| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد رسن

Imad_rasan@hotmail.com
http://www.facebook.com/pages

 

 

 

                                                                                     الجمعة 2/12/ 2011



الثورة المصرية لم تنته بعد!

عماد رسن

يخطيء من يعتقد بأن الثورة المصرية قد أنتهت في الحادي عشر من فبراير 2011 على أثر تنحي الرئيس السابق حسني مبارك, فهي كالهزة الأرضية التي تعقبها هزات إرتدادية كثيرة ولها آثر طويلة الأمد على المنطقة والعالم. لاأبالغ إذا قلت بأن الثورة المصرية هي حدث تاريخي يميز بداية هذا القرن, بل هي إحدى الثورات التي ستترك أثرا ً على المستوى الدولي ولاتقل أهمية عن الثورة البلشفية في روسيا 1917 أو الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 قياسا ً بما لهذه الثورات من أثر على المنطقة والعالم. ولكن هل إنتهت الثورة المصرية وعاد كل شيئ إلى مكانه؟ بالتأكيد لا, ففي الحادي عشر من فبراير سقط رأس النظام للحكومة المصرية ولم يسقط النظام السياسي المصري. لابد أن نعترف بأن النظام السياسي المصري هو وليد المؤسسة العسكرية التي أنجبت عبد الناصر والسادات وحسني مبارك, وهي وإن كان لها موقف إيجابي في أحداث الثورة عندما لم يتدخل الجيش في صدام مع الجماهير إلا إنها بالتأكيد لاتستطيع وبسهولة أن تنهي حكما ً للعسكر دام عقود طويلة أو تتخلى عن مركز السلطة بسلاسة.

إذن, إذا كانت الثورة المصرية الأولى قد أسقطت النظام الدكتاتوري الحاكم فإن الثورة المصرية الثانية هي لإسقاط النظام السياسي المتسلط. إن مشكلة المصريين ليست مع الرئيس المصري السابق فحسب بل مع النظام السياسي بإكمله, ذلك النظام الذي سلب كرامة الشعب المصري قبل أن يسرق أموله وثرواته الطبيعية. لم يثر الشعب المصري من أجل الحرية السياسية وتعديل الأوضاع الاقتصادية فحسب, بل ثار من أجل إسترجاع كرامته وشخصيته التي ضيعها النظام السياسي المصري على مدى عقود طويلة, وعلى هذا الأساس أختار الثور الخامس والعشرين من يناير موعدا ً لإنطلاق الثورة وهو نفس يوم عيد الشرطة المصري.

لم يكن النظام الدكتاتوري الحاكم في مصر ليستمر هذه الفترة الطويلة من السنين لولا وجود أجهزة قمعية متطورة ومرتبطة بطبقة أصحاب المصالح والمنتفعين والإنتهازيين الذين يمدون هذه الإجهزة بالشرعية من خلال الإعلام وبالقانونية من خلال التشريعات. ولكن, علينا أن لاننسى بأن هذه الأجهزة القمعية هي جزء لايتجزء من النظام السياسي وليس النظام الحاكم فحسب, فقد أصبحت الدولة بكل مكوناتها ومؤسساتها تحت رحمة النظام السياسي الإستبدادي والذي يسيطر على الشعب المصري من خلال أجهزة الأمن والشرطة والمخابرات والأستخبارات, حيث كان هذا النظام يسعى دوما ً لتحسين صورة رجل الأمن في الإعلام والدراما بإعتباره الرجل الأمين الذي يحافظ على إستقرار البلد والذي يؤدي بدوره لجلب لقمة العيش للمصريين بجلبه فرص الإستثمار ورؤوس الأموال الأجنبية.

نعم, لقد ربط النظام السياسي المصري موضوع الأمن بلقمة العيش في معادلة طردية خبيثة, فقلة الأمن والأمان تؤدي بالضرورة لنقص لقمة العيش. والغريب في الأمر هو أن واحد من الأهداف المعلنة للحكومة المصرية المرتقبة برئاسة الجنزوري هي إنعاش الاقتصاد الذي يتوقف على الأمن والتوافق السياسي حسب رأيه, ولكن أليس هذا كان ديدن حكومة حسني مبارك وفشل فيها؟ هذا معناه أن الأمن لابد أن يستتب لتأكلوا وتشربوا وأن من يقف معترضا ً ومحتجا ً في ميدان التحرير سيعيق الأمن فلابد من قمعه, فالأولويات أمنية قبل أن تكون سياسية. إن إنتقاخ أجهزة الأمن وتمدد سلطتها ونفوذها وتسلطها جعلها جاء على حساب الحرية والكرامة للمواطن المصري. لكن السياسيين السابقين الذين رحلوا والحاليين أيضا ً نسوا بأن الإنسان يمكن أن يعيش بلا طعام لكنه لايستطيع أن يعيش بلاكرامة.

السؤال الذي أريد أن اطرحه هو: إذا كانت الثورة المصرية الأولى 25 ينايرهي من أجل إسقاط النظام الدكتاتوري الحاكم, وكانت الثورة المصرية الثانية 19 نوفمبر هي إسقاط النظام السياسي المستبد والمتمثل بحكم العسكر, فهل المصريون بصورة خاصة والعرب بصورة عامة, بحاجة لثورة ثالثة على ثقافة الإستبداد والتي تشكل الحاضنة الرئيسية للنظام الإستبداي في كل مكان. هل نحن بحاجة لثورة ضد قيم التخلف والجهل والعنصرية وكل أنواع التمييز لننهض من جديد؟ هل نحن بحاجة لثورة ضد النظام الاجتماعي الأبوي الذكوري الهرمي الشكل, الذي يضع المرأة في الدرك الأسفل من هذا الهرم؟ هل نحن بحاجة لثورة ضد قيم التدين الزائف الذي يخرب عقول الشباب ويصرفهم عن المعنى الحقيقي للدين لشكله فقط؟ فإن كانت ساحة التحرير هي مكان الثورتين الأولى والثانية, فالإعلام والثقافة والفن والجامعة والمدرسة هي مكان الثورة الثالثة التي نحن بحاجة إليها فعلا ً.
 

 

free web counter