| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد رسن

Imad_rasan@hotmail.com
http://www.facebook.com/pages

 

 

 

                                                                                     السبت 25/2/ 2012



صراع المرجعيات الدينية في العراق

عماد رسن

يشهد جنوب العراق هذه الأيام أعمال للعنف بين مؤيدين لمرجعية السيد السيستاني وآخرين من مؤيدي السيد الصرخي, إذ حدثت بعض الإعتداءات من كلا الطرفين ضد الطرف الآخر مستهدفين مثلا ً وكلاء ومعتمدين للسيد السستاني أو حرق مكاتب وحسينيات تابعة للسيد الصرخي. ماهو جوهر هذا الصراع والطرفين ينتمون لدين واحد ومذهب واحد وبيئة ثقافية واحدة, هل هو صراع بين أفكار قديمة وأفكار جديدة أم هو صراع سياسي على السلطة يتجلى في إختلاف الرؤى والطروحات؟ هل هذه ظاهرة جديدة يشهدها العراق أم أن لها جذور في العقود الأخيرة من تاريخ العراق السياسي والإجتماعي؟

قبل الدخول في تفصيل هذا الموضوع لابد من الإشارة لبعض النقاط والتي تتعلق ببعض الحقائق الموضوعية. النقطة الأولى هي: أن المرجعية الشيعية بصورة عامة تعتمد على مبدأ التقليد في بنائها وتستفيد منه في بسط نفوذها على الشريحة الأكبر من المسلمين الشيعة في العراق وغير العراق, إذ تستمد تلك المرجعية قوتها من الشارع بالعكس من المرجعية السنية التي تعتمد على الدولة في ترسيخ نفوذها. فالفرد المسلم الشيعي لابد أن يكون أما مجتهدا ً أو محتاطا ً, وهما الأصعب على السواد الأعظم من الناس, وأما أن يكون مُقِلدا ً لأحد المجتهدين وفي الغالب يكون أحد المراجع الكبار. النقطة الثانية وهي: بما أن هناك مقلدين لمراجع كثيرة فهناك صراع بين تلك المراجع من أجل الحصول على عدد أكبر من المقلدين, وقد قيل قديما ً بأن الحسد بين العلماء كالغيرة بين النساء. أضافة لهذا الصراع يوجد هناك من المراجع ممن خرج عن طوق المرجعية التقليدية بأفكاره الجديدة إذ تعرضت المرجعية الدينية في العقود الأخيرة إلى إنشقاقات كثيرة, كإستقلال مرجعية النجف عن مرجعية قم أو مدرسة الإمام الخميني الثورية عن مدرسة الإنتظار التي كان يقودها الإمام الخوئي وليس آخرا ً إنفصال المرجعية التي سميت بالمرجعية الناطقة عن مرجعية السيد السيستاني التقليدية والتي نعتت بالمرجعية الساكتة لدورها الغير فعال في عهد النظام العراقي السابق, وهناك إنشقاقات أخرى عن تلك المرجعيتين كمرجعية الصرخي, اليعقوبي, الرباني واليماني, إلخ. أما النقطة الثالثة التي أريد أن أشير إليها وهي بأن العراق تحول في نظامه السياسي من بلد تحكمه دكتاتورية ونظام شمولي إلى بلد شبه ديمقراطي يصل في حريته حد الفوضى. وأقول تحول سياسي نحو الديمقراطية إذ إلى الآن لم تلحقه تحولات اقتصادية واجتماعية نحو الديمقراطية, فالهيكيلية الاجتماعية والاقتصادية وقسم من القانونية مازالت تنتمي للنظام التقليدي في بنيتها الأساسية. فالديمقراطية في جوهرها ترتكز على التعددية, أو قل هي طريقة مثلى لإيجاد الحد الأدنى من التوافق بين الفرقاء بطرق سلمية. فالتعددية شرط من شروط الديمقراطية وينظر إلى هذه التعددية بشكل إيجابي وليس سلبي.

إذن, يوجد هناك توجهان يتضادان في طبيعتهما, الأول هو أن هناك تنوع في تعدد المرجعيات والذي ينظر اليه بشكل سلبي, إذ تسعى الكثير من المرجعيات إلى التوحد أو لم الشمل وتوحيد الصف من خلال محاربة المرجعيات المنشقة باسلوب التسقيط الديني وحتى الشخصي كالتفسيق مثلا ً. أما التوجه الثاني فهو مايفرضه الواقع والذي يضغط بإتجاه التنوع وطبيعة النظام السياسي الديمقراطي الذي ينظر إلى التنوع والتعدد بشكل إيجابي. السؤال المهم هو: هل أن هذا التنوع في المرجعيات الدينية تنوع إيجابي أم سلبي؟

يقول علماء الاجتماع الديني أن سبب الإنشقاقات التي تحدث في المجتمعات التي تطغى عليها المؤسسات الدينية ذات الطابع الإحتكاري, كما يحدث في المرجعية الدينية في العراق, هو مؤشر على أن تلك المؤسسات الإحتكارية لاتستطيع الإجابة على الأسئلة التي تطرح من قبل التابعين لتلك المؤسسات ولاتلبي حاجاتهم ومتطلباتهم النفسية والروحية والاجتماعية بالشكل الكافي. إذ أن هناك حاجة كامنة تعبر عن نفسها من خلال البحث عن مؤسسات فرعية أخرى. أن هذه الفكرة مأخوذة من فكرة العرض والطلب في السوق الاقتصادية. أن التعددية في المؤسسات الدينية, كما في الولايات المتحدة, تقود إلى كثرة العرض والتنافس لإرضاء المستفيد أو المستهلك مما يجعل الحضور الديني أكثر عددا ً وفاعلية. بعكسه في الكثير من الدول الأوربية, إذ يوجد هناك إحتكار من قبل الكنيسة الكاثوليكية والطريقة البروتستنانتية بفروعها المختلفة على جمع المؤمنين, مما أدى إلى تناقصهم عدداً وفاعلية وفي أحسن الأحوال يتجه المتدينون إلى الدين الفردي أو الديانات الروحية الجديدة التي بدأت تملأ الفراغ بإجابتها عن السؤال أو الحاجة الكامنة. أن التعددية في المرجعيات الدينية يزيد التنافس فيما بينها مما يحسن من نوعية أدائها بإقترابها من الواقع والنزول لحاجة جماهيرها, لكن هذا لايحدث في أحيان كثيرة عندما تتمسك بعض المرجعيات بأفكارها القديمة ولاتوكب عجلة التطور في الواقع, وهذه من المآخذ على المقارنة بين نظرية العرض والطلب وتعدد المرجعيات الدينية.

بالتأكيد هاك نقد لطريقة العرض والطلب من قبل علماء اجتماع اخرين بأنها تنظر للإنسان على أنه عاقل واقتصادي في سلوكه, إذ يبحث عن زيادة الربح وتقليل الخسارة. أن الإنسان العاقل هو الذي يمتلك هدفا ً واضحا ً في أفعاله ويوازن بعقله بين البدائل المختلفة. فالإنسان عاطفي بطبعه كما يقول المنتقدون ويتأثر كثيرا ً بالظروف ولاتحكمه القواعد العقلية والمنطقية في السلوك. أما أصحاب نظرية السوق فيقولون بأن هناك في الغالب توجه عقلي في سلوك الإنسان وإلا ما السبب أن تعلن بعض المحلات التجارية في تخفيضاتها بأن...خذ ثلاثة وأدفع لأثنين, ولا يوجد هناك من يكتب خذ إثنين وأدفع لثلاثة...فهذا دليل بأن الإنسان تحكمه طريقة عقليه في التفكير في الكثير من الأحيان وأنه يوازن بين مختلف البدائل المتوفرة وإن كان عاطفيا ً.

إذن, نعود لسؤالنا الأول, هل ما يحدث من صراع في جنوب العراق هو بين ماهو حديث وقديم أم هو صراع سياسي على السلطة والنفوذ الممكنين في الحصول على عدد كبير من المقلدين والأتباع. بالتأكيد هو السبب الأول والثاني معا ً, والسبب الثاني هو الأكثر تأثيرا ً بسبب أن الصراع بين ماهو جديد وقديم يمكن أن يأخذ أشكالا ً أخرى غير طريقة العنف. أو هو تصادم بين فكرة التوحد والتعدد, فالمرجعية الدينية التقليدية ترفض التعدد والإنشقاق لذلك تصتدم بمالمرجعيات الجديدة المنشقة من خلال عدم الإعتراف بها. ولا ننسى بأن أصحاب السلطة التنفيذية في العراق اليوم هم من أحزاب دينية تتبع المرجعية التقليدية ولايخرجون عنها, لهذا السبب يوجد هناك تبادل للمنفعة والمصالح بين المرجعية الدينية التقليدية وبين الأحزاب الدينية التي تحكم العراق الآن. بالتأكيد سيتطور الوضع لما هو أسوء لو منعت بعض المرجعيات من ممارسة نشاطاتها الدينية والإجتماعية إذا لم يتم الإعتراف بها. فالديمقراطية التي تحكم العراق توفر قدرا ً كبيرا من الحرية في التعدد في الأختيار بين المراجع لا سيما بأن هناك أفكار جديدة ومتطلبات وإحتياجات لاتستطيع أن تلبيها المرجعية الدينية التقليدية, وفي نفس الوقت هناك فشل من قبل تلك المرجعيات في تلبية متطلبات جماهيرها بالخصوص الدعم السياسي, وإن كان خجولا ً, لطبقة السياسيين المنتفعين والتي فشلت في توفير الخدمات للمواطن العراقي البسيط الذي يعيش الفاقة والفقر.

هناك حقيقة لابد من الإشارة إليها وهي بأن شكل ونظام الدولة في العراق ديمقراطي, وإن كان ذلك سيتحقق في المستقبل. وعلى هذا الأساس, على الجميع من الأحزاب الدينية والمرجعيات قبول التعدد والنظر إليه بشكل إيجابي. الإعتراف بالآخر المختلف, وإن كان من نفس الدين والمذهب والطائفة, سيقلل من نسبة الإحتكاك والعنف بين الأطراف المختلفة وسيساعد على أن تكون البيئة السياسية والاجتماعية صالحة لنشوء ذلك النظام الديمقراطي الذي نطمح أليه بعيدة عن التوترات الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تؤدي إلى العنف والعنف المضاد.
 

 

 

free web counter