| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

الأربعاء 28/10/ 2009

 

حكايتي المندائية
(3)

عماد خليل بِله

يقع بيت الاستاذ اسماعيل مطشر السداوي في بداية الشارع الفرعي لمنطقة القادسية مقابل بوابة جامع ام الطبول، هكذا كان حين تعرفت على سكانه . انا متأكد من ذلك فقد قضيت بين اهليه اياما متواصلة لسنوات. انا اعرفه واذكر بابه التي تقابل باب بيت فنانة العراق المبدعة والمناضلة الصلبة ناهدة الرماح. اين بيت الرماح؟ لاحجر من بيت اسماعيل السداوي المقابل له ولا علامة على منزل بيت الكبيسي المجاور لبيت ناهدة ايضا. وقف الشباب في الزقاق حائرون فلم يمتلك احدهم اجابة على تساؤلنا، ثم قالوا بصوت واحد وهم يشيرون" لا نعرف عنهم شيئا" .. لكن ذلك ,وهم يشيرون الى بيت " بعيو الصالحي" وهم من الصابئة. نعم اعرفه، فالدكتورة المهندسة ليلى بعيو الصالحي زميلتنا في الشعبة الخامسة لكلية الهندسة، بعد ان اكملت هندسة النفط في جامعة بغداد حصلت على دكتوراه في الهندسة الكيمياوية من بريطانيا وعملت فترة في ليبيا حيث كان اخوها الدكتور في الجيولوجيا صباح يعمل .

في 1982 عرفت من الاستاذ راشد الراشد زوج الفقيدة الشابة نضال طبلة حين التقيته في لندن باخبار ليلى ،وقام مشكورا باحداث تواصل بيننا. تبادلنا الرسائل فرحين كزميلين رمتهم ظروف مختلفة في الغربة ، وليلى لم تكن تحب البعث ، وقد حاولت مساعدتي للحصول على قبول جامعي في بريطانيا لدراسة الماجستير ولم نفلح فقد كنت مشتولا في اليمن السعيد ثم انقطعت الاخبار بيننا. في ذلك البيت كانت احيانا تأتي ليلى وزميلة اخرى من سكنة البياع بجانب سينما اليرموك هي ج. الصفار لتسألان عن درس او لحل مسألة من احد الدروس حين تعجزان عن حلها، فهما ايضا كانتا تدرسان معا، وجميل في الامر هو انهما تأتيان لابستين العباءة. و الصالحي نسبة الى منطقة الصالحية في بغداد ، وكانت العائلة قبل قدومها الى منطقة القادسية تسكن تلك المنطقة وعلى التحديد في الدربونة الواقعة خلف سينما ( بغداد - سينما قدري) وتكون على يسارك حين تضع عينيك في واجهة دار السينما لتتفحص مانشيت الفلم على واجهة الدار ، وتمتد الدربونة من كراج صغير ربما كان كراج سيارات النقل الى منطقة الوشاش وتتواصل الدربونة لتصل عند خزان المياه ثم تنحرف لتنتهي في الشارع الرئيسي مقابل السفارة البريطانية والمسمى حاليا شارع حيفا. وعلى مسافة امتار من كتف نهاية الدربونة يقع المعلم التراثي " قصر رئيس الوزراء الاسبق المرحوم توفيق السويدي" كما حفر في اللوحة الحجرية المثبتة في واجهة شرفته، وحيث تقع في الجهة الاخرى قبالته بداية محلة الكريمات.

لم يجب احد من بيت الصالحي حين طرقنا باب الدار ، لكنا تشبثنا في البحث فهنا بعض بيوت مندائية حتى اتينا الى دار في شارع اخر . حين اقترب الرجل القادم من داخل الدار الى الباب ليتحدث معنا ظننته ثائر الاخ الاصغر لعماد ولم يكن هو . كان الرجل سعيدا وهو يرحب بنا وظن اننا صابئة نبحث عن اقارب، وحين اطمأن عرفنا منه ان موضع البيت الذي نبحث عنه صار جزءا من الجسر المتحلق الذي يربط طريق المطار بالحارثية وان عائلة العم اسماعيل السداوي تسكن في السيدية، دون معرفة تفاصيل، فلربما لم يطمأن كفاية.

في ذلك البيت الذي اختفى كنت لا ازال احتفظ ببجاما وقميص منذ السنة الثانية بالكلية وبين الفة اهل تلك الدار الحميمة طالما قضيت اياما ولياليا مع تكي ندرس ونجد حتى تخرجنا سوية في 1976 . كان العم اسماعيل مطشر السداوي ابا واما لاولاده وبناته الخمسة بعد وفاة والدتهم، وكان صديقا في علاقته الابوية لذا كان افراد العائلة يجلونه ويحترمون رأيه، وتجلى ذلك بعدم تدخل اي من الابناء والبنات في العمل السياسي، فرغم كون الثلاثة الاخرين من مجموعة الاربعة كنا اعضاء في (الاتحاد الطلبة العام) وكذلك كان زملاء وزميلات قريبين منا ، اظافة لمعارف عماد من المندائيين الا ان عماد اسماعيل وبعده لؤي اسماعيل لم يقتربا من العمل السياسي بتاتا وقد احترمتُ ارادته ولم احاول ان اجره للعمل الطلابي او الحزبي حين اوضح بجلاء موقفه. يقول عماد مفسرا اصراره على الابتعاد عن النشاط السياسي " السياسة في العراق لاتجلب غير المأساة، لقد شاهد والده حجم المعاناة التي عاناها الشيوعيون وعوائلهم ولاسيما الصابئة منهم وخاصة بعد الانقلاب الاسود في الثامن من شباط 1963 ، وخسر الاب كثيرا من اقاربه واصدقاءه." ، وهكذا اقتنع عماد ولؤي بأن الطريق الامن هو بالابتعاد عن السياسة ، وكان يرى ( وقد اثبتت الايام صحة رأيه) وان كان يقر بوطنية وانسانية الفكر الشيوعي لكنه يعتقد بان الشيوعيين لن ينجحوا هذه البلاد الا بنشر الافكار الوطنية وتقديم التضحيات. وبكفاءة نجح عماد باحداث توازن في علاقاته ، فرغم تقاربنا اليومي حافظ على خيوط علاقة مع الضد وممارسة الابتعاد عن كل نشاط طلابي او سياسي ليأمن شر البعث ولا استبعد ان بحثه عن الامان قد جعله رقما بعثيا بعد الحملة على الشيوعيين في 1978 . والان اكتشف لربما كان احترامي لموقفه هو بذرة قتاعتي بمفاهيم حقوق الانسان التي تعطي للاخر حق الاختلاف.

اذن فشلنا في لقاء عماد اسماعيل وتسلل الليل بظلامه وعلينا العودة الى المنزل.



¤ حكايتي المندائية (2)
¤ حكايتي المندائية (1)


 

free web counter