| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم العايف

 

 

 

                                                                                    السبت 23/6/ 2012



مقهى (الدَّكة) في البصرة:.. فضاء ثقافي.. وزمن سبعيني
(3)

جاسم العايف *

 " تجد من لا يفهم احتجاجك،

 لكن يكفي،

أنك هنا في الضوء..

تماماً" ................   جمال جاسم أمين

1

مشروع (12 قصة) ،كان الدافع لها هو شعور أغلب كتاب القصة في البصرة بتهميشهم من قبل وسائل النشر الرسمية السلطوية بتعمدٍ، إضافة لانعدام وسائل النشر المستقلة في العراق ، وعدم إمكانية جريدة الفكر الجديد ومجلة الثقافة الجديدة، لم تكن جريدة " طريق الشعب " قد صدرت، تلبية نشر كل ما يرغبون ، لأسباب عدة ، ليست فنية ،غالباً ، بل أيدلوجية أساساً، وقد كان خلف الفكرة أولاً القاص مجيد جاسم العلي والقاص ودود حميد وأشترك معهما وبحماس بعد ذلك القاص عبد الجليل المياح ، ثم وقفنا جميعاً معهم. ومن الذين ساندوهم في بغداد ، وكما اخبرني بذلك القاص مجيد جاسم العلي: انه حمل معه رسالة من القاص ودود حميد إلى الناقد محمد الجزائري، لمعرفة وطيدة بينهما، لتسهيل الأمر لكنه لم يجده ، فزار الأستاذ محمد سعيد الصكار، بحكم معرفته به ، والذي كان يعمل في مجلة "ألف باء" وطرح عليه الموضوع ، وبالنظر لعلاقات الأستاذ الصكار ومكانته المرموقة، من خلال  عمله الفني والصحفي في بغداد فأنه حمل من الأستاذ الصكار رسالة إلى أحد مسؤلي هيئة رقابة المطبوعات الذي استجاب لرسالة الأستاذ الصكار و سهل موافقة هيئة الرقابة على مخطوطات ومشروع (12) قصة سريعاً. وقد تم طبعها على نفقة المساهمين فيهما ودفع كلٍ منهم مبلغاً قدره خمسة دنانير لقاء ذلك. اشترك في الحلقة الأولى كل من القصاصين: احمد أمين/أبو عاطف والمغترب حالياً/ وريسان جاسم عبد الكريم وطاهر ظاهر حبيب وعبد الصمد حسن وعبد الحسين العامر وعبد الجليل المياح/ المعدوم شنقاً حتى الموت/ وقاسم إسماعيل الصالح وكاظم الصبر/ المقيم في المغرب الآن/ ومحمد خضير- وللأمانة كان الأستاذ محمد خضير ، لموهبته القصصية المعروفة ،لا يعاني أي حصار في النشر أين ما يشاء وحسب ما يرغب محلياً وعربياً ، لكنه بحسه الإنساني العالي وتهذيبه الفائق، وتضامنه مع قصاصي المدينة ، وقف مسانداً ومرحبا بهذا المشروع- ومحمد سعدون السباهي ومجيد جاسم العلي و ودود حميد ، وقد صدرت بعد منتصف عام 1971، ورتب تسلسل القصص حسب الأحرف الأبجدية للمشتركين. تم مواجهة الحلقة الأولى في البصرة من قبل أدباء السلطة بريبة شديدةٍ ، وهجوم علني وذم وقدحٍ لا مثيل لهما، في كل مكان ، وخاصة في برنامج كان يبث حينها أسبوعياً عبر تلفزيون البصرة تحت عنوان (المنبر الحر)، يعده و يقدمه احد الإعلاميين البعثيين وممن يحسب نفسه ، بصلف نادرٍ ،على كتاب القصة وهو لم ينشر طوال حياته غير قصة واحدة فقط ، يتيمة حتى الآن. لكن الأستاذ الراحل القاص يوسف يعقوب حداد عندما استضيف في الحلقة التي أعقبت ذلك الهجوم تصدى بدبلوماسيته وأدبه الجم وكياسته المعروفة ولغته المهذبة جداً وروحه المنفتحة وإخلاصه المعروف لخدمة الحركة الثقافية في المدينة ، لذلك الهجوم والقدح والذم ، خاصة وفي وسيلة إعلامية مرئية تدخل بيوت الناس، مؤكداً : أن على الجميع مساندة هذا المشروع والوقوف إلى جانبه لا مهاجمته وأصحابه، وموضحاً أن فيهم مواهب قصصية شابة سيكون لها شأن في عالم القصة العراقية، لكن محاوره أراد أن يحط من القيمة الفنية لبعض القصص فرد عليه الراحل حداد بوضوح تام بما يلي: هذا ليس من شأنك بل من شأن النقاد ولهم الحكم فنياً على القصص. وكتب كذلك عنها من قبل بعض كتاب المؤسسة الثقافية الرسمية في بغداد بقسوة متعمدة ، عندما نشروا مقالاتهم حولها ، في بعض الصحف والمجلات التي تصدرها السلطة، كانت مهينة جداً حتى في عناوينها،ناهيك عن متنها، كما كتب عنها بموضوعية الناقد ياسين النصير، وتابعها من البصرة بدقة الناقد جميل الشبيبي بمقال مطول  نشره في مجلة (الثقافة الجديدة). كان المخطط لـ(12) قصة أن يتواصل صدورها موسمياً في الغالب.

2

بعض المشتركين في الحلقة الأولى لـ(12) قصة وعند مناقشة إصدار الحلقة الثانية منها، في المقهى ، أراد أن يفرض عليها اتجاهاً فكرياً وفنياً معيناً ، وهو ليس إلا صدى للـ (الواقعية الاشتراكية) بنسختها (السوفيتية) وتصوراتها في قضايا الأدب والفن، وما تمثله من توجهات متزمتة، وتدخّلاتها الفجة في تفاصيل الرؤى المنفتحة - الخلاقة  التي يتسم بها العمل الفني، ولست هنا معنياً بذكر الأسماء ، بقدر ما أسعى لتشخيص ذلك التيار الذي كان يقف خلفه، لأسباب ليست أدبية- ثقافية، بضراوة بعضهم. مما دفع عدد من المساهمين بحلقتها الأولى للانسحاب ، في مقدمتهم  القاص محمد خضير ولحقه بعد ذلك عبد الصمد حسن و قاسم إسماعيل الصالح ، وللأمانة أن انسحاب عبد الصمد حسن لم يكن غير صدى لانسحاب القاص محمد خضير، وإذا كان القاص عبد الصمد حسن قد واصل المسير في عالم القصة القصيرة وصدرت له رواية  ، عن دار الشؤون الثقافية - بغداد ،على وفق شروط معينة،  لن أتطرق إليها، خلال مرحلة التسعينيات. فأن قاسم إسماعيل الصالح تبخر تماماً  عن الوسط الأدبي والثقافي في المدينة ، ولحد اللحظة لم يُعرف عنه أنه قدم شيئاً ما مذ تلك القصة في الحلقة الأولى. وكذلك انسحب القاص محمد سعدون السباهي بسبب رفض نشر قصته (الوصية) بإجماع المشتركين فيها ، ومطالبته بقصة أخرى غيرها ، تحاشياً لأي إشكال قد يقع مع هيئة رقابة المطبوعات مما سيدفعها لعدم إجازة الحلقة الثانية. وقصة السباهي تلك ، كان أستاذنا الراحل الدكتور علي جواد الطاهر وفي عموده الأسبوعي بجريدة الجمهورية والمعنون (أفق) قد كتب   بأنه ".. يندران يُكتبْ في العراق مثل قصة (الوصية) التي تمُثل  الحلقة المفقودة في التطوّر القصصي العراقي.." وقد أعاد الراحل د. الطاهر نشر ذات الموضوع في كتابه( ما وراء الأفق) والصادر عن وزارة الثقافة العراقية. ورغم أن قصة (السباهي) قد فازت بالجائزة الأولى لكن صحف ومجلات السلطة لم تنشرها ، مع أنها  نَشرت النصوص الفائزة الأخرى. وقد نشرت قصة  (السباهي) بعد ثلاث سنوات في (مجلة الفكر المعاصر) التي كانت تصدر في لبنان وتشرف عليها الروائية عالية ممدوح، و تم التحفظ على ذلك العدد من قبل هيئة رقابة المطبوعات، لكن بعضاً منه قد تسرب ألينا بطرق ووسائل شتى، كما نشرها (السباهي) ضمن مجموعته القصصية الأولى " ضباب كأنه الشمس" / دار الشؤون الثقافية- بغداد 1994.اشترك في الحلقة الثانية من (12) قصة بدلاً عن المنسحبين: عبد الجبار الحلفي وشاكر السكري وسلمان كاصد والراحل خليل المياح وحسن موسى، فصدرت في نهاية الشهر التاسع عام  1972  بالاسم ذاته، أي (12) قصة،مع أن المشتركين (13) قاصاً. كما نشرت كذلك على نفقة المشتركين فيها ،ورتب تسلسل القصص فيها بشكل معاكس لما جرى في الحلقة الأولى ، أي من نهاية تسلسل الحروف الأبجدية العربية صعوداً لبدايتها ، وقد صمم غلافها، كذلك، الفنان (إياد صادق). وفشلت محاولة احتواء (الجماعة) من أي جهة كانت، وبقي الموقف الثقافي- الرسمي متشدداً جداً تجاه (الجماعة) حتى أننا اقترحنا على (دور الثقافة الجماهيرية) أن تخصها بجلسة يوم الثلاثاء الثقافية المعتادة، والتي تعقد عصراً على حدائقها، وليتحدث عنها كل مَنْ يستطع وبما يشاء، فجوبه مقترحنا بالرفض التام من قبل مديرها، المتزمت جداً ، الشاعر(م. ر. ج). جرت محاولات عدة لإصدار الحلقة الثالثة منها ، وحصلت محاورات في المقهى اشتركنا فيها معهم، وتقدمنا بمقترحات عدة لهم منها: أن يتم تقديم قصص ذات نوعية ومستوى فني متقدم ، وان تعرض كلها على بعض المثقفين البصريين و المهتمين بهذا الشأن وفي مقدمتهم الأستاذ "محمود عبد الوهاب والزملاء عبد الكريم كاصد والراحل مصطفى عبد الله وجميل الشبيبي" ويكون رأيهم باتاً في صلاحية أي قصة للنشر، واستغرقت تلك الحوارات زمناً مطولاً.. لكن ذلك لم يحصل على موافقة جماعية من قبلهم ، حتى تفرق شمل (الجماعة) لأسباب وظروف خاصة - عامة.


*
كاتب عراقي
 

 

free web counter