذ حكم الاعدام الا بعد مرور ثلاثين يوما , و حاول الكثير اقناعه باطاعة اوامر الحاكم و تخفيف نقده و معارضته في مجلس الشيوخ ,لكن هذه المحاولات باءت بالفشل ,وكان يصرخ بوجهم ( لن ارفض فلسفتي حتى الفظ النفس الاخير ) .

حاول انصاره ومحبيه تهريبه من السجن عن طريق رشوة حراس السجن لكنه رفض خوفا من ان يفسر بالخوف من الموت . نفذت به عقوبة الاعدام , وبموته الشجاع صار مضرب الامثال بالشجاعة والتحدي , ولهذا سارع تلاميذه كوفاء لمعلمهم الى جمع افكاره واقواله ومحاضراته وخطبه لان سقراط لم يدون كل ما كان يطرحه ولم يعرف بانه كتب كلمة واحدة بل كل ما يطرح وما يصرح به كان مرتجلاً ولهذا بدأ  طلابه بجهدهم الكبير ,وكان ابرز تلاميذه الفيلسوف افلاطون وكسنوفون وكذلك شاركهم في هذا الجهد الفيلسوف ارسطو الذي كان من تلامذة افلاطون , وارسطو هو معلم الاسكندر الكبير وكان افلاطون متأثرا بشكل كبير بافكار معلمه حتى ان ابرز اعماله الفكرية - جمهورية افلاطون هي عبارة عن افكار سقراط , او تأثيرته عليه .

لولا هذا الجهد الخلاق لما كان للعالم ان يعرف من هو سقراط , لموته صار بطولة ومثال التحدي والصمود للكتاب والفنانين الذين يحترمون شرف الكلمة واصالتها ., وبهؤلاء نحن استطعنا ان نميز بين الذهب الصافي وبين المخشوش رغم ان شعوبنا العربية ابتلت بابشع النظم الدكتاتورية التي لا تعرف سوى الحديد والنار ,ومثال النظام المقبور في العراق خير دليل على ذلك ,كيف كان يتعامل مع نهج الترهيب والترغيب ، طبق بشكل همجي دون اخلاق في ممارسته على كل المثقفين و الادباء والفنانين واصحاب الفكر . كيف كان تهريج اعلامه المكرس لتبجيل القائد االضرورة حتى اوصلوه الى السماء السابعة وتصوير العراق في عهد الصنم جنة الله على الارض رغم صور الخراب الفادح في جميع مناحي العراق ,وقد مارس ضغوطا هائلة على الجميع للمشاركة في العهر السياسي ومن يرفض المشاركة فانه يدخل في المصير المجهول , ومن يوافق فان ابواب الجنة تنفتح عليه بخيراتها الواسعة , ولهذا هاجر الكثير من المثقفين والادباء والفنانين واصحاب الفكر الاصيل بدلاً من ان يبيعوا شرف الكلمة في سوق النخاسة وان يصمتوا على الواقع المرير والمدمر بسبب السياسة الرعناء , مفضلين قسوة الغربة ومتاعبها التي لا تعد و لا تحصى .

واليوم تعاد نفس الاساليب السابقة ونفس النهج السابق ولكن للحقيقة التهديد خف كثيرا , وبالمقابل ارتفعت خيرات الترغيب , وكبرت سوق النخاسة طالما ان المال الوفير موجود  وبالعملة الصعبة وكثرت الامتيازات التي تعطى بدون حساب , ولكن بالمقابل هناك من يحترم شرف الكلمة واصالتها ممن لم يتخاذلوا امام بريق المال ولم يدخلوا في سوق النخاسة ولم يشاركوا في العهر السياسي  .

هؤلاء هم سماء العراق وهم صورة العراق الزاهية امام الرياح المسمومة رغم ان بعضهم يعاني من مشاكل جمة وبعضهم يعاني من امراض شتى وبعضهم على فراش المرض وهم يعرفون تماما ان كلمة واحدة منهم كافية لنقلهم الى ارقى مستشفيات العالم .

 

free web counter