| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد رسن

Imad_rasan@hotmail.com
http://www.facebook.com/pages

 

 

 

                                                                                     السبت 19/11/ 2011



أسلمة المجتمع بين الواقع والتمني

عماد رسن

لقد صرح السيد مقتدى الصدر مؤخرا ً بأنه سيعمل على أسلمة المجتمع ولا يفرق بين سني وشيعي أو مسيحي في رده على مجموعة سمت نفسها ...الشباب المسلم في الفلوجة. لا أشكك في نوايا السيد مقتدى ولا في وطنيته ولا أعلم حتى إن كانت تصريحاته تعبر عن مشروع تم إعداده سلفا ً أم هي مجرد أفكار وأمنيات فردية مطروحة للمداولة والنقاش. ومن جهة أخرى, من حقي مناقشة فكرة أسلمة المجتمع التي تنطوي على مضمون خطير ربما يؤدي إلى هلاك المجتمع وليس أسلمته, بالخصوص وأن هذا التصريح يخرج من رجل له أكبر كتلة برلمانية متجانسة بأكثر من أربعين مقعدا ً وربما تكون أكثر إذا ما أستمر التعثر السياسي لكثير من الكتل المنافسة. السؤال الأول الذي أريد أن أطرحه وهو: ماذا تعني فكرة أسلمة المجتمع؟ أما السؤال الثاني فهو: بأي طريقة تتم عملية أسلمة المجتمع؟

لنعود إلى السؤال الأول وهو ما معنى فكرة أسلمة المجتمع, وما هي تداعياتها. هل ستكون أسلمة المجتمع في المعنى, أي بث روح القيم الإسلامية في المجتمع بطريقة لا تصطدم مع قيم الحرية والمساواة والديمقراطية وباقي الأفكار الليبرالية التي يعج بها الدستور العراقي, أم ستكون من خلال الشكل, أي فرض شكل معين من الإسلام من خلال التأكيد على تطبيق شكل معين من العبادات والمناسبات الدينية لتصل إلى التشدد في إقامة الصلاة وفرض الحجاب على النساء في الشارع. أم ستكون أسلمة المجتمع بكليهما, أي بالمعنى والشكل, فإن كان الموضوع كذلك فستبقى هناك إشكالية هل سنبدأ بالمعنى لننتهي بالشكل أم العكس هو الصحيح. بالتأكيد, لو سألت كل الإسلاميين في العالم عن معنى أسلمة المجتمع فإنهم سيردون بأنها ستكون بلا شك في المعنى وسوف لن نجبر أحد على فرض العبادات كالصوم والصلاة أو فرض الحجاب. ولكن, في الواقع العملي, هل ممكن ذلك؟ بالتأكيد لا, فكل الإسلاميين يبدأون بنشر معنى الإسلام ولكنهم ينتهون بفرض شكل معين منه على الناس, وبالغالب يكون ضيقا ً ومحدودا ً على طائفة معينة, فيضيع المعنى في دوامة الشكل.

قد يسأل سائل, لماذا العمل على نشر معاني الإسلام يؤدي إلى فرض شكل معين منه؟ الجواب هو أن الفكر الإسلامي يصطدم بالواقع فيفرغ تلك المعاني من مضامينها لتتحول إلى أشكال وهياكل خاوية بلا معنى. وأقصد بالفكر الإسلامي هو التراث الديني من إجتهادات وتفسيرات وشروح قام ويقوم بها الفقهاء والمفسرون والمفكرون لمعالجة قضايا مختلفة من وجهة نظر إسلامية. بإختصار شديد, لا يوجد هناك فكر إسلامي واحد لنقول أن هناك معنى إسلامي واحد. نعم, توجد هناك تصورات وإجتهادات إسلامية مختلفة لا يملك من يريد أسلمة المجتمع إلا واحد منها. حتى هذا التصور الواحد عن الإسلام إذا تم فرضه فإنه سيمتنع عن التطبيق لأنه يفتقد لمقومات النجاح بعد فشل تجارب إسلامية سنية وشيعية في زمن ليس بالبعيد. أما إذا كانت أسلمة المجتمع تتم من خلال موائمة بين شكل من أشكال الفكر الإسلامي والقيم الليبرالية فإنه بالتأكيد سيصطدم بتطبيق ذلك في الواقع العملي, فإشكالية الإسلام والقيم الليبرالية الغربية مازالت قائمة ولم يجد المفكرون لها حلا ً, كالديمقراطية التي تصطدم بفكرة حاكمية الله في الفكر الديني. المشكلة الحقيقية هي أن الفكر الإسلامي لا يوجد لديه خطاب ثقافي مدني بديل عن الخطاب الحداثوي الحالي والذي بدأ بالتركز بعد الثورات في العالم العربي والمطالبة بالديمقراطية. فالخطاب الإسلامي سياسي طائفي بإمتياز, يعتمد على الفتوى وتدعمه الميثلوجيا حيث يفتقد إلى النظرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لهذا السبب بدأت أغلب الحركات الإسلامية, عدا الراديكالية, بموائمة خطابها مع الخطاب الليبرالي لتتجاوز فكرة الإسلام السياسي الحاكم. خذ مثلا ً, أن الأحزاب الإسلامية في العراق التي نزعت ثوب التدين لتحكم بالديمقراطية وهي مفهوم غربي بحت, وكذلك الأخوان المسلمين في مصر.

لنعد إلى السؤال الثاني وهو بأي طريقة ستتم أسلمة المجتمع؟ هل ستصطدم بمبادئ الدستور العراقي التي تدعو لقيم الحرية والمساوة والديمقراطية أي جعل المجتمع مدنيا ً وتحييد الدين. ماهو وضع الأقليات وباقي الطوائف الدينية والاثنية, أي كيف يمكن التعامل معها من منظور أسلمة المجتمع؟ أن فكرة أسلمة المجتمع ستصطدم بالتأكيد بمشروع تمدين المجتمع فكلاهما له جذوره الفكرية المختلفة وسيلاقي معارضة من مختلف الأطراف لأن فكرة أسلمة المجتمع ترتبط إرتباطا ً وثيقا ً بالفكر الإسلامي السياسي والأيدلوجية الإسلامية, أضف إلى ذلك أنها لا تملك سندا ً دستوريا ً. فكيف يمكن موائمة الشريعة كصورة واقعية لأسلمة المجتمع مع القيم المدنية الحديثة, وهل هناك شريعة واحدة ليتم الإلتزام بها, أم هناك تصورات مختلفة عن شكل التطبيفات الإسلامية في المجتمع.

هناك شيئ لابد من الإشارة إليه وهو, هل أن المجتمع العراقي غير مسلم لتتم أسلمته؟ الكل يعرف بأن المجتمع العراقي مجتمع مسلم ولا أقول مجتمعا ً إسلاميا ً فللمصطلح دلالات أخرى. إذن, إذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن أسلمة المجتمع هي إعادة تشكيل المجتمع العراقي من مجتمع مسلم إلى مجتمع إسلامي, أي فرض شكل معين وتصور معين كما شرحناه سابقا ً. بإختصار شديد, أن أسلمة المجتمع هي إعادة تشكيل المجتمع مما هو كائن إلى ما ينبغي إن يكون عليه. أن أشكالية الفرق بين ماهو كائن (is) وما ينبغي أن يكون عليه (ought to be) إشكالية فلسفية قديمة قدم الفلسفة نفسها. حيث تطرح تلك الإشكالية فكرة الأيدلوجيا وما تخفي من مصالح وإرادات وراءها, فالأيدلوجيا تكمن بما ينبغي وليس بما هو كائن وهي قابلة للتحول والتغير والنفي بإعتبارها فكرة سياسية بإمتياز.

إذن, أن فكرة أسلمة المجتمع تخفي وراءها أيدلوجية معينة, وفي الغالب تكون إسلامية, لتقع فريسة الحسابات السياسية وتقلباتها. فحالما تصطدم فكرة أسلمة المجتمع بالواقع الخارجي حتى ينتفي معناها الحقيقي وتتحول إلى مجرد شعارات تركز على شكل معين من الدين يفرض تطبيقات معينة بالقوة ليخرج من أزمته. وحسبك في هذا التجارب الإسلامية السابقة وفشلها الذريع على أرض الواقع. أتمنى أن تكون أفكار السيد مقتدى أمنيات فردية وليس مشروع يراد تطبيقه على المجتمع العراقي, وإلا سنصل لنتائج لا تحمد عقباها ، حسبك في ذلك دول قريبة منا.
 

 

free web counter