| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

                                                                                  الثلاثاء  3 / 9 / 2013

 

اوراق متناثرة من الحلة (9)

الطريق الى الشرقية الابتدائية

عماد خليل بِله

كان الدوام اليومي على وجبتين اربعة دروس خلال الصباح تنتهي في الثانية عشر ظهرا ودرسان بين الثانية والرابعة مساءا. لفترة من السنة سُمحَ للتلاميذ الذهاب الى بيوتهم للغداء والعودة، ثم أصبح علينا البقاء بالمدرسة. فكنا نمضي ساعتي الوقت باللعب والجري في الساحة تحت مراقبة من معلمَيْن يتبدلان كل يوم. يغلب الخوف وتضعف حركة التلاميذ يوم مراقبة الاستاذ حسن عذاب لأن عصاه لاترحم. بعد أربعة سنوات أُلغي هذا النظام حين تم تحويل الدراسة الى خمسة حصص متتالية بانشاء مدرسة ابن الاثير الابتدائية للبنين، التي شاركتنا استعمال البناية. ليكون دوامالشرقية الابتدائية صباحيا ، ودوام مدرسة ابن الاثير الابتدائية لما بعد الظهر. أول يوم تغلف بحزن لبعض التلاميذ، الذين جرى نقلهم للمدرسة الجديدة.

درسا الرياضة ، والنشيد والموسيقى تمتعا بميزة مختلفة عن بقية الدروس. فتم إختيار تلاميذ لهم مهارات ورغبة في اللعب ضمن فرق المدرسة الرياضية. وحصل بعض اخر على فرصة تعلم العزف على آلة موسيقية. كلا النشاطان يتطلبان البقاء لساعات اضافية في المدرسة بعد الدوام ، وشراء مستلزمات. ولم يكن لي دورا في اية فعالية ، لعل المعلم المختص لم يجد لدي موهبة في حقل ما، إلا الاستاذ حسن بريسم المشرف على حانوت المدرسة فقد إختارني لتولي عملية البيع في الحانوت. فهل لمح مبكرا فيَّ توفر قدرة ادارية وحسن التعامل مع الزبائن، أم راى باني معلم على "الكراب" كون أبي بقالا وأقضي جزءا من وقت يومي في البيع، ويمكن تسخيري للعمل. كانت البداية تسلمي حانوت بيع الصمون والعصير الكائن على الدكة بواجهة ساحة المدرسة. تطلب التكليف حضوري صباحا لاستلام الصمون وصناديق المياه الغازية من نوع عصير الفيحاء انتاج معمل السيد محمد الناصر، والواقع مقابل المدرسة، من قبل المورد، لأعد عدد الصمون، وعدد قناني العصير، وتثبيت العددين في دفتر الحركة اليومية المخصص لها، , وأن اقدم قبل بدأ الدرس الاخير كشف حساب بما تجمع لدي من فلوس البيع لمقارنتها بالاعداد التي تسلمتها صباحا ، وما بقي من بضاعة لم تُباع. أدت عملية القيام بهذه المهمة الى تأخري عن الالتحاق بالصف لدقائق خاصة عن بداية الدرس الاول، والدرس الاخير، ويحدث بندرة أن اتأخر لحضور الدروس الاخرى. ولم يحدث أن تذمر معلم من تأخري ، فحاسبني ووجه اليَّ اللوم. يبدو أن جميعهم على معرفة بالسبب. كانت أكثر اوقات العمل كثافة تحل في خلال الفرصة الثانية بحدود الساعة العاشرة صباحا، حين تبدأ اصابع الجوع تدغدغ خواصر التلاميذ، فيتكوموا عند فتحة الحانوت متدافعون، ويمتزج الصراخ القائل: صمونة كاملة وعصير اصفر، نصف صمونة وعصير اسود. وهكذا بين الصمونة ونصفها ، والوان العصير اتحرك كنول ماكنة حياكة ذهابا وايابا، في منظومة حركات محصورة بين صناديق العصير حسب لونها، وسلة الصمون، والتقديم واستلام الثمن، وعلبة وضع النقود. في نهاية الفرصة الاخيرة يأتي الاستاذ حسن بريسم لاجراء المحاسبة. ومن صغري كنت ضابط حسابي، فلم يحدث نقص الا مرة واحدة ذات يوم ، وكان مقداره خمسة عشر فلسا هي قيمة نصف صمونة وقنينة عصير. يومها تملكني خوف شديد وبكيت، وانا احلف اشد الحلفان باني لم اخذ فلسا ، وان ما بجيبي من نقود هي مصروفي. مسح استاذ حسن على راسي وهو يوجه كلامه: لاتبكي ، نحن نثق بامانتك والا ما وضعناك هنا، ومثل هذا النقص يحدث فلربما استغل احدهم الازدحام ولم يدفع. عندها عادت الطمأنينة الى قلبي، ومسحت دموعي بردن القميص. للان أتذكر تلميذين طويلي القامة، تدافعا وسط الاخرين، وأخذ أحدهما الطلب دون أن يدفع. لم أذكر أسميهما للاستاذ لعدم توكدي من الفاعل. بعض المرات يقل البيع فيقع فائض من بضعة صمونات، وبضعة قناني من العصير، يومها احصل على صمونة مكافأة، وأشتري عصيرا لاتمتع بهما، رغم أن الصمون البارد وشبه الجاف مع العصير أقل لذة مما هو حين يكون حارا. ويصدف، وحسب حجم المبيعات تتطور المكافأة لتضم قنينة عصير. واصلت عمل السخرة في هذا الحانوت الى ان تم نقلي في سنة لاحقة لمواصلة خدماتي الى الحانوت الثاني، الاكبر والاغنى بمحتوياته، والواقع في الساحة الصغيرة للمدرسة. وهناك تباع أصناف مختلفة من السكاكر والحلقوم وسنبكساية، وبعض القرطاسية ، والاقلام ، والبرايات والمحايات. السنبكساية كلمة لا اعرف أصلها، تطلق على نوع من المعجنات ، شبيهة بالكليجة ، وأكبر حجما، حشوتها خليط من جوز مطحون وسكر. ولطالما سببت خصام مع بعض الزملاء الخبثاء الذين يحرفون الكلمة فيعيدون توزيع الحروف، يحذغون النون والباء ويضعون بدلها الف وميم، ويطلقونها مقاطع لتكون كلمة فشار سيئة. السبنكساية من المعجنات المفضلة لديّ، يوردها الى المدرسة ذات البائع الذي ينتظرنا خارج بوابة المدرسة وقت الخروج ليبيعها لنا. وعادة يأتي قبيل انتهاء الدوام اليومي لياخذ موقعا قرب بوابة الخروج، تراه قادما ،بدشداشته التي يتوسطها حزام صنع من جلد يتدلى قليلا نحو الاسفل من ثقل جزدان هو الاخر من جلد صناعي مهتريء يضع فيه النقود، وقد وضع صينية السمبكساية على راسه وتدلى من على كتفه حمالة من خشب وحبال، ما ان يقف يضع الحمالة على الارض ويهزها لتفتح عن ذراعين، هي اربعة قضبان خشبية يشكل كل اثنان منها حرف اكس، فيكون امامه مايشبه سطح منضدة مصنوع من اشرطة قماش فيضع الصينية عليها. كان من مهامي ان استقبله كل صباح عند الحانوت لأتسلم منه البضاعة واعدها واعطيه ورقة بالرقم، فيذهب في وقت لاحق للمعلم المسؤول لاستلام الثمن. تتجمع عرباين الباعة عند بوابة خروج التلاميذ كل يوم في ساحة سعيد الامين بعض البيع ثابت النوعية، وبعضها متغير بين الشتاء والصيف، مثل اللبلبي والشلغم، ولبن بارد، وباقلاء مع خيار حامض، وشيء من سكريات منها الحلاوة الرملية، وقلم الملا، وشعر بنات، ومخاريط حظ نصيب فيها شيء من رغوة سكر. بعيدا عن ساحة سعيد الامين حيث تتجمع العربات والباعة الاخرين، في بداية محلة الطاق، وخلف المدرسة وجدت مجموعة دكاكين متنوعة البيع، إختص احدها ببيع الكاستر. يصنع الكاستر على شكل صحن صغير ، ونشتريه منه مجمدا، ليكون مثل المثلجات" أسكمو،عل العودة"، وكما يسمونها أهل بغداد" اكي ستك". فكنا نتراكض بعد انتهاء الدوام متنافسين لشراءه اذ ينفذ بسرعة. تحررت من العمل بالحانوت حين أنهيت مرحلة الدراسة الابتدائية.
 

أيلول\ سبتمبر 2013
 


 




 


 

free web counter