| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد رسن

Imad_rasan@hotmail.com
http://www.facebook.com/pages

 

 

 

                                                              الأربعاء  20/3/ 2013



عشر سنوات بعد الإحتلال, ماذا جنينا؟

عماد رسن

صور أشلاء الضحايا من الأطفال والنساء والشباب تملأ صفحات مواقع التواصل الإجتماعي التي أعلن أغلبها الحداد على أرواح ضحايا تفجيرات اليوم. ويبقى السؤال ماذا جنينا بعد كل تلك السنين, أين كنا وأين أصبحنا, لماذا لم نفعل شيئا ً يجنبنا كل هذا الدمار, وهل هناك شيئ كان علينا فعله ولم نفعله, إنها أسئلة كثيرة وليس سؤال واحد. سأرسم لكم صورة عن الوضع في العراق, بالتأكيد سوف لن تكون صورة مشرقة, كلا, لن أرسم أي صورة, بل يمكن لكم مشاهدتها بشكل مباشر, فهي مأخوذة من صحيفة الغارديان البريطانية, إذ تؤرخ بشكل تفاعلي مواقع التفجيرات الإرهابية فقط في بغداد.

للأمانة, لم تسجل تلك الخارطة ضحايا تفجيرات اليوم, ولكن, وعلى إعتبار أنهم أصبحوا أرقام بعد أن كانوا بشرا ً يأكلون ويشربون, لهم مشاعر ولهم أحلام, فقد أصبحوا أعدادا ً ستضاف إلى قائمة الأعداد السابقة وستدرج لاحقا ً في هذه الخريطة التي تحولت إلى بركة للدم لكثرة ما فيها من نقاط حمر. ففي كل نقطة حمراء انتهت قصص لأناس كانت لهم أحلام وأماني وأمل يعيشون من أجله, في كل نقطة حمراء هناك بداية لقصص جديدة من الموت واليتم والترمل والدموع التي لا تنتهي, في كل نقطة حمراء هناك حصرة وشمعة غاب ضوءها لان مجانين قرروا أن يفجروا هذا المكان ومجانين آخرين كانوا يسمحون لهم بلا وعي لأنهم غارقين بالفساد وعدم الشعور بالمسؤولية.
تلك الصورة هي ما جنيناه بعد عشر سنوات من الإحتلال, هذا لا يعني بأن الفترة التي سبقت تلك العشر سنوات كانت عبارة عن صورة مشرقة, كلا بالطبع, فالصورة كانت بنفس السوء إن لم تكن أسوأ. السؤال المهم هو: هل راجعنا أخطائنا, هل عرفنا أين السبب, هل حاولنا أن نخرج من الوهم ومن الفقاعات التي نعيش فيها لنرى المشهد عن بعد لنعرف أسباب ما وصلنا أليه. كلا, فنحن شعوب لا نتعلم مع الأسف, عشر سنين من الموت لم تعلمنا شيئا ً. ولكن, الخوف كل الخوف من القادم, فالقادم أسوأ بعد أن أنبرى الصقور من جانب بتصدي المشهد السياسي, وها هم صقور الطرف الآخر يتأهبون للمنازلة كالمجانين بعد أن حركهم الشيطان بأدواته الحقيرة. أما الحمائم فهي تختبئ في ظل سدرة تخاف صولة الصقور. المشكلة أن تلك الصقور لديها الوعي الكامل بأن الشيطان يحاول أن يوقع بها في معركة كبيرة لا ينتصر فيها أحد, وهي رغم ذلك تسير كالخرفان الوديعة للمسلخ مسلمة أمرها للقدر.

عشر سنوات بعد الإحتلال, لا زال توني بلير وجورج بوش يعتقدان بأن قرار الحرب على العراق كان قراراً صائباً. من ناحية أخرى, لم يكمل الطفل الذي قطعت ساقيه في تفجيرات اليوم العشر سنين, فهو لم ير الإحتلال فقد ولد بعده, لكنه بجسده دفع فاتورة الإحتلال. الحسبة بسيطة جدا ً, شعب مسكين, لا يمتلك مقومات الوقوف على قدميه بعد أن أنهكه دكتاتور وحزب فاشي لأكثر من ثلاثين عاما ً. لنغزوا هذا الشعب المسكين, ولنجلب ما استطعنا من الإرهابيين بعد أن فتحت الحدود على مصراعيها, ولندفع بالطرف الآخر ليكوّن مليشيات يدافع بها عن نفسه, وعندما يسوء الأمر سنجعل الإرهاب يقاتل الإرهاب. تلك هي النظرية الجديدة التي كشفتها صحيفة الغارديان وقناة البي بي سي في الفلم الوثائقي الأخير. هي نظرية خلقت من رحم نظرية الفوضى الخلاقة. إلى الآن لا توجد مشكلة, المشكلة هي عندما تنطلي تلك اللعبة على السياسيين وقسم من المثقفين ليصفقوا لها.

عشر سنوات بعد الإحتلال, لا ديمقراطية حقيقية هناك ولا أبراج تملأ بغداد كما كان يتصور الساذجون. بل شوارع بغداد تملأها النفايات وصور المرشحين البائسة وهي تخلو من الإبتسامات, يقفون في الطابور لينهشوا من جسد هذا الشعب المسكين, ينخرهم الفساد حيث لا ماء ولا كهرباء ولا سكن ولا مدارس هناك, نقص في كل شيء ووفرة في الأموال الذكية التي تعرف طريقها لجيوب الفاسدين. سأقولها بكل ما أملك من قوة, أتعرفون لماذا نحن ما نزال على هذه الحال ولم نستفد من أخطائنا؟ نعم, لأننا لا نملك مشروعا ً حقيقيا ً لبناء دولة حقيقية, كل ما لدينا عبارة عن أفكار من روايات قديمة فيها من الدين والخرافة والتنجيم الشيئ الكثير, نكملها ببعض الصور التي شاهدها بعض السياسيين في دول الغرب وأعتقد بأنها يمكن أن تطبق في بلادنا. فهو لبس البزة وربطة العنق ولا يعلم بأن ما في رأسه يعود إلى القرون الوسطى. نحن في الحقيقة نملك أفكار يحملها بعض السياسيين عما يجب أن يكون شكل الدولة, ولا نملك مشروعا ً للدولة, ولهذا السبب تتكرر أخطائنا وندفع ثمنها كل يوم من الدماء. مازال هناك من السذج ممن يعتقد بأن العراق سيكون دولة إسلامية, وسذج آخرون يحلمون ببلد على أساس العرق والقومية, تلك هي أحلامنا, وفي الحقيقة أنها مأساتنا التي نتعايش معها كل يوم بعد أن ذهب الإحتلال وأعتقدنا بأننا أصبحنا أحراراً.
 

free web counter