| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم العايف

 

 

 

 

السبت 19 /8/ 2006

 

 

ادباء البصرة يستضيفون زميلهم القاص المغترب "علي جاسم شبيب"

 

جاسم العايف

مقهى هاتف الملغى..ذكريات لاتنسى

استضاف اتحاد الادباء والكتاب في البصرة القاص والروائي العراقي المغترب "علي جاسم شبيب" بعد عودته من المنفى الذي ناهز اكثر من ربع قرن وقدمه الكاتب "جاسم العايف" بالكلمة التالية:
اكمن خلف ذاكرتي في جلسة اليوم.. ذاكرتي التي تنفتح من خلال حضور صديقكم وصديقي القاص "علي جاسم شبيب "..استعيد الايام، التي ثٌلمت من خانات العمر وسلّمه والذي المح تآكله شيئا فشيئا.. افتح خزائن السنوات التي طوقتنا بصخبها والتي دفعتنا لممارسة طقوس حياتنا بمدنية في بدء تطلعنا الى الوجود والتحضر واجهز عليها البرابرة بعصفهم الذي ترك ويترك ندوبا في الأرواح وخدوشا في الأجساد لن تمحى قط.. سافتح ذاكرتي على جزء بسيط من المشهد البصري ,اختص به مقهى هاتف ، الذي اختفى آلآن ككل شئ جميل في هذا الوطن المذبوح واعتبر الإجهاز عليه اجهازا على جزء حميم من أعمار أجيال ساهمت في صناعة شكل البصرة ثقافيا وفنيا وحضاريا واجتماعيا.
في البصرة القديمة وفي منطقة السيف يقع مقهى هاتف ،و في قلبه ركن محدد، معزول، مشخص، يلتقي فيه بعض من جيل الستينيات البصري، أول الحاضرين صباحا، جميل الشبيبي ،المفصول من التعليم، كما انه آخر المغادرين، إسماعيل فهد اسماعيل الذي بدأ بمغادرة بقعته الداكنة الى السماء الزرقاء، محمد جاسم عيسى، مصطفى عبد الله النائم بعيدا عن جلاب والذي لن يؤوب ثانية لها ،جليل المياح المشنوق حتى الموت، شاكر العاشور، عبد العزيز عسير،جعفر موسى علي،الثاوي في ارض غريبة بعيدة، القتيل محمد طالب محمد وعصاه التي لا تفارقه ،اقصد عصا البليارد،عبد الكريم كاصد القادم من دمشق في أجازاته الدراسية،عبد المحسن براك، تدفق العبارة بلهجة اصلاء الزبير الأوائل والذي لم تسعه رمالها فآوته مقبرة غرباء عمان في التسعينيات ، و أعزاء آخرين طحنتهم عجلات البرابرة والزمان . في ذلك المكان والزمان اشتعلت الحوارات،وتكاثرت الرؤى وتقاطعت الاجتهادات، وتميزت الجلسات بالشد والجذب وأحيانا تصل منطقة الاتهامات المتبادلة، ويصبح التصالح وحسن النوايا وطيب المعاشرة سيد الموقف. في الليل وفي حانات العشار ونواديه تأتلق الوجوه ، تتبدد المزاعم و تنأى الوقائع لتتجدد الأرواح في بوحها السري الخفي المكلوم.. لسبب ما انفردنا، أخي علي جاسم وأنا بالجلوس في مقهى العرب ، يقع مقابل سوق العقيل في البصرة القديمة. ولا اثر له الآن ، معنا شاكر حمد بقنوطه ويأسه المريرين، محمد خضير،المطل ، بإلفته ، لم يكن حينها قد جلل الشيب رأسه، كان قد اجلس شفيعه حارسا على أبواب مملكته السوداء و بدأ يؤثث أحياءها وشوارعها ومنازل نسائها، خالد الخميسي ، الحافي المفلس دائما، البوهيمي الذي فر من بغداد بسبب ما تبقى من أجور طباعة مجموعتيه (القذر والملوثون)، أأبقى آلآن أغري ذاكرتي لأبحث في تلك الأوقات والعلاقات المتجددة وأغالب ما اضمحل من بعضها ولا القي بها في بئر النسيان الذي بات من لوازم الحياة وشروطها الراهنة.. سأغلق ذاكرتي على تحولنا الى مقهى(أبو مضر) ودكته بعد ان تبدل المشهد في مطالع السبعينيات. آلآن امسك منتشيا بعلاقتي باخي علي جاسم وجلوسه جانبي بعد رحيل استمر لاكثر من ربع قرن هائما بين نصف القارات التي يتشكل منها هذا الكوكب الذي نعيش عليه لمرة واحدة فقط.. وما أقسى ان تتبدد هذه المرة تحت سطوة القساوة والذل والمهانة او في الاختباء خلف صناديق البضائع الرديئة المشحونة او المهربة بين الحدود او في عنابر سفن الدرجة الثالثة وربما أدنى منها او في رعشة الخوف من مفتشي القطارات و مواجهتهم بجوازات سفر مزورة وهويات منتحلة ، لم يعد لاصحابها الحقيقيين وجود .. بعد ذلك الغياب القسري و بعد الخسارات المرة التي وسمت الآمال وانفراط عقود الأحلام يؤوب القاص "علي جاسم شبيب" باسطا يديه لصداقات جديدة مثمنا صداقاته القديمة التي لم ينقطع عنها حتى ولو خلسة ..في محلة بسيطة مهملة ولد.. وشب على علاقات وسَعتْ مداركها الاهتمامات الثقافية المتنوعة وصلبت عودها الأفكار الاجتماعية التي ازدهت بالناس وحياتهم الثرية- الفقيرة .. عمل في التعليم في الفاو لسنوات ثم في الزبير ومنها في نهاية1978غادر قسرا وعاد في سنة 1980 الى كردستان العراقية ليلتحق مع نخبة من المثقفين والادباء والكتاب والفنانين العراقيين بـ" فصائل الانصار"التي اسسها الحزب الشيوعي العراقي. و غادر عام 1983 متخفيا ثانية نحو المجهول. نشر قصصه خارج العراق في مجلتي المدى و الثقافة الجديدة و بعض المجلات العربية . أصدر رواية للفتيان بعنوان (وردة الفرح) في اليمن عن /مركزعبادي للدراسات والنشر/صنعاء/ ولديه رواية أخرى أيضا لذات الشريحة جاهزة للطبع، ربما سيجعله هذا في منطقة الرواد والمستكشفين لهذا النوع من الكتابة.. وثمة اكثر من مجموعة قصصية مَنعَ نشرها الصراع على قوت العائلة التي أسسها في المنفى.
تحدث بعدها القاص " علي جاسم شبيب" متناولا بداياته الاولى والمناخ الادبي الذي شب عليه ونشاطه الثقافي في الفاو و اهتماماته الادبية-الفنية التي ساعدته على بلورة المشهد القصصي وترابطاته السردية في قصصه و عن روايته"وردة الفرح" ومحاولته التوجه الى الناشئة هذا الافق الذي لم يتم الاهتمام به مما دفعه للاهتمام بهذه الشريحة المهمة ، المهملة، والتي عبر وعيها سيتشكل المستقبل. ثم تناول الوضع الانساني- الثقافي الذي يمر به العراقي خارج العراق فقال :أن التغرب حالة قسرية لا انسانية تسلب الفرد ما احاط به من المحيط الاجتماعي-الثقافي وان اجيال المهاجرين العراقيين تواجه صعوبات في الاندماج الحياتي والثقافي وهذا لايمنع بعض الاستثناءات. "بالنسبة لي انا سعيد بالعودة" حيث الدم والنسغ الفعلي والارض بملوحتها وخصوبتها اما بالنسبة للادب والثقافة فلا يمكن اعتماد ما يسمى ادب داخل- خارج فالثقافة العراقية وارثها الانساني ولود ومتنوعة وتتشكل من نسيج يتميز بالغنى والتجدد. وتحدث عن قصصه التي بها وعبرها واجه وضعه خارج العراق وكتبها خلال تواجده في ليبيا ودمشق وبعض الدول الاوريية. ثم قدم الناقد جميل الشبيبي قراءة لـرواية "وردة الفرح"ورأى انها مبنية على وفق نظام الحكاية الشعبية او الخرافية وان الروائي استخدم سردا يعتمد الفعل الحركي و قدم و صفا تفصيليا للاماكن العامة اما المتن الحكائي في الرواية فقد اعتمد المغامرة والرحلة مجهولة النتائج . واعتبر الناقد الشبيبي رواية" وردة الفرح" "رواية اطارية " بما تحتويه من حكايات متعددة في البناء الاساس للرواية وان نمط السرد فيها مزج بين الواقعي والخيالي و بعض الاحداث تتمحور بجنس السرد العجائبي . والراوي فيها ينتمي الى الرواة المشخصين في "الحكايات الخرافية" . وان خطاب السرد لدى الراوي محايثا للسرد الحكائي. وقدم القاص عبد الحسين العامر استذكارا بعنوان" علي جاسم وارصفة الضفاف الاولى" تناول فيه الفترة التي عاش فيها المحتفى به في الفاو والنشاطات الادبية الفنية في تلك المرحلة كما تحدث القاص مجيد جاسم العلي حول مساهمات الادباء في الخارج في بناء الوطن حاليا .وقد عقب استاذنا القاص محمود عبد الوهاب على مداخلة الناقد جميل الشبيبي حول مصطلح الاطار في الرواية وحول انظمة السرد فيها والمتن الحكائي العجائبي واثنى على القاص "علي جاسم شبيب" و توجهه للكتابة في هذا المجال مقترحا الاهتمام بالخطاب الروائي للفتيان وضرورة الأستفادة من المعجم اللغوي لهذه الفئة العمرية.