| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد رسن

Imad_rasan@hotmail.com
http://www.facebook.com/pages

 

 

 

الأثنين 6/6/ 2010

 

الديمقراطية في العراق...أزمة أم حل؟

عماد رسن
imad_rasan@hotmail.com

لا يخفى على أحد أن العراق كان يُحكم من قبل نظام دكتاتوري توتاليتاري يهيمن فيه حزب واحد على جميع مفاصل الدولة. ولا يخفى على أحد أيضا ً أن العراق بعد سقوط هذا النظام رُفعت فيه شعارات الديمقراطية, من قبل المحتل ومن قبل كل الأحزاب العراقية, وحتى الدينية منها, كنظام حكم بديل للنظام الدكتاتوري. فهل صارت الديمقراطية خير خلف لشر سلف, أم جلبت الويلات لهذا البلد, أي هل نجحت الديمقراطية كنظام للحكم في بلد مثل العراق, بعد سبع سنوات من التجربة ؟ أم أصبحت الديمقراطية وبال وعبء, أي أزمة أكثر منها حل, لتسيير الأمور في هذا البلد؟

قبل الشروع في كتابة أي شيء عن التجربة العراقية لابد من تحديد المفاهيم الأساسية التي ترسم الأطر التي سوف أنطلق منها للوصول إلى أجوبة لتلك الأسئلة.ً كيف تعرف الديمقراطية ؟ الديمقراطية حسب (انطوني جيدنس) هي نظام سياسي يشارك من خلاله الشعب في القرار السياسي من خلال انتخاب ممثليه في جميع المؤسسات السياسية. فبهذا التعريف يكون الشعب هو الحاكم, لكن للمسألة وجه آخر ! ف (ألان تورين) ورغم تعريفه للديمقراطية على إنها اختيار حرٌ للحاكمين من قبل المحكومين يتم خلال فترات منتظمة, فإنه يشكك في ذلك بتساءله إن كانت الديمقراطية هي دكتاتورية الأكثرية, أم هي ضمان للأقليات. فهو يحدد ثلاث شروط لابد أن تتوفر لتحقيق ديمقراطية ناجحة, ولابد لهذه الشروط أن تتكامل مع بعضها. الشرط الأول هو ضمان الحقوق الأساسية للأفراد والمؤسسات, أي ضمان الفواصل السياسية بالقانون, تلك التي تحد من سلطة الحاكم والمؤسسة, أي مؤسسة عشائرية أم دينية أو غيرها, ولا تتعدى على الحدود الفردية. الشرط الثاني هو المواطنة, أي أن يكون الفرد مواطنا ً ويشعر بأنه مواطن. أي الشعور بالإنتماء للوطن الذي لا يتعارض مع العضوية الطائفية والقبلية. الشرط الثالث هو الصفة التمثيلية للحاكمين, أي يكون السياسيون عملاء للقوى الاجتماعية الفاعلة, كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. فهذه الشروط الثلاث ترتبط ببعض ويكمل أحدها الآخر لخلق مجتمع ديمقراطي.

إذن, فالديمقراطية لا تأتي كهدية بعلبة جميلة ويتم تطبيقها بشكل لا مسؤول في أي مكان. فالديمقراطية ليست فكرة فحسب على حد قول تورين, بل هي شغل لابد من إنجازه. فالديمقراطية صيرورة لها مراحل لابد أن تمر بها. وللديمقراطية أبعاد أخرى, فهناك الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فالديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية تشكل قاعدة أساسية للديمقراطية السياسية.

وعودة للديمقراطية في العراق وتطبيقاتها. فهل توفرت هذه الشروط الثلاث, أم توفرت بشكل نسبي وفي طريقها للتكامل؟ فبالنسبة للشرط الأول لا يستطيع أن يجزم أحد أن الحقوق الأساسية مرسومة بشكل واضح ولها أطر قانونية. فتداخل الدين بالسياسة والعكس أيضا ً جعل من الصعب رسم صورة واضحة لذلك, وفي الأخص أن مشكلة الحاكمية لله أم للشعب وعلاقة الشريعة بالقانون الوضعي هي مسألة لم تحل بعد في جميع الاقطار الإسلامية ومنها العراق طبعا ً. فلا زالت هناك الكثير من علامات الإستفهام على النظام العلماني, كرديف للإلحاد عند البعض, وتطبيقاته إضافة إلى غياب نظرية سياسية إسلامية واضحة المعالم كبديل للديمقراطية.

أما ما يخص الشرط الثاني فالشعور بالمواطنة في العراق يمر بأزمة حقيقية كادت أن تؤدي بالعراق كبلد مستقل. إن مشكلة العراق الحقيقية في الوقت الراهن هي أن هوية العراق كبلد لم تحسم بعد. هل هو مستقل؟ كيف؟ هل هو عربي, أم عربي ذو هوى إيراني؟ هل هو سني أم شيعي؟ وما وضع الكرد فيه؟ كل هذا لم يحسم بعد, وهذا الذي يسبب الشد في المواقف بين الأحزاب المتصارعة لتعدد الاستراتيجيات لكل تيار سياسي. فالعراقي ينتخب على أساس طائفته وقوميته بدلا ً عن برنامج إنتخابي. فالشعور القومي والطائفي أقوى من الشعور بالمواطنة والإنتماء في الوقت الحالي والشواهد كثيرة. وعلى حد قول تورين, إن الشعور بالعضوية الطائفية والقومية, في الديمقراطية الحقيقية, لا يلغي الشعور بالمواطنة والإنتماء للوطن.

الشرط الثالث هو الصفة التمثيلية للحاكمين في المؤسسات السياسية. إن أكبر مشكلة أوقع السياسيون العراقيون أنفسهم فيها هي المحاصصة السياسية على الأساس الطائفي والعرقي وليس على أساس الإستحقاق الإنتخابي. والأدهي في الأمر أن هذه المحاصصة لم تقتصر على الطبقة السياسية في المناصب الرئيسية بل تعدت للمناصب الدنيا من المؤسسات في جميع مفاصل الدولة, مما أدى إلى شلل شبه تام في العمل الحكومي لغياب الكفاءات وانتشار الفساد والمحسوبيات.

بالتأكيد لا يمكن إطلاق صفة نظام ديمقراطي حر في العراق للأسباب التي ذكرتها, لكن وفي نفس الوقت لا يمكن تسمية النظام بالدكتاتوري أو نظام توتاليتاري شمولي. نعم توجد هناك تعددية سياسية لكن ينقصها الكثير لتصل لمستوى الطموح بتحقيق شروط الديمقراطية. فلم تنتقل السلطة في العراق من الفرد والحزب الدكتاتور إلى الفرد المواطن الحر, بل إنتقلت من الفرد والحزب الدكتاتور إلى المؤسسة الدينية الطائفية والقبيلة, في غياب واضح لمؤسسات المجتمع المدني التي من واجبها رفع المسؤولية عن كاهل الدولة في كثير من القضايا السياسية والاجتماعية. ولهذا السبب وجد السياسيون حلا ً بالديمقراطية التوافقية كبديل عن الإستحقاق الإنتخابي كحل براغماتي يجنبهم الوقوع في أزمة سيطرة أكثرية بسيطة على مقاليد الحكم لغياب الثقة والشفافية.

أذن, ديمقراطية العراق في بدايتها وتحتاج لدعم كبير من خلال رفع مستوى الوعي لدى السياسي قبل المواطن العراقي بأن الديمقراطية ليست فكرة فحسب بل أداة يجب معرفة إستعمالها ويجب الحفاظ عليها وتطويرها نحو الأحسن. يجب نشر ثقافة أن العضوية في الطائفة والعرق لا تلغي الشعور بالإنتماء للوطن وأن قيمة الإنسان في وطنه إضافة لطائفته وعرقه, فلا تناقض بينهما. فهذه مسؤولية منظمات المجتمع المدني التي لابد أن تخرج في الهواء الطلق من تحت عباءة الأحزاب ومؤسسات الدولة التي تصرف عليها من أجل أغراض معينة. فالديمقراطية في العراق أصبحت أزمة لغياب مقوماتها والقاعدة الشعبية التي ترتكز عليها, لكنها في نفس الوقت يمكن أن تكون حلا ً إن تضافرت الجهود في ترسيخ الفكر والأداء الديمقراطي على المستوى الشعبي.

 

 

free web counter