| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

                                                                                  الجمعة 26/4/ 2013

 

اوراق متناثرة من الحلة (2)

الطريق الى الشرقية الابتدائية

عماد خليل بِله

يبدو ان الورقة الاولى اخذتها الريح بعيدا عمن يهوى قراءة الذكريات ، فقط رسالة واحدة جاءتني من السويد حيث يوجد عراقي في المنفى يموت هوى بالحلة هو استاذي العزيز مدرسنا لمادة الاحياء في ثانوية الفيحاء لسنوات الاستاذ فاضل فرج االذي مشكورا كتب لي بان صاحب مكتبة الرشاد هو السيد عبد الجليل الناصر. لو ذهبت لشراء القرطاسية من مكتبة الرشاد لأن اسعار البيع عندها اقل مما في المكتبات الاخرى، ولان صاحبها ذو الملامح الطيبة الهاديء يتعامل مع الزبون بغض النظر عن عمره باحترام وأبوية، تجد ان الاستاذ عبد الجليل الناصر مرتديا بدلة (طقم) بصورة دائمة وهويجلس على كرسيه قريبا من نافذة البيع فالمكتبة عبارة عن دكان صغير. وفي احيان كثيرة يتواجد معه ابنه.

أستمر محل حلاقة أسماعيل كاظم بله لفترة قصيرة بعد انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963 فقد نشط ميليشيا الحرس القومي المنظمة الارهابية لاحزاب السلطة القومية بقيادة عبد السلام عارف الذي أطلق عليه العراقيون تسمية حجي مشن. وكان من ابرز ممثلي النظام القمعي الجديد الضابط علي وتوت ويعرف عنه عناده بمطاردة من عارض السلطة ومن وقف مع قائد ثورة تموز الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ومع رجالها المخلصون، اصبح عمي اسماعيل واحد من الضحايا الذين ألح السيد علي وتوت على قنصهم ، فما كان من عمي بعد ان اغلق المحل لفترة الا ان هرب الى بغداد ليبدأ حياة جديدة فيها. وقبل ان اعود بكم لتصفح اوراق الشرقية الابتدائية للبنين اجد نفسي ملزما بذكر حادثتين وقعت لي خلال عملي بمحل الحلاقة ذاك لما فيهما من نادرة. أصرت ذاكرتي على توثيق الحدثين بوضوح أعجز ممحاة الايام من طمسهما.

في وقت مقتطع من جولته اليومية المعتادة في شوارع المدينة يوقف بائع الباقلاء وخيار حامض عربته ذات اللون الاخضر الحائل الى لون حائل بين البني والرمادي من أثر جريان ماء الباقلاء المغلي والهارب من قدر الباقلاء الى سطح وجدران العربة، ومن اثر نار البريمز تحت القدر. تقف العربة مقابل الدكان عند جدار متوسطة الحلة للبنين وأمام لوحة اعلان سينما الفرات المركونة على الجدار، بمواجهة محل الحلاقة، ويقف صاحبها ينادي معلنا عن بضاعته. حدث ذات يوم ان طلب احد الزبائن الدائمين ان اجلب له كاسة باقلاء، فخرجت راكضا نحو العربة، وحين توسطت الشارع جاءتني ضربة على جانب رأسي الايمن رمتني ارضا. حين فتحت عيني متحسسا رأسي الحار وأنا ممدد وسط الشارع تابعت بعين دامعة دمي يسيل على الاسفلت، ركض عمي ومن في الدكان ومن في الشارع ليتم نقلي بواسطة ربل الى المستشفى، و غرز المضمد بضعة غرزات تحولت الى علامة فارقة في الجهة اليمنى من رأسي ترافقني منذ زمن الحادث، وأخبروني أن الضربة نتجت عن اصطدام بدراجة هوائية كان راكبها يتسابق مع دراجة ثانية، وهرب ابن الحلال. في عصرية اليوم التالي ورأسي ملفوف بالشاش الابيض كنت في الدار أشغل أسناني بقضم قطع الرقي حين جاء صوت عمي طه مناديا " عماد تعال بسرعة"، أسرعت الى باب الدار حيث كان يقف في العقد وبجانبه صديقه المقرب وزميله في الدراسة ابن محلة الكَلج شاكر محمود العكام ، أخذ شاكر ينظر الى رأسي وهو يضحك بخجل. بادر عمي طه بالقول موجها السؤال الي: أتعرف من هذا؟ اجبت بالطبع. فضحك كليهما، ليتابع عمي القول: هذا من صدمك بالدراجة البارحة، فقفزت نحوه ماسكا دشداشته محاولا الانتقام وهو يضحك ويقبلني. دفعني عمي عنوة لداخل البيت وانا اعيط.

لم يكفي باعة السمك بممارسة المهنة داخل بناية علوة السمك فهم يفترشون الارض الخالية عند النهر والممتدة بين نهاية مقهى ابو سراج وحتى شريعة السنية حيث بلم ابو سهيل. بعد انتهاء ساعات التسوق يغادر باعة السمك مخلفين نفاياتهم من فضلات الاسماك التي تتحول تحت اشعة الشمس الحارقة صيفا الى جيفة ومرتع للزبابير ومحل تبول وتغوط للمضطر، اذ لم تكن ثقافتنا الاجتماعية تسمح بوجود مرافق صحية عمومية. وقد ساهمت بحصتي في التبول هناك حتى توبني ذاك اللعين. فقد جاء يوم ظن دبور وهو على خطأ اني منافس له على غنيمة من نفايات السمك ولم لا يكون حسبني غنيمة، فدون سابق حديث ، وبدون مقدمة او سؤال شن هجومه عليَ وانا أتبول، ففي ذاك العهد لم تكن مفاهيم الديمقراطية قد تسربت الى العراق. حاولت صده بتغيير اتجاه قذفي للبول فتبعني وكأنه شمر، رششت البول عليه فما تراجع، بل زادت فعاليته. كان عنيدا وكأنه يطلب ثأرا فازداد شراسة حين فعلت ذلك فخاتلني. ماعدت اراه ، فواصلت مهمتي، لكن اللعين كمن لا اعرف اين، حتى جاء كقذيفة موجهة واذا بيَ اصيح الاه. تمكن مني في الخصيتين، مسكت مكان الاصابة بيد وانا اهرول للمحل. فقال عمي اذهب للبيت ، وفي البيت لم ينفع علاج من وضع ثلج الى العصر والتدليك. وكان عليَ ولعدة أيام أن أمشي ساحبا دشداشتي نحو الامام كما يفعل الفتى المختون حديثا، وحصلت بالمناسبة على تهاني مَنْ يعرفني اذ يبتسم ويقول: "مبروك طهورك الثاني". لكن شياحيف كان طهور بلا زفة.
 

April 2013


 


 

free web counter