| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

إبراهيم  حسين

ibar2006@maktoob.com

 

 

 

 

الأربعاء 28 /12/ 2005

 

 

 

العراق المرتهن ومسؤولية القوى السياسية..!
 


إبراهيم حسين

لم يبقى هنالك ما يقلق من امر الواقع العراقي، سوى ان تتوجه كافة الاطر السياسة والاجتماعية العراقية، الى اقرار الواقع الراهن والتعامل معه على اسس من اللياقة السياسية والمسؤلية الوطنية ازاء المصالح العليا للشعب والوطن، بعيدا عن المصالح الفئوية والحزبية الضيقة، ايا كان لبوسها، سياسيا او اجتماعيا، دينيا ام علمانيا. فالواقع الحالي لا يبرر باي حال من الاحوال، الاحتراب بين مكونات العملية السياسية على اختلاف مشاربها، اذ جميعها تتحمل المسؤولية التاريخية لتقبلها الضلوع في العملية السياسية الراهنة ، وبعكسه فانها تغامر بمستقبلها السياسي والوطني على صعيد الحاضر والمستقبل

ان كافة القوى السياسية والاجتماعية التي تعاملت مع الواقع الراهن بكل ابعاده والتي ساهمت بهذا الشكل او ذاك، بالتأقلم معه وفق الصور والاشكال المختلفة، أو تلك التي وجدت فيه الطريق الوحيد الذي ليس غيره من طريق ، للتخلص من جبروت الدكتاترية ؛ انها جميعا ، وبالخصوص ذات التاريخ والثقل الكبير في الساحة السياسية، تتحمل قسطها من المسؤولية التاريخية في ايصال الشعب العراقي الى شاطيء الامان وتجنيبه طريق الانزلاق في متاهة لا تسبر عقباها . فالمسؤولية الجماعية لكافة ابناء الشعب العراقي ، بكافة تلاوينه الاجتماعية والقومية وفي المقدمة طلائعه السياسية والدينية ، تلزم الجميع بالقراءة الصحيحة للواقع الراهن ، بعيدا عن كل بواعث التأييد والولاء لأي جهة ما ، عدا الولاء لمصلحة الشعب والوطن . ان الواقع الراهن والذي يلقي بثقله على الشعب العراقي ، يلقي على كافة الاطراف المنخرطة في "العملية السياسية" تبعة العمل المشترك للتوصل الى الصيغ المشتركة ، التي تسهم في ايجاد الحلول العملية والمناسبة للخروج من هذا المأزق الخطير الذي يهدد ليس فقط "العملية السياسية" برمتها ، بل ويقوض وحدة الشعب العراقي ولحمته الاجتماعية. .
أن الاقرار المتبادل من قبل كافة الطلائع السياسية والدينية ؛ بحقيقة وجود مكونات المجتع العراقي- على الصعيد الجغرافي والتاريخي- بكافة سماتها وخصائصها الاثنية واعرافها وتقاليدها الاجتماعية ، وبحقها في التعايش المشترك في الوطن الواحد ، كما الاعتراف المتبادل بحقها في ممارسة كافة حقوقها القومية والسياسية والثقافية وبممارسة طقوسها الدينية والاعتقادية . ان اقرارا مثل هذا كفيل بان يحفظ تماسك الشعب العراقي ويفوت الفرصة على كل من يحاول التلاعب بمصير الشعب والوطن. كما وانه يقطع الطريق على قوى الظلام والارهاب ويوفر مناخا ملائما للتفاهم والعمل المشترك بين مختلف الفصائل والقوى السياسية على مختلف مشاربها ومعتقداتها المختلفة. . .
ان المشروع السياسي الذي طرح مع بدء الفترة المتجسدة ب"الاحتلال" - رغم ما آل اليه هذا"الاحتلال" من نتائج مدمرة على كافة الاصعدة- فانه "المشروع" قد القى بتبعات هذه النتائج على عاتق جميع ابناء الشعب العراقي وفي المقدمة تلك الطلائع السياسية- دينية كانت ام علمانية على السواء- التي تلقفت مهمة الانخراط فيما سمي " بالعملية السياسية" لبناء "العراق الجديد"، واتاح لها فرصة التعبير عن نفسها وعن طموحاتها بكل حرية ، لدرجة انها نفسها باتت تعبر عن هذا الواقع الجديد وطبقا لمقاييسها الخاصة ، بأنه عالم "الديمقراطية والحرية" الذي لم تشهد له البلاد من قبل مثيلا . ولكن الملفت للنظر على الصعيد العملي ، ان تلك القوى التي اخذت على عانقها مهمة قيادة تلك العملية السياسية- وخاصة تلك التي تسنمت موقع المسؤولية في دست الحكم- وبمزيد من الايضاح ، تلك التي تبوأت هذا الموقع تحت مظلة "الشرعية الانتخابية" لم تألوا جهدا في الحفاظ على مقومات هذه العملية وفقا للمقاييس التي هي نفسها قد طرحتها ، واعني بالخصوص ما يتعلق منها بالاساليب "الديمقراطية"، بل على العكس من ذلك، فأنها انخرطت في عملية احترابية ، مباشرة وغير مباشرة ، ضد بعضها البعض- أذا ما أستثنينا بعضها- غايتها التسلط والهيمنة وحتى الكسب غير المشروع ، بل تجاوزت بعضها حدود الاهداف التي اعلنتها ، وزاولت ولا تزال نفس الاساليب القمعية والانتقامية اللاديمقراطية ضد الاطراف الاخرى في العملية السياسية والتي كانت حليفة معها في انخراطها في نفس العملية السياسية ذات المباركة المشتركة من جميع الاطراف. وليس ادل على ما نقول ما جرى ويجري يوميا من تجاوزات وانتهاكات ضد مقرات الكيانات السياسية بما فيه الحرق واغتيال النشطاء من اعضاء تلك الكيانات لترهيب مؤييديها ولقطع الطريق بينها وبين ممارسة حقها في الوصول الى صناديق الانتخابات ، التي ما فتأت تعتبرها الفاصل والحكم في اقرار ارادة الشعب في اختيار ممثليه الحقيقيين . ان تلك الممارسات اللاديمقراطية قد خيبت الى حد بعيد امل المواطن العراقي بهذه العملية ، لدرجة بات من الصعب معها ، التمييز بين ما هو صادر من القوى المحسوبة على الارهاب وبين تلك التي تمسك بيدها زمام الامور ، بل واصبح من المتعذر معه ايجاد التفسيرات المناسبة لتلك التجاوزات التي تنسب الى قوى معينة بالذات لها من الامكانات ما ليس لغيرها ؛ من القوة المسلحة والوسائل التنفيذية من قوى الشرطة والميليشيات المسلحة المنضوية تحت عناوين واسماء رسمية. .

ومما هو جدير بالذكر ، ما تدعيه غالبية الاطراف ذات العلاقة بالعملية السياسية من حيث حرصها على انجاح هذه العملية والسير بها قدما باتجاه" العراق الحر الديمقراطي ". الا ان مسيرة السنوات الثلاث الماضية قد اثبتت عكس ذلك للاسف الشديد ؛ ففقدان الامن والفساد الاداري بأبشع صوره ، والمحسوبية وسوء ادارة السلطة واهمال مصالح الناس الخدمية والصحية والخ من الانتهاكات والتجاوزات اللاديمقراطية ، جميعها قد وسمت بطابعها تلك الفترة ، مما خيب امل الناس في حقيقة تلك الادعاءات التي ةصدرت الواجهات الاعلامية لتلك القوى التي تسنمت السلطة بالاغلببةالانتخابية. انه و مما يبعث على الأسى ما يراه المرء من افرازات الحملة الانتخابية ، سواء في الايام التي سبقت الانتخابات او في يوم الانتخابات نفسه ، من انتهاكات صارخة وتجاوزات فضة من قبل أطراف معينة أثناء العملية الأنتخابية ، أستهدفت تهميش الاطراف الاخرى والاستحواذ بمختلف الطرق على الغالبية من أصوات الناخبين ، مستغلة بذلك ؛ نفوذها الاداري السلطوي من جهة ، والمؤثرات الدينية الروحية وزجها في العملية السياسية ؛ ولعل من نافل القول ان يفاجيء المرء بهذا العدد الكبير من شكاوى الكيانات الاخرى التي تجاوزت الالف شكوى ، حسب المفوضية العليا للأنتخابات.
أن هذه الافرازات قد وضعت مجمل" العملية السياسية" المنشودة على المحك ، كما وانها كانت انعكاسا عمليا على مدى مصداقية ادعاء بعض اطراف هذه العملية حول ما يتعلق بأنتهاج" الديمقراطية" كأسلوب وحيد للتنافس بين كافة الكيانات السياسية . فها هي بذور "الديمقراطية الموعودة" تعطي أوكلها اليوم، وقد تبين "الخيط الاسود من الخيط الابيض" كما أتضحت الصورة بكل تجلياتها ، أيجابية كانت أم سلبية ، ولم يبقى من أمر أمام كافة الفصائل ألا أن تراجع مواقفها وأن تعيد قراءة الواقع الحالي بما يضمن مصالح الشعب والوطن ؛ فخيوط اللعبة ومفاتيحها باتت اكثر وضوحا مما كانت عليه اذا ما توخينا الاعتدال في التعبير ان "الحرية" التي " يحسد" الشعب العراقي عليها اليوم ؛ الحرية التي باركتها كل الاطراف التي يهمها نجاح العملية السياسية ؛ ان هذه "الحرية" ستظل منقوصة ، بل ومهددة بالذبول والتلاشي اذا ما تواصلت الانتهاكات والتجاوزات بالشكل الذي تلمسه الجميع . فالحرية بلا ديمقراطية ليست ألا هراء وشكل بلا محتوى او مضمون ، ولا يعدلها آلاف الصحف والنشريات. و "أحترام حرية المواطن" في الاختيار لا يمكن صونها بمجرد القول وألأدعاء.! اذ لا سبيل الى ذلك الا بأشاعة الديمقراطية في الممارسة اليومية ، كبرهان على صدق النوايا ، وطريق لكسب ثقة المواطن ، الذي اهتزت ثقته كثيرا واصيب بأحباط كبير، بعد مشاركته الواسعة بالانتخابات ؛ تلك المشاركة التي عبرت عن رغبته في الامل بالخلاص من كابوس الاوضاع الراهنة. . انها مهمة الجميع على اية حال. والترديد المتكرر عن مفهوم" الوحدة الوطنية" سيبدو غير ذي معنى ، اذا ما فقد محتواه في كونه يميز بين الرأي والرأي الاخر مع الالتقاء في الاهداف المشتركة ؛ لا بمعنى التبعية ، وانما التعاون المشترك في الوصول لتحقيق تلك الاهداف. كما وأن "التعددية" لا تعني ، بأي حال من الاحوال ، الانصهار في بوتقة المنتصر تحت شعار"الديناميكية"، كما يروج له الان. أما حكومة "الائتلاف الوطني" أو "الوحدة الوطنية" بتعبير أدق ؛ فهي تعبير عن المصالح الوطنية والقومية مجسدة في تآلف المكونات السياسية في البلاد في ظل ظروف اكثر تعقيدا، او حالة طارئة تجابه الوطن . وهي على اية حال ليست حكومة الائتلاف المتعارف عليها ؛ حينما لا تحرز الاحزاب المتنافسة الاغلبية البرلمانية فتلجأ الى ما يسمى بحكومة الائتلاف ، وهذا النوع من الحكومات يتم اللجوء اليه عادة في ظل ظروف أعتيادية. فأية ظروف يا ترى يعيش في ظلها الشعب العراقي الان؟ واي نوع من الحكومات يطلب تشكيلها قياسا لتلك الظروف؟ تلك هي المسألة الاكثر الحاحا الان ؛ حيث ان محصلة الانتخابات بنتائجها المعلنة - موضوعة الجدل- قد القت بظلالها على كل مسار العملية السياسية ؛ فالاهداف المتوخاة منها والمعلن عنها من قبل كافة الاطراف ، قد اصبحت للأسف محل شك الجميع بما فيها كيانات عديدة من رائدي العملية نفسها ، فأين سيكون موقع المواطن العراقي من كل ذلك ياترى؟ ؟ خلاصة الامر وبقدر ما يتعلق ذلك بالنتائج الأولية المفرزة للأنتخابات ، فأنه من غير السليم أعتماد النظرة القائلة بمبدأ "ألاكثرية المذهبية" كأساس للأكثريةالانتخابية. فمهما بلغت نسبة "الاكثرية المذهبية" لدى أي شعب من الشعوب فأنها لا ترقى لأن تكون مقياسا للأكثرية الانتخابية في البرلمان ؛ لأنه ومن نافل القول ؛ أن الانتماء السياسي لا يمكن ان يبنى على أساس مذهبي ، اللهم الا في الحالات التي يكون فيها النظام السياسي لذلك البلد مبنيا على أساس مذهبي طائفي ، فهل يا ترى قد نسي البعض من القادة السياسيين هذه الحقيقة ، أم أنهم في الطريق لتكريس مفهوم "المذهبية" كأساس للعملية الأنتخابية في وطن القوميات والمذاهب المتعددة يا ترى....؟ أليس في هذا نكوص الى الوراء عن مبدأ (المواطنة) الذي يمنح الحق لجميع ابناء الوطن الواحد دون تمييز ولأي سبب كان ، في التمتع بكافة الحقوق التي يكفلها الدستور والقوانين المشرعة ومنها حق الانتخاب ، أوليس في هذا المبدأ (المواطنة) ضمانا للهوية الوطنية وكفيلا لضمان وحدة الوطن وسلامته من كل ما يعرض تلك الوحدة للأنقسام أو التجزئة. ألم يكن العراق نموذجا حيا لهذه المواطنة ، المنشودة الان ، بكل فسيفسائها القومية والدينية بل وحتى المذهبية؟ ألم تضم ألاحزاب السياسية العراقية سواء من كان في السلطة او المعارضة وطيلة عهود بعيدة بين صفوفها مختلف مكونات الشعب العراقي ؛ سواء قومية او دينية بل وحتى مذهبية؟
ومع كل ما اتينا عليه ، فأنه ستظل العملية السياسية الديمقراطية رهينة الصراعات المختلفة بين المكونات السياسية للشعب وأن نجاحها مرهون ، بهذا القدر أو ذاك، بمدى الولاء للشعب والوطن بعيدا عن كل المؤثرات الخارجية والولاءات الاخرى ؛ هذا اذا ما سلمنا بأولوية النضال من اجل انجاح "العملية السياسية" وجردناها من كل تبعات العوامل الاخرى والظروف التي وضعتها في هذا المأزق المأزوم.!