| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

                                                                                  الأثنين  26 / 8 / 2013

 

اوراق متناثرة من الحلة (8)

الطريق الى الشرقية الابتدائية

عماد خليل بِله

يمر بنا أشخاص في رحلة الحياة لايشاركونا غير فترة قصيرة من عمر الزمن، غير ان بصمات أفعالهم تبقى محفورة في مسلة العمر. علي وناس زميلي في المدرسة الشرقية الابتدائية احدهم. دون أن يدري زرع فينا هواية التفكر والتخيل، والسفر الى عالم يتجاوز المألوف في طفولتنا. هذا الطفل العراقي ذو الجذور الافريقية، كان يقف أمام تلاميذ الصف والملعم، معتدا بطوله واثقا من نفسه، منسجما مع قوله المنساب دون توقف بحكايا ساحرة، تحملنا على جناحي من خيال الى عالم مشوق وغني بمغامراته. حكايات علي وناس تمت الى حقل الخيال العلمي الذي لم يكن قد برز وتمثلَ في الرسوم المتحركة وافلام الخيال العلمي في الغرب بعد، حيث كان في بداياته عبر افلام " فلاش كوردن".

حكايا على وناس تجسدت بالرسوم المتحركة بعد ثلاثين سنة ويزيد من روايتها وفي افلام "ستار ترك" " الرجل الحديدي، والسيارة الطائرة ، وأفلام " بات مان" ، و" الرجل العنكبوت"، وبعض مشاهده اللاتي يسطرها لنا وكأنه قد شاهد وحفظ بعضها من افلام الجاسوسية لجميس بوند قبل ان يعرفها العالم. كان يحدثنا عن سيارات تطير ، وعن جسور مبنية بشكل طبقات لمرور المركبات والسابلة ، وسيارات برمائية لها القدرة عن تتسلق اعمدة وجدران الجسور عموديا. زوارق تتحول بلحظة عبر ضغط أزرار الى غواصات صغيرة، أو طائرات تنتطلق من فوق سطح الماء الى السماء، حكايات لم تتوقف...

حكايات بلا نهايات ، ففي نهاية كل درس هناك خاتمة مشوقة تحتاج لاستكمال، فهي تبدأ عندها مقدمات مغامرة أخرى ، وكأننا في عرض متواصل. وينجح علي بجعلنا ننتظر بلهفة الدرس القادم، ينجح علي بجعل زملاءه الذين ينتظرون بتلهف سماع دقة جرس الفرصة معلنة إنتهاء الدرس لأن تصبح معه فقط شيئا غير مرغوب فيه. ما كان الوناس يحكي قصصه بطريقة الحكواتي التقليدية ، فجسمه، ويداه وعيناه وملامح وجهه، كلها تتحرك وكأنه يقدم عرضا على مسرح البانتونيم.

الصبي طويل القامة، نبع الحكايا، ينتمي لعائلة فقيرة تسكن المهدية او جبران في زقاق يقع خلف سوق بيع الدجاج. .لكثرة تواجده في سوق البقالين، والسوق الكبير،مرتديا دشداشته مفتوحة الجيب دائما ،أظنُ أن عليا كان يساهم في كسب عيش العائلة، من خلال عمله بنقل هذه الحمولة وتلك. لعلي أخت أكبر منه يكثر تواجدها أيضا في نفس الامكنة.

لم يكن علي وناس محظوظا في المدرسة، فلم تشفع لعلي موهبته في القص، ولا نجاحه المتوسط بالدروس وقاه من سوء حظه، فقد ناصبه الاستاذ عبد الحسين شويلية عداءا لم نفهم دوافعه، فكان درس الاستاذ للصف ساحة تعذيب، وأرض معركة يخوض فيها القتال جانب واحد ، بينما على الجانب الضعيف أن يتلقى الضرب المبرح دون إعتراض.

الغريب أن التلميذ الصغير لم يبك، كانت عيناه تتسعان بفعل الغضب وتقاطيع وجهه تتصلب، وربما حسب الملعم ردة الفعل هذه تحديا فيواصل ضربه، واكثر من مرة حمله ورماه نحو السبورة، ليقوم علي وناس من فوق الارض دون أن ينطق حرفا. يبدو ان علي سأم المعاملة المجحفة ، فلم يعد معنا في الصف الرابع. بات يتواجد أكثر في الشارع. وبما أن رأسي مثل بقية رؤوس تلاميذ الصف نبتت فيه اسئلة متشابهة لم تجد جوابا،عن سبب يجعل زميلنا ينال كل ذلك الضرب لم يكن بيدنا غير تعاطف مكبوت معه. . ولسنوات خطر ببالي تساؤل: هل لأخته التي أراها في السوق دورا بخلق هذا العداء؟

تُرى لو واصل علي وناس حكاياته وصاغها على الورق أيمكن أن يصبح في مكتباتنا "الف حكاية وحكاية " بجانب " الف ليلة وليلة".
 




 


 

free web counter