| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

إبراهيم الخياط

ibrahim_alkhiat@yahoo.com

 

 

 

الأحد 29/6/ 2008



التنقيط عند الفنان الراحل عزيز حسك
كومونة البنفسج

إبراهيم الخياط

تنقيط اللون على اللوحة هو اسلوب جديد في الفن المعاصر، إذ ان التنقيط القديم كان عبارة عن ملء الفرشاة باللون ثم جعل الفرشاة تمس الكانفاس (قماشة الرسم). وهذه المدرسة بدأها فنانون مثل بيسارو، وقد واكبت هذة الطريقة الثورة التي أحدثها الانطباعيون في باريس في مستهل القرن الراحل، وهي طريقة تعتمد على تحليل اللون وإرجاعه الى أصله. فمثلا، ان أردت ان تحصل على اللون البنفسجي عليك ان تضع مكوناته الرئيسة (الازرق والاحمر) وعوضا عن مزجهما لتحصل على البنفسجي، تضع نقاطا من الاحمر والازرق متقاربة من بعضها، فحين تبتعد عن اللوحة تحس بأن هذين اللونين قد أعطياك نتيجة جديدة. فاللونان قد امتزجا مع بعضهما، وصارت النتيجة لونا اخر هو البنفسجي، دون ان تمزجهما على الباليت (محمل الالوان).
اذن فقد أعاد الفنان الانطباعي هنا اللون (البنفسجي) الى اصله، وهذه هي الطريقة التحليلية في مزج اللون، والطريقة هذه تنطبق على بقية الالوان. فعندما تريد أن ترسم باللون الاخضر الذي هو مزيج من الازرق و الاصفر لاتضطر الى مزجهما على الباليت، وانما تضع هذين اللونين أحدهما قرب الاخر بشكل لمسات صغيرة من الفرشاة، واذ تبتعد عن اللوحة تشعر أن هذين اللونين هما اللون الاخضر في حين عندما تقترب من اللوحة لاتجد أثرا للون الاخضر. وقد كان رواد أو مكتشفو هذه الطريقة هم مجموعة من الفنانين الانطباعيين الفرنسيين، وقد احدثت هذه الطريقة في التحليل اللوني والابداع فيه ضجة كبيرة في حينها، وأبدع هؤلاء الفنانون في هذا الاتجاه وأعطوا البشرية نتاجا زاخرا إعتمد على التحليل اللوني، أي إعادة الالوان الى أصلها الصريح.
أما بالنسبة للتنقيط المعاصرـ وفي العراق خير من يمثله هو الفنان الفذ الراحل عزيز حسك البعقوبي ـ فقد اعتمد على اسلوب آخر، وقد تكون الصدفة هي التي لعبت دورها في اكتشاف اسلوبه هذا. عالم اللون هذا العظيم العجيب الذي لو تفتح له الذهن البشري واكتشف حقيقته، لهام فيه وابتعد عن الالوان التي لاتذكر الانسان الا بالحرق و الموت والرخص السائد والمسيطر على المخيال. فبدل ان يستكشف الانسان الحديث ويستنبط من الطبيعة حلاوتها وجمالها ويغور عميقا في مباهجها، اذا به غالبا ما يبتعد عن عوالمه ويقترب من عالم الحروب .. نعم الحروب التي تحيل كل الالوان الى سواد قاتم ولا تترك – أي الحروب – أثرا لونيا يؤشر للخير او يبشر به.
اذن ،الانسانية تحرض الجميع على دراسة الطبيعة واستشفاف الخير من خلال ألوانها البهيجة. هذه الطبيعة التي تعلن على الدوام أنها وجدت لإشاعة الخير دون الشر. فمن واجب كل فنان أن يجدد ويبدع وإلا إنتهى الى الفشل. وهنا ينتصب أمامنا السؤال : هل، لكل فنان القدرة على التغيير؟ وهل ان كل فنان على استعداد لتحمل كل المشاق الحياتية بغية اقتناص الجديد والاحساس به؟ بطبيعة الحال الجواب سيكون: كلا،،، ....... ولماذا؟ لأن الغالبية العظمى من الفنانين يتبعون فكرة (اطفر النهر من قريب) وهم غير معذورين، وإن كان الموضوع شائكا ومعقدا، لاسيما ان الساحة لاتهيء للفنان المبدع جوا حياتيا ملائما يستطيع فيه أن يستمر ويبدع دون النظر الى أي أمر آخر يعيق مسيرته الحياتية من مأكل ومشرب ومسكن، فشتان بين ما تشبع به بطنك، وما تشبع به ذهنك.
نعود و العود احمد – الى الفنان عزيز حسك الذي أراد يوما تحضير (الكانفاس) للرسم فلم يشأ طلاءه بالمادة الاساس بل غمس الفرشاة (بالبانتلايت) وجعلها تسير فوق القماشة، ثم اضاف للون الذي سال لونا اخر فثالثا ورابعا والخ ... وتأمل النتيجة، فبدت له القماشة لوحة تجريدية بحق!
فهام بهذه النتيجة الآتية من الصدفة التي ربما أنعشها وخز البحث. ومن هنا بدأ الاتجاه ؛ أعاد التجارب مرات، أضاف لها الوانا أخر، وصعق عندما رأى تشابك الالوان ببعضها، وسرّ للنتيجة، فلطالما قرأنا عن اولئك الذين غاصوا في بحوثهم فاكتشفوا مالم يخططوا له.
 

free web counter