| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم العايف

 

 

 

 

الأحد 21 /1/ 2007

 

 

متابعة ثقافية

الشاعر مجيد الموسوي بين الرثاء والمخاطبات


جاسم العايف

خصّ اتحاد الادباء والكتاب في البصرة الشاعر "مجيد الموسوي" ، بجلسة ثقافية خاصة تثمينا لعطاءاته الثقافية ومنجزاته الشعرية. قرأ فيها الناقد والباحث التشكيلي خالد خضير بحثه المعنون " مجيد الموسوي.. رثاء النفس عبر رثاء الآخر" مقدما فيه رؤيته لديوان الشاعر الموسوي "كوابيس انكيدو" محددا المهيمنات التي تلقي بثقلها على ديوان الشاعر "مجيد الموسوي" الاخير ، ملاحظا ترابط مهيمنات قوى المرثية الثلاث التي يفصّل الناقد "ناظم عودة" الحديث عنها في كتابه "نقص الصورة وتأويل بلاغة الموت" باحثا في علاقات المرثي والراثي في ديوان الموسوي ، ولسان المرثية بين اجزائها، وفعل الإقصاء الذي تمارسه قوة تجاه القوتين الأخريين، فالراثي في قصائد الموسوي بحسب الناقد خضير"" غالباً ما يزاح خارج فاعلية الحدث"" ، ليكون المرثي محور الحديث في الرثاء ، ويغدو لسان المرثية مهيمناً دوماً بوصفه وثيقة من وثائق المرثي ، وربما هي آخر الوثائق المتحصلة من الغياب المادي للمرثي ، وشخص الناقد خضير ان:" اهم نموذج انشق عن هذا النسق هو " مالك بن الريب" الذي كتب مرثيته بنفسه فكان هو الراثي والمرثي وقوال المرثية ايضا" ، وبذا يكون قد هيمن على قوى المرثية الثلاث . يرى الناقد خالد خضير ان: "مجيد الموسوي" ((احتال علينا)) عندما استعار شخصية انكيدو عنواناً ومدخلاً، فالمرثي انكيدو (= مجيد الموسوي) والراثي جلجامش (= مجيد الموسوي) والنص (كوابيس انكيدو) الذي هو في النهاية نص مجيد الموسوي وحده ، وأبطال النص شخصيات رمزية غالباً ما تستبدل مختلف الاستبدالات.واضاف ان الشاعر" الموسوي" ابدى ضروباً من القدرة وتوظيف وسائل التماهي و ((الاحتيال)) على القارئ في رثاء ذاته من خلال رثاء الآخر ببلاغة موهبته ، كما في قصيدته "أحزان ليلة الأحد":
( حين أنحنيت اقبل وجنتيك الباردتين
تلك الليلة شممت رائحة الحليب الأول بشفتيّ المبللتين بالدمع
كنتِ نائمة كسراج مطفأ
ويداك مكبلتين بالسكون
وجسدك هادئاً
كسنبلة قطعت وألقيت فوق التراب..
التراب الذي صار سر يدك
) .
وذهب الناقد خالد خضير الى ان مجيد الموسوي هنا "ينشأ نصاً يحاول فيه تلمس محنة الميت (= الشاعر ذاته) الذي ما زال حياً ، ويعمد إلى افتراض نفسه في نص مفتوح الأسئلة ، تهيمن عليه الطيات الغامضة والخروم" ، وعبره يدخل ذلك العالم الغامض وهو يتأسى على نفسه:
(سأبدأ من الزمن الذي لا زمن له
واعرف إنني سأنتهي
منطقة مجهولة
سأدخل
غابة الأسئلة المحيرة).
وقدم الناقد مقداد مسعود قراءته المعنونة "نزهة في حدائق الشاعر مجيد الموسوي" اوضح فيها ان "المخاطبات" هي مخاطبات "الموسوي" لا "النفري" والعشب عشبه لا عشب الشاعر "والت ويتمان" ، في اشارة الى ديوان الموسوي "مخاطبات العشب"، وهذا لا يعني انه يتقاطع مع المخاطبات الأصل/ المقصود / مخاطبات النفري/ فهو قد توقف طويلاً عندها وتحرى فيها ليصل بعدهاإلى مخاطباته "هو" لا مخاطبات "سواه " ، والموسوي بحسب الناقد مسعود استروح طويلاً عشب (ويتمان)، في اشارة الى ديوان الشاعر" ويتمان" المعروف بـ"اوراق العشب" وهو يستريح قربه ويسقي أعشابه هو لا أعشاب ويتمان وهو خاطب العشب ليكتشف بعدها انه استيقظ متأخراً مقدما "مراثي الأزهار البرية" وحين حاول الإغفاءة قليلاً لم يحلم بـ"كلكامش" بل تراءت أمامه "كوابيس انكيدو" ،الديوان الثاني للشاعر الموسوي، لتزيده الأسئلة ارهاقاً..الأسئلة التي ما يزال "منقبو" الوعي الإنساني يحفرون في طبقاته ، وهولا يجد من شفاء لروحه الا بالتوجه نحو المطلق الأرضي وكائناته الانسانية ومشاغلها:
(واخيراً
توجهت للبحر
تجاوزت كل الصخور الأنيقة
والكتب المستريبة
والنوم
غادرت مملكة الارتخاء
وراء الزجاج الملون
غادرت منزلنا
وتوجهت للبحر
)
يتوقف مجيد الموسوي طويلاً أمام الزائر الأخير/اشعر ان الموت ينقر بابي / انه يتوقع مباغتة دائماً، والموت هو مهيمنة واضحة المعالم في شعره، الموت ليس كمحاولة لإلغاء الذات، بل الخوف على الذات من الانقراض الأشد قساوة ، والتصدي الذي يعمد إليه الشاعر هو استعادة الغائبين شعرياً، استعادة الوجوه والأمكنة الغائبة وعبرها يعقد الشاعر اتصالية تضاد بين نعومة المتخيل والواقع الفظ . وفي مرايا استعادات الشاعر سنجد (الشاعر عبد الخالق محمود) (القاص مهدي جبر) (صديقه عبد المنعم البارودي) (الشاعر محمد طالب محمد) (الشاعر رشدي العامل) (الشاعر مصطفى عبد الله) (المسرحي جبار صبري العطية) الشاعر( البريكان) ، وعبر هذه الاستعادات يعرف تماماً الحدود . ومهما حاول إلغاء ذلك فانه يصرح بمعرفته بها:
(إن ما بيننا لغة من غموض
ورفرة من سراب
وأغنية فائقة
ان ما بيننا قارة شاسعة.
)
و تحدث الشاعر مجيد الموسوي عن تصوراته وهو يمسك باللحظة المعاشة باعتبارها لحظة الابد مع انه يعي ويدرك تماما ان آلآن يتحول الى ماض ،وأنه لذلك يرتقي باللحظة الراهنة-الزائلة نحو الابدية من خلال الشعر لغرض تجاوز الراهن لأن الشاعر وهو يجلس على نهاية الحواف ، فأنه يبصر الهاوية الفاجعة التي تحيط به و بالأنسان ويعمل على تجاوزها بإعادة اكتشاف الأشياء. و ذكر ان المراثي التي كتبها للاحبة الراحلين والأشياء الزائلة التي يحاول الامساك بها شعريا هي محاولة لإملاء النقص الحاصل في الحياة اليومية ، وتلك المراثي تسعى للقبض على اللحظة التي تتبدد ومعها تتسرب الحياة ، وبذلك فأنه لا يقف شاهدا سلبيا على ما يحدث من انتهاكات فظة تجاه الانسان في أي زمان. ثم قرأ بعضا من قصائده الجديدة التي وثق فيها المشهد الحياتي للانسان العراقي وهو يخوض في بحور الدماء والعذابات اليومية الراهنة.