| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

إحسان جواد كاظم

 

 

 

 

الأربعاء 22 /8/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس




الايزيديون... هؤلاء الودعاء !


احسان جواد كاظم

لم يكن مستغربا من الارهابيين ارتكاب هذه المجزرة الرهيبة واستهدافهم لاناس آمنين من مواطنينا الايزيديين هذه المرة ... فهذا هو ديدنهم ودينهم , فقد غطوا كل ارض العراق وحواريه بعمليات قتل همجي. وهذا بالضبط جوهر فكرهم الظلامي التدميري وهم صادقون مع انفسهم فيما يفعلون. فالاناء ينضح بما فيه, وقد نضحوا حقدا اسفلتيا حارقا على كل ماله صلة بالانسان و الانسانية.
ويبدو ان الارهابيين اخذوا ينهجون تكتيكا جديدا بفعل طردهم من حواضر المدن ليتوجهوا نحو مناطق نائية من قرى وقصبات هي عبارة عن بيوت واكواخ هشة, ضعيفة الحماية, وخارجة عن اهتمامات السلطات المتعاقبة, تعاني الاهمال والفقر,لذا فان حصيلة تفجيراتهم ستكون اعظم تدميرا واكثر ايلاما, هذا اضافة الى منطلقهم التكفيرى ضد الايزيديين.
الديانة الايزيدية ديانة غير تبشيرية. اى انها لاتسعى الى جذب وحيازة منتسبي الديانات الاخرى اليها. فهي متصالحة مع الاخرين ومنقبلة لما يعتقدون, هذا ما لاينطبق على منتسبي الديانات التبشيرية التي تستخدم مخنلف الوسائل السلمية والعنفية - والتاريخ شاهد على ذلك - لزيادة اعداد المؤمنين بها, فيحدث الاعتداء على حريات وحياة الاخرين. كما ان ما يميز هذه الديانة عن الديانات الاخرى هو كثرة اعيادها, ومن المعروف ان الفرح كحالة نفسية تنمي الجوانب الايجابية في السلوك البشرى.
اول لقاء لي بايزيدي كان اثناء ادائي الخدمة العسكرية الالزامية في مستشفى راوندوز العسكرى عام 1979 عندما قام النظام السابق - وفي سعي منه لضبط المجتمع وفرض سطوته على ابعد زوايا الوطن- الى سوق المتخلفين عن الخدمة العسكرية, فجاءتنا اعدادا ممن تعدوا حتى سن الاحتياط من قرى وقصبات بعيدة لا تجد اسماءها على ادق الخرائط العراقية واكثرها تفصيلا. وكان بينهم ايزدين مراد. انسان بسيط, هادىْ الطبع , يفعل ما يؤمر به,فالعسكرية اوامر.ولكنه كان يتعرض للاساءة بدون سبب الا لكونه ايزيديا , من اناس لايفقهون شيئا من امور دينهم , وكان ذلك يؤلمني, انا الذي ربتني عائلتي على احترام الاخر لآنه انسان اولا وليس لآنه يحمل صفة ما . وقد ترسخت هذه المعاني بعد الانخراط في دائرة الوعي الملتزم والتأثير الالهامي لوصايا الرفيق فهد - احترم معتقدات ابناء شعبك.... كن في مقدمة المدافعين عن الفقراء والمظلومين..... فكنت اتضامن معه برد المتعرضين له بالاساءة او لوم بعضهم الاخر , فتوطدت بيننا علاقة ثقة واصبحنا نتحدث عن امورنا اليومية في الجيش والحياة العامة, فتعرفت عليه اكثر. فلاح امي, طموحاته بسيطة , سريرته نقية , لديه بستان صغيرة يرعاها مع اخوته وابيه في احدى قرى سنجار. يتحدث بلغة عربية ركيكة ولطالما اعتذر لي عن ذلك , فأعتذرت له عن جهلي باللغة الكردية . عند انهائه الخدمة العسكرية ودعني ودعاني لزيارته في قريته التي نسيت اسمها حيث اشجار الخوخ والعرموط. ايزدين مراد هذا الايزيدي الوديع , كلمة طيبة واحدة كانت كافية ليمنحك الثقة والحب والصداقة فقلبه لا يعرف الحقد. بعدها التقيت بالكثير من الايزيديين وقرأت عن معتقداتهم وتضحياتهم البطولية في مقارعة الاستبداد والظلم.
ولكن لقاء ثاني بأيزيدي اخر عززت اعجابي بسجايا هذا الجزء الاصيل من شعبنا العراقي. فقد حضرت ندوة للباحث الدكتور خليل الجندي في المانيا مع صديق لي وكنت وصديقي فقط ممن لايفهمون اللغة الكردية من بين الحضور, فأنتبه لوجودنا واقترح القاء المحاضرة باللغة العربية احتراما لحضورنا وكان ذلك وسط همهمات البعض. هذا الموقف بيّّن لي مدى التسامح الذي يمتلكه هذا الانسان الرائع بعلمه واخلاقه - في وقت اصبح التعصب القومي ظاهرة - وجديته في التعريف بمعتقدات ابناء جلدته ودحض الافتراءات ضدهم. ثم التقيته صدفة مرة اخرى في قطار لنتحدث عن امور وطننا وشعبنا , فكشف لي عن تواضع جم وطيبة لامتناهية.
هذان الايزديان بما يمثلانه من سجايا وقيم يعبران عن امتلاء روحي يفتقده الارهابيون بخواءهم الروحي , ولهذا استهدفوا الأهالي الآمنين في سنجار.
مأساة الايزيديين هذه اثارت ردود فعل متباينة , الصادقة والمرائية والمصلحية. فقد عبر الكثير من مواطنينا ومثقفينا عن غضبهم لهذه المجزرة الرهيبة وطالبوا بكشف ملابسات حدوثها والمتهاونين والمسؤولين عنها ثم حماية الايزيديين واعادة بناء قراهم وتعويضهم. البعض الاخر عبروا عن ألمهم فحسب وكفى الله المؤمنين.والقوميون الاكراد وجدوها فرصة سانحة لقضم اراض جديدة لضمها لاقطاعيتهم.
الدستور العراقي يضمن المساواة التامة لكل العراقيين لكن بثور المحاصصة الطائفية والقومية قسمت العراقيين الى مواطنين من درجات مختلفة ولاحل الا بفصل الدين عن الدولة واعتماد القانون في احقاق الحقوق.