موقع الناس     http://al-nnas.com/

علم المقابر اليونانية

 

 ابراهيم الخياط

الأحد 3 / 9 / 2006

كانت تأتي عربة الاجرة وتقف امام البيت المنكوب وغالبا ما كان سائقها ينال علقة ساخنة امام العلم الذي يلف تابوت الضحية فكان دائما ـ نعم دائما يمزق .. هكذا كانت حال ربوعنا ايام حرب ايران ـ كما شاع نعت الحرب … فنساؤنا من الأمهات .. من أخوات .. من بنات.. ومن حبيبات كن يعرفن ان العلم نذير شؤم فكل حارة وكل حي وكل سلف كان يقف برمته وكأن الطير على رؤوسهم حين تلوح من بعيد عربة يملوها المستطيل المقلم المنجم .. ثم صارت العربات ـ خشية ـ تعرج على مراكز الشرطة ليحموا السائقين والسيارات والعلم الذي شبع اهانة .. انهن نساؤنا الكريمات اللواتي من عشرين ونيف مرّغن جبروت العلم في وحل المآتم التي غطت أديم العراق طولاً وعرضا ، وما سمع احد منا ولا رأى ان أيّاً من اهل المعارضة قد تظاهر واحرق العلم الفاشي رغم بغضهم ومقتهم له … لم يحرقوه كيلا يقال ان معارضة العراق احرقوا ما يحسب انه رمزهم .. هو العلم الذي لفّ نعوش مئات الآلاف من أبرياء العراق .. انه العلم الذي غطى قبور ابنائنا واحداً واحداً من أولئك الآلاف الذين بعددهم وزيادة صار العلم خرقة ومزقة وحتى بات العراقي ايام الحرب الأولى يستحي من هوان ما يجب ان تراعى ذمته . ان العلم الذي رفرف في فتوحات حلبجة والدجيل وجيزاني الجول ( حلبجة العرب ) … والذي عاليا كان يخفق في ساحات الشرف الزيتوني .. في ساحات المقابر .. صار محط تندر!انا قد لا أوالي علماً جديداً لكن القديم ، وبئسه من علم ،يشير الى سود سنين بلغن أربعين ونيفاً من فاشيات الأعوام ومجدباتها بل عجافها .
ان العلم المقترح كما قال مصممه ـ الفنان رفعت الجادرجي ـ هو اقرب الى العلم اليوناني منه الى غيره مما يتقولون .. وكلنا يدري ان اليونان ليست اقل خصوبة منا ولا اقل ماء ولا اقل شجراً ولا اقل حضارة ولا اقل تاريخا، واخيراً ـ لا اقل وطنية ومع ذلك فلم يتنكر ايّ يوناني لعلمه البسيط الثرّ فعندهم ـ كما نحن ـ الماء والخضراء وعيون المها ورديف النخل والشعراء والإغريق والماراثون والأولمبياد السحيق وحشد من الأنبياء الأرضيين والأكاديميين والفلاسفة وأهل الحكمة والعلم والفن ولكن ـ لبختهم الذي مثل بحرهم هو جميل ـ ليس عندهم مصعب ولا أبوه الزرقاوي ولا حلفاؤه من أيتام حزب البعث ( اليوناني ) الاشتراكي .