| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد رسن

Imad_rasan@hotmail.com
http://www.facebook.com/pages

 

 

 

                                                              الأربعاء  16 / 7 / 2014



داعش... توازن الرعب وعمود الكهرباء

عماد رسن

كلما حاولت فهم ظاهرة داعش في العراق تذكرت عمود الكهرباء القريب من دارنا والذي أصبح أسطورة بعد أن سمعت عنه الكثير. ففي نهاية آخر شارع من الحي الذي نسكن فيه يوجد هناك عمود كهرباء مهترئ يذكرني بالنظام البائد فهو من مخلفات البنية التحتية المتعبة والتي أجهز الامريكان على بقاياها باحتلالهم للعراق. لقد ظل هذا العمود صامدا ً لفترات طويلة أمام حروب متعددة وحر وبرد ولا أعرف إن كان بقائه صدفة أم بفعل فاعل, فبعد كل هذا الدمار الذي حل بالعراق لم يخضع هذا العمود للصيانة منذ عقود. في الفترة الأخيرة بدا هذا العمود مكهربا ً لا يقترب منه أحد على إثر تماس كهربائي, فقد أصبح العمود عدوانيا ً بشدة لدرجة أنه يقتل من يلمسه بأصبعه, بالخصوص أيام الشتاء حين يفيض الشارع بالماء لغزارة الأمطار وعدم وجود شبكة لتصريف المجاري.

لكن, من ميزات هذا العمود أنه يحتل موقعا ً ستراتيجياً بالغ الأهمية, فهو يقع في آخر شارع من الحي السكني, فبعد هذا الشارع توجد هناك مساحات شاسعة امتلأت في السنوات التي أعقبت سقوط النظام بالعشوائيات التي لا تمتلك إلى الآن ومنذ سنوات عديدة لا شبكة للكهرباء أو الماء أو المجاري ولا أي شيء حتى, بل هي بيوت متعبة غير منتظمة تملأ شوارعها النفايات والحفر وأطفال حفاة يلعبون وسط تلك البيئة التي لا يمكن لأحد أن يعيش فيها إلا مضطرا ً. يحاول سكان هذه العشوائيات الحصول على الحد الأدنى من الخدمات من خلال الوصول لشبكات المياه والكهرباء في الحي النظامي ومن هنا تأتي أهمية عمود الكهرباء الذي أصبح نقطة إرتكاز حيث ترتبط العشرات من بيوت العشوائيات بشبكة نقل الطاقة الكهربائية من خلال هذا العمود.

لهذا العمود مزاج غريب, فحين يشتد الطلب على الكهرباء يصبح حاميا ً حد خروج الدخان منه وكأنه يعبر عن غضبه ورفضه للوضع المتأزم, وأحياناً أخرى يصبح باردا ً مرتاحا ً بالخصوص في الهزيع الأخير من الليل كون أغلب الناس نيام حيث يقل الطلب على الكهرباء. أما في الشتاء فيصبح العمود عدائيا ً إذ يقتل من يقترب منه فالكل يتجنبه. أما الأرض التي يقف عليها ذلك العمود فهي رخوة رطبة غير ثابتة لقلة من يمر عليها خوفا ً من ذلك العمود ومن يمرعليها يحتاج للإتكاء على ذلك العمود وربما يلقى حتفه بصعقة كهربائية. لقد قتل هذا العمود كلبين وحصان كبير مر منه وهو يجر عربة بيع الغاز بصعقة كهربائية إذ مات باللحظة. ظلت جثة الحصان مرمية ثلاثة أيام حتى أنتفخت وتفسخت وأصبحت رائحتها العفنة تملأ المكان فاضطر أصحاب الحي أن يجمعوا المال ليستأجروا جرافة ومركبة حمل لرفع الفطيسة من المكان ورميها في مكان آخر.

لقد كان العمود يقف أمام بيت وهو آخر بيت في الحي يسكنه أناس من مكون معين أما من يقطن العشوائيات فهم من المكون الآخر. فمن جهة يخاف أصحاب هذا البيت أن يمنعوا أصحاب العشوائيات من إستخدام العمود لنقل الطاقة الكهربائية فذلك سوف يحسب على أنه حرمان مكون من الكهرباء من قبل مكون آخر وبنفس الوقت كانوا يخافون أن يقتل أحد ما صعقا ً بالكهرباء وحينها لابد أن يدفعوا دية الميت على إعتبار أنهم أصحاب العمود الواقف أمامهم منذ سنين. أما أصحاب العشوائيات فأنهم يغازلون أهل ذلك البيت لضمان تدفق الكهرباء من خلال العمود ومرة يخيفونهم إذا تحدثوا عن خطورة العمود لأنه سيمنعهم من التزود بالكهرباء إذا عولج معالجة صحيحة. لقد كان لهذا العمود وظيفتان متناقضتان في وقت واحد, فهو مصدر للتهديد وصمام للأمان.

إن هذه القصة قصة حقيقية فهي تحكي تداخل الخوف والمصلحة وتوازن القوى من خلال عمود كهرباء. إلا أن اللافت للنظر هو دور هذا العمود الذي أصبح بعبعا ً ومصدر حماية ومصلحة للكل في نفس الوقت. الكل بحاجة لهذا العمود والكل يشتكي من هذا العمود, وعلى خطورته فهو نقطة توازن رعب بين مكونات الحي إذ لا يستغني عنه مكون ويستخدمه المكون الآخر كذريعة لشحذ الهمم من أجل بسط نفوذه إذ يشبه موقف داعش في العراق اليوم حيث تختلط الأسباب وتتعدد النتائج بتضارب المصالح وتوازن الرعب بين المكونات التي يخاف أحدها الآخر. لقد دخل داعش كطرف في لعبة المصالح لكن لداعش له اجندات تختلف عن كل المكونات التي تعيش في هذا البلد. فداعش بالنسبة للبعض مصدر حماية وضمان لقلب معادلة السلطة لصالحه بالعودة للماضي, أي قبل 2003, وذلك بتغيير قواعد اللعبة الديمقراطية بالإتكاء على عامل خارجي ومشاريع أقليمية لها أجندات طائفية. أما الطرف الآخر فيستخدم داعش كفزاعة لتخويف المكون الآخر لضمان البقاء في السلطة من خلال التحشيد الجماهيري والإستنجاد بالروح المعنوية بالتركيز على الهوية الطائفية لتبرير فشله والذي اضطره أيضا ً باللجوء لدول خارجية. وهناك من يستفيد من داعش لأنه حقق له مكتسبات ما كان يحلم بها في يوم من الأيام فداعش بالنسبة له مهم للحد الذي يشكل خطرا ً عليه هو وحده. ولكن, يبقى السؤال, هل نحن بحاجة لداعش لتحقيق توازن رعب في بيئة تملأها الصراعات, وهل وجود داعش من أجل توازن رعب محلي فقط أم أقليمي أيضا ً وما نحن إلا ضحاياه؟

أتمنى أن تكون نهاية داعش كنهاية عمود الكهرباء الذي أصلحت دائرة الكهرباء ما فيه من تماس كهربائي حيث أصبح آمنا ً وتخلص الجميع من شره بالرغم من أنها لم تفصل الكهرباء عن بيت العشوائيات في المنطقة.

 

 

 

free web counter