| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد رسن

Imad_rasan@hotmail.com
http://www.facebook.com/pages

 

 

 

الثلاثاء 31/5/ 2010

 

جهاد الخازن والخلافة الإسلامية!

عماد رسن
imad_rasan@hotmail.com

لقد كتب الأستاذ جهاد الخازن مقالا ً عن الخلافة الإسلامية في جريدة الحياة اللندنية، والذي أثار موجة من الإنتقادات له والذي دعاه لاحقا ً لسحب مقاله والإعتذار عن كتابته بطريقة دبلوماسية.

نعم، يمكن للكاتب أن يتراجع عما كتب أو يعتذر أحيانا ً، فهذا شيء طبيعي ورائع لا يحدث كثيرا ً في عالمنا العربي. ولكن، أن يتراجع الكاتب عن أفكاره خلال أيام قليلة، أو يعتذر عن شيء كتبه غيره فهناك بالتأكيد مشكلة.

فقد أبدى الكاتب رأيه بالخلافة الإسلامية واصفا ً أياها بإنها لا يجدر للمرء أن يتفاخر بها بإستثناء سنتي حكم أبو بكر. أما المطالبة بإحياءها ماهي إلا وسيلة من وسائل الوصول للحكم، والحل الأمثل هو الركون لدولة مدنية حديثة تعتمد على المواطنة بغض النظر عن العرق والدين والثقافة. لا أريد أن أتحدث عما كتبه الأستاذ جهاد الخازن، فيمكن للقارئ أن يطلع على ما كتبه بشكل مباشر. ولكن، إن ما يثير فعلا ً هو ردود الأفعال فيما يخص موضوع الخلافة الإسلامية.

لابد أن لا ننسى إن كل شيء في المجتمع يتغير، حتى الأنظمة السياسية. فالمجتمع، أي مجتمع، هو كائن حي يتحول ويتغير ويتطور في صيرورة دائمة، أما الثبات والركود والجمود، فما هي إلا حالات طارئة على المجتمع. فالأصل هو الصيرورة والثبات هو الحالة الطارئة على المجتمع وليس العكس، كما كان يعتقد الفلاسفة قبل أكثر من مئتي عام. إذن، من هذا نفهم بأن النظام السياسي لأي مجتمع هو متغير وغير ثابت أبدا ً، فهو بإختصار وليد الظروف الموضوعية، من ثقافة وتاريخ وخارطة جيوسياسية. أما الخلافة الإسلامية فما هي إلا شكل من أشكال النظام السياسي والذي ولد نتيجة ظروف ذالك الزمان.

هناك نظريتان في موضوع من كان سيخلف رسول الله بعد وفاته! النظرية الأولى تقول بأن الرسول رحل ولم يرسم ملامح طريقة الحكم من بعده، وهذا يندرج تحت حديث (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، فإستنتج البعض بأن أبو بكر أولى بها بعد أن صلى بالمسلمين حينما كان الرسول على فراش الموت. بالتأكيد هذه النظرية تنطبق على ما قلته سلفا ً بأن نظام الحكم السياسي هو دنيوي وخاضع للظروف حيث يتغير بتغيرها. أما النظرية الثانية فهي نظرية الإمامة والتي يتمسك بها الشيعة بالقول بأن الرسول أوصى لعلي قبل وفاته في حادثة مشهورة قرب غدير خم، وذلك بعد الرجوع من حجة الوداع. لا أريد أن أتحدث عن موضوع الخلافة وسقيفة بني ساعدة وما حدث فيها وطبيعة التحالفات وكيف جرت الأمور، فهذا شيء من الماضي وإثارته لا يحرك إلا الشعور الطائفي الذي نحن بأمس الحاجة لتجنبه.

المهم، الكل بايع أبو بكر، ومنهم علي بن أبي طالب ولو بعد حين، وأستقر الجميع على شكل من أشكال الحكم السياسي وهو الخلافة الإسلامية. لكن الأهم هو أن نفهم بأن تلك الخلافة هي وليدة ظروفها التي أعتمدت بشكل كبير على طبيعة التحالفات السياسية والقبلية التي كانت سائدة قبل الإسلام، ومنها الصراع الذي كان دائرا ً بين بني هاشم وبني أمية على زعامة قريش. فلم يبتعد المسلمون عن ماضيهم الجاهلي إلا عقدين أو أكثر، ولا يمكن لأحد أن يدّعي بأن الكل تحولوا إلى ملائكة وإلا ما شهدنا مذابح ومعارك حدثت بأسم الإسلام بعد وفاة الرسول. فالذي حدث في سقيفة بني ساعدة لعبت فيه القبائل الدور الكبير في تشكيل طبيعة الحكم وطبيعة الإقصاءات السياسية المقبلة والتي حددت من سيمسك بزمام الأمور بعد حين. إذن، نظام الخلافة الإسلامية خاضع للتحالفات وللحراك السياسي الذي يعتمد على المصالح المتبادلة كأي نظام سياسي في الكون. وهو لا يختلف عن الإنظمة المعاصرة له كالإمبراطورية الرومانية والفارسية إلا الحكم بإسم الله. فالخلافة ليست نظام منزل من السماء، إذا فهمنا بأن هناك أنبياء أقروا أنظمة حكم وتعاملوا معها مع إنها دنيوية وليست سماوية، كالنبي داوود الذي كان جنديا ً تحت أمرة ملك، والنبي يوسف الذي كان وزيرا لفرعون مصر.

ليس المهم ماذا نسمي النظام السياسي، لكن المهم أن تكون هناك شرعية للنظام، أي كان. ولكن، من أين تستمد الشرعية! هناك نظريتان ، الأولى وهي أن الشرعية من الله، وما الحاكم إلا ظل الله في الأرض، أما الثانية فهي تستمد الشرعية من الناس. لقد ماتت النظرية الأولى وأن كان البعض يحكم بها إلى الآن، وبقت النظرية الثانية. المهم هو رضى غالبية الناس عن الحاكم وسمي النظام ما شئت، ديمقراطيا ً، أو ملكيا ً أو جمهوريا ً. فلا يوجد من يحكم بأسم الله في الأرض، ولا يمكن لأحد أن يدّعي لنفسه ذلك. حتى رسول الله الذي كان يقود مجتمع بأكمله، لم يسلطه الله على رقاب الناس دون رضاهم. فقد أخذ الرسول زمام الأمور بعد أن بايعه الناس برضاهم في بيعة العقبة الأولى والثانية، حيث كان حكمه شرعيا ً من خلال قبول الناس به، وليس تحصيل حاصل بإعتباره رسول منزل من السماء.

أما أولئك الذين يريدون أحياء الخلافة الإسلامية التي ماتت موتا ً سريريا ً بعد أن تحولت إلى ملك عضوض، فما عليهم إلا أن يعيدوا نفس الظروف التي أعقبت رحيل رسول الله. فلم تستطع الخلافة أن تنقذ نفسها بعد أن تحولت إلى رجل مريض كما وصفت في أواخر أيامها. فظروفنا الحالية لا تسمح بنظام يشبه نظام الخلافة الإسلامية، وخليفة يحكم بإسم الله بعد أن صار للفرد كيان مستقل يختار من يحكمه تحت أي مسمى. إن الظروف الحالية ستفرز بالتأكيد أنظمة سياسية تشبهها كثيرا ً كالديمقراطية أو ما يشابهها. بل حتى الديمقراطية كنظام سياسي هي قابلة للتغير ويمكن أن تصبح في عهدة التاريخ. فقد تغيرت الديمقراطية منذ الفي عام وإلى الآن، ويعكف فلاسفة السياسية على ترقيعها وسد الثغرات الناجمة عن الفجوة بين الناخب والممثل للشعب، فهي نظام سياسي غير متكامل ويمكن أن يصبح قديما ً بعد مئات السنين تحت ظروف موضوعية أخرى.

إن من يريد أن يحكم بأسم الله بعنوان الخلافة الإسلامية يريد من الأمة أن تعود للماضي السحيق بعد أن فشلت في إستشراف المستقبل. فإذا عجزنا من أن نخلق نظاما ً سياسيا ً يشبه أنظمتنا الإجتماعية فهذا لا يعني بأن البديل والحل هو العودة للماضي، فالعودة إلى الماضي هي إنتكاسة جديدة تضاف إلى الإنتكاسات التي تعيشها مجتمعاتنا التي تعاني من الفقر والجهل والجوع. إن الحل كما وصفه الأستاذ جهاد الخازن والذي تنصل منه لاحقا ً، وهو دولة المواطنة المدنية التي تحترم مواطنيها كأفراد لهم كيان وفاعلين يرسمون مستقبل بلدهم، وليس كرعايا يحكمهم خليفة بإسم الله أو دكتاتور بإسم الحزب أو القبيلة أو الطائفة.

 

 

 

free web counter