| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

إحسان جواد كاظم

 

 

 

 

الأربعاء 20/6/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس




انقلابات عام الخنزير
 

احسان جواد كاظم

استبشر الصينيون والشعوب التي تنتمي الى عائلتهم الثقافية بعام الخنزير في التقويم الصيني,الذي ابتدأ هذا العام منذ منتصف شباط الماضي. ومما هو معلوم فإن شخص من كل ثلاثة في العالم هو صيني او من الشعوب المنتمية الى العائلة الثقافية الصينية. وفي الميثولوجيا الصينية, فان الخنزير يعتبر من اكثر ابراج الحظ مرحا ويرمز الى التوافق وتلافي المشاكل - ونحن نفتقد للاول ولدينا الكثير من الثاني - لأن من سمات الخنزير انه داجن, لايعرف المكائد بل هو مغفل وحميم في تعامله مع البشر ويجلب معه الرفاه المادي كما يرون. اما سلبيته فتكمن في عدم احترامه لخصوصيات الآخرين وملكيتهم. لهذا يؤمن الآسيويون بان عام الخنزير هو وقت مناسب لعقد الصفقات التجارية واستهلاك ما تراكم من مصادر الرفاه.
ولايعتبر الخنزير رمزا معيبا لدى اجداد شعب الكيتان - هي مجموعة أثنية غير صينية تقطن وسط منشوريا - وفي ميثولوجيتها يعتبر رأس الخنزير رمزا للحكمة والرفاه.
اما بالنسبة لشعوبنا التي تنتمي الى ثقافة شريعة موسى التحريمية والتي تنظر للخنزير نظرة دونية وتحرم أكله لأسباب هي بالاساس اقتصادية وليست دينية او صحية كما يدعون - فقد كان قوم موسى رعاة غنم يسعون لاستمرار اعمالهم وتجارتهم, فجاء تحريم أكله , هو الحيوان البري المتوافر والسريع التكاثر والذي يمكن ان يكون مصدر غذائي رخيص, واستهلاكه سيؤدي الى كساد تجارتهم - وبسبب ذلك فإننا نرفضه ونرفض عامه, مع حاجتنا الماسة للتوافق في منطقتنا التي تنغل بالمشاكل. وان سماته السلبية بعدم احترام خصوصيات الآخرين والتعدي على ممتلكاتهم سمة استمكنت من البعض في بلداننا ولم تستمكن من البعض الآخر, سمته الايجابية, عدم معرفته بالمكائد. فكانت لدينا محاولة انقلاب عسكري اتهم بها أياد علاوي, أثارت حنق المالكي والقائدين الكرديين البرزاني والطالباني. وجرى التهديد بفضح الدول التي تقف وراءها. ثم جاء انقلاب المشهداني رئيس مجلس النواب على مجلسه بعد حادثة اعتداء افراد حمايته على نائب برلماني ورفضه الاستقالة رغم مطالبة اغلبية النواب بعزله, بعده كان انقلاب جبهة التوافق وتراجعها عن تعهداتها بأستبدال المشهداني بآخر يقبله النواب... فخلقت ازمة سياسية وادخلت مجلس النواب في متاهات خلافية تاخذه بعيدا عن مهامه ومسؤولياته التي ينتظرها المواطن العراقي من نوابه الذين انتخبهم تحت وابل القصف..
ثم تكلل كل ذلك بإنقلاب ممثلي التيار الصدري في مجلس النواب, بإنسحابهم منه بشكل غير مبرر, في احتجاج لايعرف ضد من ؟ هل هو ضد البرلمان ام ضد الحكومة ؟ بعد تفجير منارتي الامامين العسكريين في سامراء واشتراطهم بناء الحضرة العسكرية وكل الجوامع السنية والشيعية التي دمرت في العراق ( من دمرها ياترى ؟ ) وكأنه لم يبق للمواطن العراقي من هموم سوى ايجاد محراب للصلاة بعد ان وفر له نواب التيار الصدري وحكومتهم الرشيدة اسباب الحياة الرغيدة. ثم كان انقلاب البرزاني بتصريحه عن استحالة اعادة النظر بالمادة 140 الخاصة بكركوك رغم ان الدستور ذاته ومواد كثيرة فيه مطروحة للنقاش لتبديلها وحسب نص دستوري منه وبيه.
ان محاولات تعطيل العملية السياسية التي تقوم بها جهات معادية لها مثل عصابات القاعدة وايتام النظام البائد وعصابات الجريمة امر مفهوم واسبابها معروفة, لكن محاولات جهات من داخل العملية السياسية تعطيلها, لايمكن تفسيرها الا انها الثمرة المرة للمحاصصة الطائفية والقومية التي يجبر ابناء شعبنا على قضمها وتجرعها.
وتوجد الكثير من الاعتراضات على اداء مجلس النواب الضعيف بسبب اقراره لقوانين مجحفة ضد حقوق المرأة وقوانين الخصخصة والاستثمار الاجنبي وتهرب قوى فيه من اقرار قانون الاحزاب السياسية وقانون مجالس المحافظات... الا انه يبقى اطارا لحل الاشكالات ووضع الحلول بعيدا عن لغة العنف.
ورغم حديثنا عن الانقلابات التي نرفضها لوجود آليات تداول سلمي وديمقراطي للسلطة, فإن امكانية نجاحها في ظروف العراق الحالية صعبة. فليس هناك قوة قادرة على القيام بذلك فقواتنا المسلحة غير متجانسة وتتنازعها تدخلات مختلفة تحكمها توازنات معينة, الاخلال بها يعني اندلاع حرب اهلية ليس فيها منتصر, كما ان الوجود الامريكي كقوة ضاربة عاتية لاتسمح بذلك ومصالح الولايات المتحدة لاتسمح لقواتها بالمغامرة في اسناد طرف ضد آخر, رغم امكانية توفر رغبة لدى بعض الساسة الامريكان في تغيير حكومة المالكي.
اما وان شوارعنا وبرلماننا وتلفزيوناتنا تمتليء بالعلماء من معتمري العمائم فإننا احوج مانكون ان نأخذ العلم من الصين, لا التعلق بوهم قدرة عام الخنزير ان يجد لنا حلولا جاهزة سريعة ... رغم ان الاستغراق بوهم لذيذ, راحة للبال.