| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

الجمعة 24/4/ 2009



عرباين ذاك الصوب

عماد خليل بِله

مهداة الى ابن الحلة د. عدنان الظاهر
حفزني مقال الدكتور الفاضل عدنان الظاهر حول عرباين الحلة ، وقد وجدت اني لربما كوني من جيل تلا جيله من ابناء المدينة الحبيبة لنا قد عرفت عرباين اخرى غير ماذكر لذا وددت ان اظيف ما علق بذاكرتي ، وأهديه له. ولنبدأ بمرح حلاوي ، استاذنا المحترم دكتور عدنان الظاهر نقول لك ان عرباينك اقتصرت على عرباين ذاك الصوب، وان هذا الصوب، صوبنا الصغير كدت فيه عرباين اخرى قد تجدها ايضا في اطراف الصوب الكبير خاصة حول منطقة الجبل.

نتناول في سطورنا عرباين الحلة خلال فترة الستينات وسبعينات القرن العشرين، وعددها مهما كثر فهي ليست بكثيرة، و ليس كما الان صارت بالمئات بسبب البطالة التي دفعت الشباب للبحث عن باب رزق في الزمن الصعب. وتراها في كل مكان باقامة دائمة لاسيما على امتداد الشارع الرئيس للمدينة بداية من امام بناية البلدية ( موقع مديرية الري سابقا) وحتى باب المشهد.

سأترك عربة الربل فقد تناولتها في موضوع سابق نشر قبل سنة بعنوان ( يوم الطبك بالغربة). زمان في خمسينيات وستينيات القرن العشرين وأنا اقف عند مدخل الدهديوة (السوق الشعبي الرئيس في مركز الحلة للخضار والفواكه) لأشاهد على جانبيه عربانتين غارقتين بالاقمشة ، و يتحرك رجلان قصيران حولهما قياما وقعودا كأنهما يمارسان حركات رياضية من نوع التمارين السويدية مع استخدام قضيب معدني ومقص بجانب القماش ، احدهما السيد شهيد او ابو شهيد، والاخر -ولست متأكدا- ابو ضياء. خصوصيتهما انهما بزازان لكن ليس في "سوق التجار" - يسمى سوق البزازين او القماشيين في الحلة ب " سوق التجار" - شاهدت النساء وقد ازدحمت متجمعة حولهما عدة ايام بعد ثورة 14 تموز للحصول على قطعة قماش كانت موضة ثياب النساء تلك الايام ، والقماش هو لوحة من بقع حمراء صغيرة تذكرك الواحدة بنقطة دم ، تنتشر بين نقاط بيضاء مساوية لها بالحجم ، اطلق الناس على القماش اسم " دم الشهيد" . هاتان العربتان تشبهان عرباين البقالين شكلا وحجما مع وجود المدرج الذي يشكل مخزن وضع القماش عند الاغلاق، لكن تختلف بوجود عمودين في الوسط يربطهما عمود اخر لتشكيل حمالة تعليق للقماش.

خطوة واحدة نحو الداخل لأجد وقد تجمعت مساءا على يمين المدخل مجموعة عرباين بيت حنبوز لنقل الحمولات المتوسطة الثقل باستخدام الدفع العضلي البشري. تتكون العربانة من مسطح خشبي مستطيل بطول يقارب مترين ونصق وعرض متر وربع ، يثبت في احدى نهايتي المستطيل العرضية لوحان بطول مترونصف المتر للوح يمتدان خارج المستطيل ليربطهما لوح اخر في النهاية، وبذا تشكل الالواح الثلاثة مقود العربة، ويكون موضع هذا المقود بزاوية تقريبية مقدارها خمسة وعشرين درجة مع الخط الوهمي لامتداد المستطيل الخشبي، وتسير العربانة على عجلتين جانبيتين قطر الواحدة نصف متر، مصنوعة من الفولاذ المؤطر بشريط سميك من مطاط صلب غير هوائي، وموضعهما خارج مستطيل العربانة وعند وسطه ، يُركبان على نهايتي محور من الحديد ( دنكير) يمر تحت حوض العربانةعند الوسط ويثبت بالحوض باشرطة معدنية بواسطة المسامير( قفايص) . العرباين وعائلة ( حنبوز) امتهنت الحمالة اضافة لتأجير العربانات، حيث كان الجد واولاده مفتولي العضلات. وحين كنت صغيرا كان الجد هو السيد " حمزة حنبوز" وابنيه سلمان وابو صلاح ،واثنين من احفاده هما السيدان " صلاح وصبحي" و كنا نلعب معا لتقارب اعمارنا في اوقات العصر حين تكون الدهديوة فارغة من المتسوقين الا انفارا. كانت هذه العرباين تستخدم في نقل البضاعة، صباحا من علوة المخضر التي كان مكانها في نهاية محلة الجامعين وبداية باب المشهد، ومساءا من سيارة " سيد نوري" التي اشتراها السيد " جبار" والتي تأتي الى محلنا في الدهديوة من بغداد مساء كل يوم محملة بالفاكهة التي لا تنتتج في الحلة ونواحيها وبجبن الاكراد ، الى محلات بقالة المفرد. كما استخدمت في نقل الاثاث الى البيوت وبينها. وتختلف عرباين " حنبوز" عن عرباين البقالين لاختلاف الغرض.
عند بداية سوق التجار ووسط الشارع وامام مطعم ضايع الكببجي من جهة والمقهى من الجهة الثانية كانت عربة لرجل من اهل محلة الوردية يبيع صباحا ( باقلة ودهن).

وللبقالين عرباين بتصميمين، الاول عبارة عن حوض خشبي طوله اقل من المترين وعرضه بين متر وربع المتر ومتر ونصف المتر ( 1.25-1.5 ) م .وجدران الحوض قد يصل ارتفاعها ( 15-20) سنتمتر.اما مقود العربة المتكون من ثلاثة الواح خشب كما هو الحال في عرباين بيت حنبوز الا ان ذراعي المقود اقصر، لها طول يقدر متر وربع المتر للذراع، وزاوية موضعها مع الخط الوهمي لامتداد الحوض ( 90) درجة. وللعربة ثلاثة عجلات متساوية القطر والذي قد يصل قياسه ثلاثين سنتمترا. في مقدمة العربة محصورة بين خشبتين سميكتين تبرزان قليلا خارج جسم العربة تتموضع العجلة الامامية. وعلى جانبي المحور ( دنكير) في الربع الاخير من العربة في موقع يحفظ توازنها تربط العجلتين الاخريين. وبهذا يكتفي احد النوعين، وهو يستخدم عامة لبيع الفواكه والخضار الفرط، وعادة نوع واحد من الخضار او الفواكه تنثر في ساحة الحوض مثل الرمان و البرتقال و التفاح و الطماطة والجزر والبصل وغيرها كل لوحده. اما النوع الاخر من عرباين البقالين فهو بنفس قياسات النوع الاول مع اضافة فوق الحوض عبارة عن مدرج من الخشب ارتفاع درجته الواحدة يقارب خمسة وثلاثين سنتمترا، أوطؤها في مقدمة العربة ، وترتفع بذلك اربعة او خمسة درجات. يشغل المدرج عرض العربانة، وفوق المدرج ترصف سلال الفواكه على المدرجات ، فترى سلال الكوجة بألوانها المتعددة بين الاسود والاخضر والوردي والاصفر، وانواع التمر الخستاوي والبربن والمكتوم ، والعنب بانواعه الخليلي وديس العنز والعجيمي وبيض الحمام، والخوخ الاصفر والصوفي ،والاجاص ونومي الحلو واللالنكي ، والتفاح اللبناني بنوعيه الاصفر الكولدن والاحمر الكرستال، والكستناء والبلوط وطيبات اخرى، كل بموسمه. هذه العربانة يتشكل لها تحت المدرج ما يمكن تسميته مستودع صغير غالبا ما تحفظ فيه الميزان واثقال الوزن واكياس ورقية بمختلف الاحجام لتعبئة البضاعة و" سفرطاس الاكل" .

اعتاد البقالون بعد قيلولة الظهر اي بين وقت العصر وحتى بداية الليل التواجد بعرباينهم المحملة بطيبات ما رزق سبحانه في الساحة الرئيسية لمركز مدينة الحلة قريبا من مركز الشرطة القديم مصفوفة بجانب بعضها امام محلات الرجل المرح والضاحك دائما السيد عبد الغني العطار التي اختفت الان مع حملة التغيير المعماري الذي شوه مركز المدينة بداية منذ ثمانينيات القرن العشرين ، وعادة ما تقضي هذه العرباين السويعات الاولى من عصرية اليوم متجمعة امام بناية مصرف الرافدين حتى الغروب لتنتقل امام محلات العطار. ولقد كان بين البقالين قانون عرفي يحفظ لكل منهم موقعه، ولم يكن يمارس البيع المسائي الا بائعي الفواكه وبائعي الجبن، اما باعة الخضروات فيقتصر عملهم منذ الصباح الباكر وحتى بعيد الظهر محصورا في الدهديوة او دكاكين او بسطات معدودة ومتناثرة في مناطق الحلة المختلفة، مثل تواجد عربانة او اثنتين في كل من منطقتي باب المشهد و باب الحسين. كان الحاج خليل بِله يمتلك اكثر من عربانة من كلا النوعين، ويمكن اعتباره مدرسة في المهنة ، فلقد بدأ الشغل لديه العديد ممن تعلم البقالة كمهنة دائمة او مصدر رزق لفترة من حياته قبل ان ينتقل لعمل اخر. وهو شخصيا كانت له عربانة ذات مدرج تقف في مكان مخصص في تلك الساحة وكثيرا ما كنت ادفعها من الدكان الى ذاك الموقف ، اثناء قضاءه القيلولة ( فنومة الظهر مهمة جدا لامثاله من الكسبة الذين يخرجون قبيل الفجر للعلوة لشراء رزقهم). كما تُوقَف العربانة احيانا امام محل السيد سعيد العطار بجانب محلات السيد عبد الهادي الماشطة والاخيرة يمكن بحساب ذلك الزمان تستحق وصف " اسواق". ((فقد امتلكت ديكورا جميلا من حيث التصميم والالوان والنظافة ميزها عن بقية المحلات، وفيها بضاعة لاتجدها في المحلات الاخرى ، كانت هذه المحلات اشبه بمحلات مدينة المنصور في بغداد. كان السيد عبد الهادي الماشطة ذو وجه جاد وقليل الكلام، ولربما محله كان اول محل يبيع الحليب المعقم، كان الحليب المطعم بالموز يثير الشهية ، وخاصة القنينة الصغيرة بسعر خمسة وعشرين فلس، اذ كثير ما اسرعت الى هذا الدكان لشراءها والتمتع بما حوته. وقد تأثرت حين رايت المحلات فارغة بعد عودتي من المنفى وعتبت على اولاد الماشطة، ووعد من تكلم معي ان يعيدها الى ايام عزها.))

تقف العربانة في ذلك المكان امام دكان السيد سعيد العطار الذي يلبس " فينة" حمراء اللون ، وهو رجل حاد المزاج،ووكيل توزيع سكائر ماركة " التركي" التي اصبح بعد ثورة 14 تموز تسمى سكائر " الاهلية" ، ولاحقا سُميت " جمهورية". كان السيد يغلق دكانه قبيل المغرب. هذا الموقع هو سبب علاقة ايجابية لم اعرف مبررها مع اشهر واظرف بخيل في الحلة المرحوم " طاهر البيراوي". كان البيراوي يعاملني بمحبة ويعطيني " ملبساية"عندما اشتري منه رغم بخله، واكتشفت السر لاحقا وهو يرتبط بالعربانة، قص ابي الحدث حين سألته مستغربا عن السبب، وقال: ذات يوم حوصر البيراوي زمنيا اذ كانت شرطة الجمارك تحث الخطى نحو دكانه ، وان " كبسة" ستقع. ولول البيراوي في حيرة وترك محله متجها الى الشارع ينبش عن مخبأ للسكائر المهربة من ماركتي الروثمان والكريفن، ولما توقف دوران عينيه على وجه ابي ، كان الاخير ينتظر ردا على تساؤله/ مابه ابو عباس يدور كمن قرصته عقربة/ . واسرع البيراوي الحذق وافضى بسر حركته الى ابي عماد، وركض كليهما الى دكان البيراوي. رجعت دورية الشرطة كما جاءت خفيفة الحمل، فالوشاية لم يؤكدها وجود مهربات. لقد استلقت علب( كروصات) السكائرمتكومة في المخزن الصغير للعربانة. وللسيد طاهر البيراوي ابن بصير حاد الذكاء اطال الله عمره وهو واولاده يديرون نفس المحل حاليا،كان يعرف الناس باصواتهم. تستحق حكاية المرحوم طاهر البيراوي وابنه هذا ان يُبادر الى يتناولها.

في فترات اخرى كان لعربانة ابي موقف عند مدخل السوق المسقوف الكبير وامام محل المرحوم علي الحاج حسين السباك. هذا الرجل رغم ثرائه كان كتلة من الطيبة والنزاهة والسلم، متواضعا حميميا في علاقاته وهادئا. كان يقدر نشاطي المدرسي ، ويشجعني، بل يتفاخر بي . لم تفارق ذاكرتي بشاشة الفرح على وجهه السمح حين قُبلت في كلية الهندسة. ونشأت علاقة صداقة واثقة من قواعدها ، زادتها محبة سنوات غربتي الطويلة ، مع ابنائه الكرام الاصدقاء الاعزاء المهندس الزراعي محمد حسين ، صاحب مكتبة الدار الوطنية، والكيمياوي حسن ، والاقتصادي رياض ويعمل الاخيران معا في التجارة، وعلاقتي مميزة بالعزيز رياض ، ابو علي، فالثقة وتقدير الرأي عميقة بعمق تكوين الشباب وبداية الوعي. حين عدت الى الحلة بعد منفى تجاوز الربع قرن من الزمن ، توجهت الى المحل بحثا عن حنية صاحبه ، لأرى شخصا يشبه المرحوم علي الحاج حسين في ملامح الوجه، وشكل الشوارب ، لكنه يمتلك جسما اكبر حجما. وقلت لنفسي : هو رياض. وقبل ان تتحرك شفتاي وانا ادفع قدمي في زحمة المتسوقين صاح بي صوته: " عماد بِله". لم ينس احدُنا شكل احدِنا رغم الغياب.

حدث تطورا جديدا في استعمال عربانة البقالة نوع عديم المدرج ، من ابداع باعة السمك. فقد وجدت عند عودتي للوطن بعد تحرره من الدكتاتورية القمعية،ان باعة السمك قاموا بوضع غطاء سميك من المشمع بحوض العربانة لتتحول الى حوض يُملأ بالماء ويعرض فيه السمك. وهذا التحديث لجا اليه هؤلاء الكسبة ليكونوا في باحة السوق، لان الموضع الحالي لعلوة السمك عند نهاية محلة الطاق وبداية محلة الشاوي قرب معمل الكوكا كولا بعيد عن السوق الرئيسي ولا يتوجه اليها الكثير من المشترين.

أما عرباين الدوندرمة والشلغم واللبلبي التي تتجمع عادة امام ابواب المدارس الابتدائية اثناء الفرصة وعند انتهاء الدوام. وواحدتها مكونة من صندوق مكعب في وسطه فتحة تسع لوضع قدر الشلغم واللبلبي او اسطوانتي الدوندرمة بحيث لايبق من القدر او الاسطوانة ظاهرا للعيان الا قليلا . وللعربانة ذراع دفع قصيرة ، وداخل الصندوق تحت القدر يوضع مصدر التسخين وهو" البريمز" ذو الذراع الانبوبة الطويلة. وعربانة الدوندرمة لها اسطوانتين الخارجية اكبر قطرا من الثانية التي توضع بداخلها ويملء الفراغ بالثلج ويوضع فوق الثلج الملح لتقليل سرعة ذوبانه، وعادة تكون الاسطوانة الداخلية مصنعة من النحاس، توضع فيها الدوندرمة او مادتها العصيرية ، وتلف الاسطوانة الكبيرة بقطع القماش او الكواني كمادة عازلة تساعد ايضا بحفظ الثلج. واحدة من انواع الدوندرمة يطلق عليها اسم " سلكو" وهي عبارة عن عصير ملون يتم تجميده بوضعه في الاسطوانة الصغيرة ويتم تدويرها مع وعكس عقرب الساعة نصف دورة باستخدام القوة العضلية للصانع حتى يتجمد العصير متحولا الى دوندرمة او كما كنا سميها دوردرمة. لهذه العربانة ثلاثة عجلات صغيرة القطر كما حال عرباين البقالين او عجلات مطاطية تشبه عجلات الدراجة الهوائية. ومن هذا النوع واحدة لرجل ( اعتذر عن نسيان الاسماء وياليت ان يرفدني مشكورا من يتذكره) ، ملتحي ، طيب الملامح ، قامته ذات الطول المعتدل قليلة الانحناء نحو الامام. يبيع صيفا منتج هو الوحيد المختص بتصنيعه، وهو عبارة عن خلطة من الشعرية وماء الورد و الثلج المفروم ، لذا كان على العربة فرامة لحم يدوية لفرم الثلج.

اما العربة ذات العجلات الصغيرة فكانت واحدة لكادح شريف اخر يبيع باقلة وخيار حامض وكان له نغمة صوتية خاصة بالاعلان عن بضاعته بصوت ممطوط" باكلة خيار حامض" كان يصل الى مركز المدينة عند الموقع المسائي للبقالين وقت الغروب. وفعلا كان الخيار الحامض لذيذا. ومن عرباين الصوب الكبير التي يلتم حولها تلاميذ وطلاب مدرسة حمورابي الابتدائية والرشاد الابتدائيو والمتوسطة المركزية هي وكما ذكرها الحلاوي العزيز المهندس زهير شمخي الجبوري : عربانة ابو السندو لبيع السندويتش عند مدخل شارع ابو القاسم، كلن ابو السندو يقول للزبون حين يف امامه " مخ لو لسان لو لحم، عمبة لو طرشي" ويحضر السندويتشة. اما العربانة الاخرى المعروفة لاؤلئك الطلاب فهي عربانة جودي ابو الدوردرمة.

أما عرباين بيع الاسكمو(ويسمونه البغادة – لكستك) ، وهي عبارة عن ثلاجات متنقلة تحوي في داخلها الاسكمو بانواعه ابو العودة ، والطابوكة، و الكلاو فقد كانت منتشرة قبل ظهور مثلجات ماركة الموطا التي اصبحت الاسم العراقي لكل انواع المثلجات. من الطبيعي تكثر مشاهدتها في الصيف الحار حيث موسم بيع هذه المثلجات. عادة لا يمتلك البائع العربانة وانما تمتلك الشركة المنتجة عدة عربانات وتشغل عاملين عليها. كانت اشهر واحدة تأتي محلة الكلج لصديق لعمي طه وزميله في الدراسة، للاسف لااتذكر اسمه الان ، ترك العمل حينما استأجر محلا في القيصرية الجديدة التي بنيت في الخسروية قريبا من بناية متوسطة بابل سابقة واعتقد الان يشغلها معهد اعداد المعلمات.

وفي الجانب الصغير تكثر عرباين عند الجسر حيث تتوقف في الساحة الباصات الخشبية التي تنقل الناس بين المدينة و الارياف المحيطة بها ، واشهرها عربانة صلال بائع الكبة المقلية. اما عربانة علي السيد فقد كانت اشهر عربانة دوندرمة في الصوب الصغير قبل ان ينتقل الى محل خاص به. وتحتل عربانة ذات تصميم خاص لكبر حجم صندوقها حيث يمكن اعتبارها عربانة ام طابقين، وهي وحيدة الشكل والعمل ، فهي لا تظهر في الشارع الا لبضعة ايام في السنة خلال ايام العيدين، وصاحبها واحد من اساتذة الخط العربي في الحلة هو سليم الخطاط، كان السيد سليم بطوله الفارع يقف امام عربته عند الشط قريبا من الجسر العتيق في محلته الكلج ايام العيد فنركض نحن الصغار الذين لا نقدرعلى دخول السينما لندفع له خمسة فلوس وليسمح للواحد ان ينظر من ثقب في صندوق العربة، فيرى فلما سينمائيا لا يتجاوزالدقيقة، اتذكر فلما فيه يخرج رجل العصابة من البار فتستقبله العصابة العدو بزخات من الرصاص فتصيبه، لكنه يتمكن من تصيدهم قبل الموت. وينتهي فلم بسعر خمسة فلوس.

عرباين الطلاب: في الصيف يبحث بعض الطلاب على عمل بدلا من قضاء الوقت كله باللعب ويعتبر الامر عصامية وجدية من قبل الفتى . وعربانة الطالب هي صندوق خشبي عميق نسبيا وكثيرا ما يستعمل صندوق شاي سيلان لبنائها ، ولها ثلثة عجلات من ( جروخ الصجم) وهي دواليب تسمى عراقيا( بولبرين- وانكليزيا .Ball Bearing) واحدة في المقدمة واثنان جانبيان. يشتغل صاحب العربة بالحمالة لنقل الخضار والرقي والبطيخ خاصة ويستأجرهم الناس لرخص الاجرة.

ذكر استاذنا الكريم الظاهر العربة التي يجرها حصان واحد وهي تعمل اساسا بنقل اكياس السكر والطحين وصناديق الشاي بين محلات الجملة والدكاكين. واشهر صاحب عربة من هذا النوع على ايام جيلنا السيد نوري، والذي كان مختصا بنقل البضاعة من مخزن الشركة التي كان مقرها سابع او ثامن محل في السوق الكبير بجانب محل السادة بياعو الكرزات ،وعلى واجهة المحل كبيرة بخط عربي جميل تعلن عن اسم الشركة الذي ينتهي بالحروف( ذم م ) وكان معنى هذه الحروف يشغلني وانا في المدرسة الابتدائية حتى مررت بهاذات يوم مع ابن محلتي الذي يسبقني بسنة دراسية المرحوم جبار عكار الذي فاوضح ان معناها ( ذات مسؤولية محدودة). كان نوري يستخدم عربانته ذات الحصان في الاعياد لنقل الاطفال بين موقع المراجيح عند ( عكد النهر) الى موقع جسر بيلي الحالي، وحيث كانت وسيلة العبور بلم باجرة خمسة فلوس، في نهاية محلة الوردية جهة النهر ويعود بهم الى موقع العيد مقابل خمسة او عشرة فلوس للمتنزه الواحد .

هناك نوع اخر ذو علاقة بحياة عائلتي. هي عربانات نقل كبيرة كانت سائدة الاستعمال قبل دخول سيارات الحمل والبيك اب الى سوق النقل. ذلك النوع ايضا يتكون من مستطيل خشبي لكن طوله قد يصل خمسة امتار وعرضه يقارب المترين ولها اربعة عجلات من اطارات السيارات الكبيرة اثنتان في المقدمة واثنتان في المؤخرة مركبتان على تركيب من الحديد يحمل المستطيل ، ويجر العربة اربعة احصنة. تستخدم عادة للنقل الثقيل والكمي وتعمل بين الاسياف التي تستخدم كمخازن كبيرة و المنتشرة في سوق العمار وهو السوق المسقوف للصوب الصغير وكما تستخدم بين المخازن في منطقة الجبل، يُسمي اهل الحلة هذه العربة " بلشقة". ذات يوم ولم ازل صغيرا وكنا نسكن محلة الكلج على كتف السوق ملأ العويل بيتنا الصغير فقد مات اخي اياد الذي يليني بتسلسله في العائلة. كبرت وعرفت ان اخي مات مدهوسا بواحدة من عربات البلشقة. كان ذاهبا لشراء شيئا من محل زهير العطار عند مدخل السوق. هاجت الاحصنة فجأة وتراجعت البلشقة مع صهيل جيادها ومرت فوق اخي لتصادر حياته. لم يقم ابي بدعوة ضد صاحب العربانة ولم يطالبه بشيئ فقد اعتبر ذلك قضاءا وقدرا. وحمد الله على قسمته.

 

free web counter