موقع الناس     http://al-nnas.com/

وعلى نفسها جنت الحكومة

 

إبراهيم الخياط

الأربعاء 8 /3/ 2006

إنقضى نصف عام من 2005 حتى إنبثقت حكومة تم حشر الوزراء فيها حشراً ، وعندما أرادت جماعة بعينها ست وزارات بينما لم يتبق في جيب الدكتور الجعفري سوى خمس ، قام من ساعته وشطر إحداهن كي توائم البذلات لابسيها ، ثم بقي عنده وزير وإكتملت الحكومة فإبتدع الدكتور الجعفري وزارة لا نظير لها في العالمين الأولين ولا في العالم الثالث ، سماها وزارة الجمعية ، وندري أن عمر الجمعية لا يتعدى نهاية عام تشكيل الحكومة أي 2005 ، ولكن لا ندري كيف يستجوب النواب وزيرهم اذا ما أثيرت حالة استدعت إستدعاءه ، ويا لكثر القضايا المثارة والمثيرة على بساط الوزارات .
أشهد أن الدكتور الجعفري قد تعب جداً ـ ويثاب على جهده ـ حتى تمكن من تشكيل حكومته ، ولكنها جاءت مهلهلة لأنها مثلت الفائزين في انتخابات سادتها العواطف دون البرامج ، وجاءت تمثل محاصصة مقيتة كرست الطائفية ، ولا ننسى أن احدهم ـ بصفته ينتمي الى أو ( يمثل !! ) طائفة محددة ـ قال بعد توزيع كعكة الحقائب : ان وزارة ( الثقافة ) لو لم تكن تافهة ، لما خصصوها لملتنا .
بطبيعة الحال يقصد ( حصصوها ) ، وهنا أستثمر أثير الحرية لأهمس في أذن الحكومة ( بعد أن أرفع القطن منها ) بأن المحاصصة هي غير الوحدة الوطنية ، فالأولى تعتمد الطائفية وتلغي الكفاءة والنزاهة والوطنية ، وتحدد خرائط التوزيع الأثني ، وتلون المحافظات بمذاهبها ، وتكون احتفالات الوزارات على أجندة تبعية وزرائها وهلمجرا ، بينما الوحدة الوطنية تستند الى المكونات الفكرية لمجتمعنا ، والى حضور الأحزاب السياسية ، وإلتئام أطيافها في قوس قزح عراقي ، وتكرس المواطنة دون العرقية والمذهبية ، وتعتمد التاريخ النضالي الأبيض ضد الدكتاتورية مع توفر الأداء والأمانة ، وعليه فليكن كل الوزراء من الشيعة او كلهم من الآشوريين ، ثم ان الوحدة الوطنية تجعل عيون المحافظات على البؤبؤ / بغداد ، وتدعها تنتمي للوطن دون الطوائف ، وتسبغ على الوزارات أجندة لا تعرف سوى الأيام الوطنية.
إنّ ما قاله هيغل : " البدايات الخاطئة ، تؤدي حتماً الى نتائج خاطئة " ينطبق على تشكيل حكومتنا قبل عام ، فالمحاصصة جعلتها كليلة ، ومخفقة في أداء عملها ، وغير قادرة حتى على استقطاب ناخبيها هي ، ورأينا ذلك في تداعيات قرار زيادة أسعار الوقود ، وتشكيلها غير المستند الى الوحدة الوطنية تركها ضعيفة في أكثر من أزمة ، ونسلسل أحداث تلعفر ، عصيانات السماوة والناصرية ، جسر الأئمة ، معتقل الجادرية ، الأمطار الغزيرة ، الطعون القوية ضد مجرى الانتخابات ، ضجة " كتائب " الموت ، ثم الانفلات الذي أعقب إستهداف الروضة العسكرية الجليلة في سامراء .
الحكومة التي إنتقد اداءها السيد السيستاني أتت من رحم المحاصصة ولذا فقد أخفقت في توفير الخدمات البلدية والخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود وحصة تموينية وكذلك في اجتثاث الفساد أو الحدّ منه ، وقبل هذا وذاك أمن البلد وامان المواطن ، والإ فما يعني أن تطبق الحكومة حظراً للتجوال في يوم ، وحين رأت نتيجته حسنة ، إستعذبت ذلك ففرضته في يوم تال ، بل أخذتها العزة بالضبط فثلثته ، فهل يعني هذا ان فقط من يدخل داره ويلزمها سينأى عن الموت ؟ وماذا نفعل نحن الذين قوتنا يتأتى من خروجنا الى أعمالنا اليومية ، وقد إعتكفنا لأيام ثلاثة ؟ ثم ان أيّا من عامة الناس دون ساستهم هو بقادر على قيادة البلد وبسط الأمان اذا ما فرض حظر تجوال مستمر ، وهذا الضعف بعينه ، فبأي آلاء المصيبة نقنع ؟
صار المحلل وغيره يعرف أن الطائفية في العراق هي بذرة زرعها النظام المباد ، وسقاها الاحتلال بجهالة ، ثم نمت على أيدي جنائنية الحكومة التي إنتهت ولايتها توّاً ، وهي ـ أي الطائفية ـ ذات رداء سياسي وليست بدينية ، لأن العنف إستفحل بين أطراف الإسلام السياسي ، ولم تشمل عامة المسلمين في بلادنا ، اللهم الاّ كضحايا ، وهذا مرد تفاؤل للثقة بأن الفتنة مؤودة ، والحرب الأهلية تدور فقط على مناضد رمل الجبناء وأهل الظلام والأيتام ، فحتى لا تجني الحومة على نفسها ، وعلينا ، وحتى نضمن اللقمة ، ونأمن على وطننا ، وحتى تصان شعائر كل الملل ، وحتى نقبر الفتن جميعها ، وحتى نفرح بخلاصنا من الدكتاتورية البغيضة ، وحتى تنعم بالامان دور العبادات كافة ، وحتى نلتزم بالدستور مادة مادة ونطبقها ، وحتى لا تستقوي علينا الميليشيات ، وحتى لا نلجأ للطوارئ وحظر التجوال ،وحتى لا نحتاج لشرطة تحمي حتى شرطتنا ، وحتى نفي نذور الشهداء والضحايا ، وحتى ننام بلا خوف ، ونعتاش بسلام ، نتمنى على أهل الحل والعقد أن يزفوا إلينا خبر تشكيل حكومة الوحدة الوطنية .