| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم العايف

 

 

 

الأثنين 18/1/ 2010



تجليات التوظيف السياسي للفكر الديني

جاسم العايف

يحتل التطرق للمسألة الدينية وللإسلام السياسي وتجلياته في توظيفه السياسي للفكر الديني في العالم العربي - الإسلامي والعراق بالذات أهمية قصوى في الوقت الراهن ، فالتيارات الإسلامية السياسية بكل أنواعها واتجاهاتها تسعى إلى استغلال الإسلام وتراثه المتعدد من خلال نظرتها الأحادية في التعامل معه وتجيره لمشروعها السياسي الدنيوي. وهي في العراق ، وبعد سقوط النظام البعثي ، باتت ذات حضور مؤثر في الحياة الاجتماعية- السياسية العراقية وتطرح توجهاتها وبرامجها وخطاباتها من خلال الدمج بين الإسلام كعقيدة وعبادات وقيم إيمانية أخلاقية وجدانية للربط بين مشروعها السياسي والدين الإسلامي ، وعلى وفق تصوراتها البشرية وأجنداتها وبرامجها السياسية الخاصة، وسعيها المتواصل في احتكار التراث الإسلامي المتنوع والمتعدد بصفتها الوريث الوحيد له،مع كثرة اختلافاتها الفقهية وتوجهاتها البرنامجية السياسية- الدنيوية المتمثلة بـ"الدولة الدينية" والتي تعتمد ، على أسس الشريعة الإسلامية كـ"مصدر وحيد للتشريع" مع تصوراتها المتناقضة -المتعارضة فقهياً والتي قد تصل حد التكفير فيما بينها. وينحو مشروعها السياسي-الاجتماعي لخلق هوية أسلامية للدولة وأسلمت المجتمع فعلياً من خلال فرض أنماط معينة للسلوك الاجتماعي و طرق الحياة المعيشية الفردية – اليومية للناس ، مستندة في دعواها هذه على الهوية الإسلامية للأغلبية السكانية في العراق ، والتي في حقيقتها ومراميها هوية حضارية شعبية متدينة فطرياً ووطنية ايجابية وجدانياً ، أكثر من كونها هوية سياسية- دينية وذلك لأن الوعي الديني الشعبي وتجلياته في الممارسة الدينية اليومية و الطقوسية، لا تُفسر بعوامل الإيمان فقط بل تميل إلى عوامل اجتماعية- سياسية متغيرة ، وان المسار المعقد والملتبس للعلاقات الاجتماعية المتشابكة مع المصالح الفئوية يقود بالضرورة للبحث في العوامل الكامنة تحت سطح العلاقات الاجتماعية، لأن عوامل الصراع المتواصل، في جزء كبير منه، وعبر التاريخ هي: على المصالح الاجتماعية ومنافعها، ولا تنحصر في الهويات-الدينية والقناعات الإيمانية فقط ، بل هو صراع اجتماعي يتجلى مظهره الفعلي في الانحياز لمشاريع سياسية آنية أحياناً، ومختلفة في الغالب وهو في حقيقته صراع مادته (الماضي) إلا انه في مراميه يتعلق بالحاضر لغرض الإمساك بـ(المستقبل) ، ويمكن الاستدلال على إن المصالح المتغيرة(زمكانيا)، تؤدي إلى البحث في النص الديني المقدس للوّي عنقه لتلبية الإرادات العارمة والمصالح البشعة لرجال السلطة السياسية في تداول ذلك النص، وخضوع بعض رجال الدين لتأسيس أنظمة من الرؤى والأحكام الفقهية وبما يلبي وينسجم مع طموحات الحكام. وأدى ذلك إلى وقوعهم تحت ضغوط دائمة سلطوية قهرية تطالب وتسعى من اجل وضع الفقه وتفسيره واستنباط الأحكام منه لخدمتهم ورغباتهم وشراهتهم الدائمتين للتحكم في رقاب الرعية . ولا يمنع ذلك من وجود بعض علماء الدين ، ممن تمسكوا بإراداتهم الحرة ومفاهيمهم الإنسانية ساعين بجد وإخلاص نادرين ، لتأسيس فقه ديني يتفق مع (الإرادة المتعالية)التي خلف (النص المقدس) لغرض الحياة اللائقة للإنسان، دون تمييز، في الأرض باعتباره ، وحسب المفهوم الديني، ظلا لتلك الإرادة، وخليفة لها على الأرض . من هنا نرى ضرورة تجنب النظرة العدمية للتراث الديني عامة والإسلامي خاصة والسعي لدفع الأمور باتجاه عقلاني تقدمي منفتح على منجزات الفكر البشري وعلى اعتماد النهج والسلوك الديمقراطي كقيم وأسلوب حضاري في الحياة اليومية للبشر، وعدم التعامل مع مفهوم الديمقراطية كآليات أو اختزالها في مفهوم الأكثرية والأقلية في مجتمعنا والنأي عما هو معروف ومكرر عن مواقف البعض السلبية تجاه المسألة الدينية و تجلياتها السياسية الراهنة، في مجتمعنا حالياً. بعد أحداث 11 أيلول ومن خلال أجهزة الإعلام الغربية وبعض المفكرين الغربيين، ورثة الاستشراف الاستعماري ورؤاه ، والمعبرين عن المصالح الواضحة للفئات المتنفذة في مصادر القرار العليا في تلك الدول، و ذهنيتهم المبنية على (صدام الحضارات) حُول مفهوم الإرهاب إذ بات ملتصقاً بالإسلام والعرب والمسلمين وبات يترادف لديهم (الإسلام والعنف) و (العرب والإرهاب) من خلال تعاملهم مع بعض النصوص الإسلامية بقصدية و ضمن سياق يجرد النص الديني من الواقعة التاريخية المترافقة معه والباعثة إليه لإضفاء المشروعية المتواصلة على نصوص و حوادث وسير وسلوكيات دفعت إليها الأوضاع الاجتماعية السائدة قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، ووصلت إلينا عبر موروث شفاهي خاضع للاجتهادات البشرية ومصالحها . ومن النادر اتفاق اغلب الفرق الإسلامية و العاملين في الحقول الإسلامية عليه في حينه، والآن كذلك، ومحاكمة تلك النصوص بعد تجريدها من عواملها التاريخية ودوافعها الآنية كأجندة متلازمة بمعايير العصر الراهن ، كما يجري الدمج بين الأفعال الإجرامية لبعض القوى (الإسلاموية المتطرفة) وممارساتها التي تعتمد الفهم البشري المتزمت للفكر الديني وربط ذلك مع كل النتاج الفكري العربي – الإسلامي عبر التاريخ إذ يتناغم هذا النهج والمنهج بسوء النوايا في تحليل أحداث التاريخ والتراث والمعتقد الإسلاميين على أسس ذرائعية وتبسيطات وخرافات تعكس النكوص اللاعقلي في فهم التاريخ وحوادثه خاصة حينما تعتمد بعض القنوات الإعلامية الغربية المؤثرة في توجهات الرأي العام وكذلك دراسات بعض المفكرين الغربيين وجهة نظر بعض القوى الإرهابية ، حلفاء الأمس، زمن المعسكر الاشتراكي السابق والاتحاد السوفيتي تحديدا وخاصة مأزقه المدمر في احتلال أفغانستان، وتم التغاضي عن نشاطاتهم الفكرية وصلاتهم التنظيمية وقدراتهم المالية وتبيض أموالهم معروفة المصادر، واعتماد اغلب الأنظمة العربية على ذلك لمواجهة التيارات اليسارية الديمقراطية وذات التوجهات والبرامج الماركسية بالذات ، ما نحينهم المنابر العلنية للحديث باسم الإسلام دون أن يكونوا مؤهلين فكريا و شرعيا أو مخولين من قبل ملايين المسلمين ومفكريهم المتنورين الذين يؤكدون بأن الأصل في الإسلام الإباحة والحرية في العقيدة وفي أمور الدين، وان الإسلام يخلو في جوهره من الدعوة إلى إلغاء الآخر أو إلى فرض الأمر الواقع عليه وبدلالة النصوص القرآنية والسيرة النبوية التي تذهب في هذا المنحى. أن الإرهاب ظاهرة بشرية تاريخية قديمة مرتبطة باستخدام العسف و العنف والإكراه والبطش في التعامل مع الآخر و سمة من سمات الإمبراطوريات المتعاقبة عبر التاريخ وفي جميع أنحاء العالم وليست حكرا على دين واحد فقط ؛غير أن الأمر يتعلق بالكيفية التي يجري فيها استخدام الدين والفهم البشري له وأطروحاته وتوظيف ذلك في المجتمع. تخضع القضية الطائفية المستشرية الآن في أغلب مناطق العالم الإسلامي والتي هي في حقيقتها ومراميها ومجالاتها التداولية في الطائفة الواحدة ووهم وحدتها المزعومة أو تمثيلها الأحادي من قبل جماعة معينة انتدبت نفسها لذلك دون تفويض من احد ويكرس ذلك التوجه للتقوقع داخل الهوية الطائفية عبر منطق التماثل والمطابقة والثبات لغرض تكريس الجوهر الواحد والممثل المرجعي الوحيد للطائفة والمذهب، بينما يكشف الواقع الإشكالات والمصالح الدنيوية المتعارضة بين الفئات والأحزاب والتيارات السياسية- الدينية المتنوعة والمتنازعة على النفوذ داخل الطائفة الواحدة من جهة ، والطوائف الأخرى من جهة ثانية ، و سيحول مثل هذا التوجه الدين واجتهادات المذاهب المتعددة إلى وقود مشتعل أو قابل للاشتعال في الفضاء السياسي- النفعي الراهن بينما يكشف الواقع الإشكالات والمصالح الدنيوية المتعارضة بين الفئات والأحزاب والتيارات السياسية الدينية المتنوعة والمتنازعة على النفوذ داخل الطائفة الواحدة من جهة ، والطوائف الأخرى، ولحل تلك الإشكالات والتنازعات، لابد من فسحة الوطن المشترك المتسع للجميع ، والسلام الاجتماعي ضمن أُسس الحوار الديمقراطي العقلاني وإعلاء مفهوم المواطنة أولا والتعامل مع مفهوم الهوية بابعادها المتنوعة والمنفتحة كهوية مغايرة - متواصلة وغير منقطعة . أن البحث في الخلفية التاريخية لمفهوم السلطة في الإسلام يقود إلى إشكالات أساسية عدة في هذا الميدان ولدى مختلف المذاهب الإسلامية إذ نلاحظ وجود التناقضات في الممارسات عن تجارب السلطات في التأريخ الإسلامي ، وهي في محصلتها متأثرة بالأجواء والتوازنات الاجتماعية- السياسية وما تفرزه تلك العملية من صراعات آنية سلطوية وبين نظرية "المعرفة الإسلامية المبنية على الإيمان الديني والعودة إلى المصدر الإلاهي ، والبحث عن مشروعية السلطة" انسجاما معها ، وقد دفع ذلك جميع المتصارعين-حكاما ومعارضين- إلى تكييف النص الديني أو التفسير الفقهي له للاندماج مع محصلة النتائج العملية للصراع على السلطة السياسية بين المنتصرين/ الحاكمين/ أو محاولة الاستحواذ عليها من قبل المعارضين ، وقد جعلت تلك التعارضات الفقهية والصراعات العملية حول( مشروعية السلطة القائمة) ومفهوم (البديل الأحق) لها، موضع تناحر وتنازع طوال التاريخ الإسلامي وبمختلف الوسائل والطرق المتاحة لكل طرف. لذا فأن علمية الفهم المتجدد لكافة جوانب الظاهرة الدينية وتجلياتها الآنية ، لغرض كسب الجماهير الشعبية المتدينة بحسها الشعبي الفطري و مشاركتها المؤثرة في تكريس حاجاتها المرتبطة بأوضاعها الاجتماعية- الاقتصادية ، و الفهم الايجابي لجوانب الظاهرة السياسية- الدينية في مجتمعنا العراقي حاليا، يجب أن يتجوهر في كسب تلك الجماهير الشعبية باحترام قناعاتها المذهبية- الفقهية ومرجعياتها واجتهاداتها المتنوعة السلمية، والاستفادة من حسها الإنساني وتوقها للعدالة الاجتماعية لغرض مشاركتها المؤثرة في تكريس حاجاتها المتزايدة إلى الحريات المدنية، المرتبطة بأوضاعها الاجتماعية- الاقتصادية، و هويتها الوطنية العراقية ، لان ساحة الصراع الفعلية هي الأرض التي يحيون عليها والذين يسعون بدأبٍ وتفانٍ لتغير شروط حياتهم ومجتمعهم عليها ، ولتصبح تلك الحشود البشرية ، وما تنطوي عليها حياتها البائسة المتخلفة الرثة الراهنة ، وبعقلانية قوة إيجابية دافعة للتقدم وتحقيق والعدل الاجتماعي الإنساني والحرية و الديمقراطية والمساواة.




 

free web counter