| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

                                                                                  الأثنين 22/4/ 2013

 

اوراق متناثرة من الحلة (1)

الطريق الى الشرقية الابتدائية

عماد خليل بِله

مقدمة :

صدفة وجد الصديق الغالي الدكتور عباس ديكَان درويش خلال حواره معي إنا نغوص في ماضي ايام المدرسة الشرقية الابتدائية دون تنسيق مسبق كنوع من حنين و نكوص يشمله تعريف نوستالجيا. نعم صديقي العزيز نحن نهرب من حاضرنا المر الى ايامنا الجميلة، لأنا فشلنا في ان نحيل الحلم بتحويل الشتلات التي أينعت وقت طفولتنا مبشرة بمستقبل حضاري الى نخلات وارفة تضلل عراقنا ليستظل اهلنا مؤسسات مجتمع متحضر المواطنة والعدل والمساواة اساس العلاقة بين مكوناته، فشلنا في تحويل نموذج الشرقية الابتدائية التي جمعت تنوعنا الى ساحة الوطن. ليس الوقت الان للحديث عن الاسباب لتزاحمها. نحن بحاجة ياصديقي الى ايام جميلة في عمر "يتشلبه" على الستين ولم يعرف غير الاضطهاد والقمع الدائمين ومحدودية من ايام يعتد بها، نعم ياعباسلطون واقعنا المر لايمنحنا عيشة كرامة نستنجد بالماضي ففيه جذور حضارة ومدنية وإلفة وقبول بالمختلف، وايضا ليعرف الجيل القادم الذي يُدين تخلفنا بان من سبقهم قد حاول، كانت هناك شُجيرات للتقدم اوقف نموها جهل وتخلف وعنجهية سلطات. راودتني فكرة الكتابة عن مدرستنا الشرقية الابتدائية للبنين منذ 2004 حين عدت للعراق ورأيت انه لم يبقى من بنايتها غير غرفة يتيمة خربة والتي كانت ذات يوم اجمل غرف المدرسة وكيف لا وهي غرفة المدير ووجدت مع مرور السنين انا شبيهان ، فالشرقية وانا ليس لنا في العراق غير ذكريات لاتعني احدا ووريقات متربة على رفوف. ارى تهديم المدرسة الشرقية الابتدائية جريمة بحق تراث الحلة وتاريخها التعليمي حيث الشرقية اول مدرسة انشأت بالمدينة ،وكان واجبا ان يحافظ على البناية كمعلم تراث." بس العتب على الهنود" وعديم النظر الذي اختار موقع الجسر في حين ارى المكان الانسب للجسر في الموقع بين محلة كريطعة ومنطقة الشاوي عند معمل الكوكا كولا حيث لا كثافة سكنية ولا تزاحم وللتواصل مع توسع المدينة لولا ان يكون هناك اسباب اخرى. هذه السطور وما يليها لاحقا ان سمح العمر مهداة للصديقين الغاليين من ابناء المدرسة الشرقية الابتدائية في الحلة : الدكتور صباح المرزوك والدكتور عباس ديكَان درويش، وهي دعوة خاصة لهما لتصحيح ما ورد من خطأ وللمساهمة في استذكار وتوثيق التأريخ وصباح خاصة فهو المختص.(بين السطور ستكون هناك فراغات اسقطتها محاية الزمن من ورقة الذاكرة اضافتها تكمل الصورة). وهذا المحي يجعل الكتابة بالموضوع صور ملتقطة وليس تفصيلا زمنيا لذا اعتذر عن عدم ذكر وقائع ، وعن تداخل زمني لاحداث ان وجد، فزمن بعضها يعود لخمسين عاما. وسيكون الموضوع مملا للبعض لاحتوائه توثيقا وصفيا لنسميه جغرافيا لبعض اجزاء المدينة. اراه ضروري لان كثير من الاماكن اختفت او تغيرت معالمها. في البداية نتجول في الحلة مستذكرين الظروف التي قادتني لاكون واحدا من ابناء المدرسة الشرقية الابتدائية ( لا يطلع واحد ويكول الشرقية الفضائية). جرت العادة ان يلتحق ابناء المحلة بالمدرسة الواقعة في منطقتهم او قريبا منها، وعليه يلتحق ابناء محلتي الكَلج وكَريطعة ( كاف معجمة بالكلمتين) بمدرسة الفيحاء الابتدائية للبنين واطلالها ربما قائمة في موقعها على الشارع المحاذي للشط قرب محلة كريطعة، ويذهب ابناء محلتي الوردية والخسروية الى المدرسة العدنانية الابتدائية للبنين والتي تقع بنايتها في اخر الخسروية.

تبدأ الحكاية من سوق العمار الممتد على لسان الجسر الصغير في مدينة الحلة كسوق مركزي للجانب الصغير. يبتدأ السوق عند يمينه من دكان زهير ابو عمران وبُرير ابو عباس وعند يساره من دكان ابو سليم بائع الثلج لينتهي في منطقة النزيزة عند دكان عطارة هادي الحسون على اليمين لتقابله ساحة تقف فيها السيارات القادمة من الريف. ولم تكن مطحنة القمح ودكان سباهي الذي خرج من رحمها جزءا من السوق حينها فهما خارج السقف. وسباهي فلاح نزح للمدينة في بداية الستينات من القرن العشرين ليبدأ مشواره كعطار صغير. كانت ارض وبناء المطحنة وبعض دكاكين حولها تعود الى الاوقاف بعد ان وهبتها جدتنا الكبيرة الحاجة فضيلة. عند المدخل الاول لمحلة الكَلج من السوق تقع مقهى ابراهيم العكري التي صفت بعد وفاته لكاظم العريان، ومقابل المدخل يقع دكان الشيخ علي المزين " ابو احمد" محصورا بين دكان بائع الطحين هادي العبود ابو سليم ودكان عطارة يحيى البربن ابو جعفر. الشيخ علي الحلاق الابرز في السوق رجل حسم أمره بالايمان الصادق والتمثل بمن سُميَ على اسمه مما حباه وجها يطفح بنور يبعث على الثقة والمحبة ، ومنحه ابتسامة مشرقة هالة تحببه لم التقاه، وياسرك جلال تواضعه. لايعرف السوء لسلوكه وقوله دربا وسكت مجبرا يوم اساء اليه قوميون عرب في 1963 وهو البعيد عن السياسة والمتاجرة بالدين. ما دخل في مشادة ليس خوفا وانما احتراما لذاته، ففرض احترام الجميع له. ومثل حلاقي ذاك الزمن، فهو الطبيب، وطبيب الاسنان وخاتن الاولاد وأنا مختون بموسه. بدأ اسماعيل كاظم بله حرفته وخبرته في محل حلاقة الشيخ علي متدربا فالمحل ساحة غنية للتعلم واكتساب الخبرة اذ تكثر رؤوس ابناء المحلة والمتسوقين من ابناء الريف المحيط بمركز مدينة الحلة. تراكضت بضع سنوات كلمح البصر ليجد اسماعيل بله انه إمتلك خبرة ومهارة كافيتين ليصبح حلاقا مستقلا.

وجد اسماعيل المحل المناسب في دكان يرتفع اربعة درجات عن مستوى الشارع الرئيسي للمدينة مقابل بوابة متوسطة الحلة للبنين، الواقعة مقابل سينما الفرات. كان ذلك قُبيل ثورة 14 تموز 1958 ، ولفترة كان اسماعيل جنديا يقضي خدمته في حامية الحلة العسكرية عند مدخل الحلة الشمالي مقابل محطة القطار، مما جعل عمله مقتصرا على ساعات المساء. بناية متوسطة الحلة للبنين التي سبقت الشرقية الابتدائية بالهدم لينحصر وجودها في صور باهتة لدى بعض طلابها كانت بناية مستطيلة الشكل جدرانها من الخارج مصبوغة باللون الابيض، البناية محاطة باربعة شوارع ، ويقابل ضلعاها القصيران من الجنوب بناية روضة الاطفال، ومن الشمال علوة السمك، بينما يطل الجدار الطويل للمستطيل على الشارع الخلفي المحاذي لمجرى شط الحلة، ويبقى الجدار الاخير مطلا على الشارع الرئيسي. وعلى هذا الجدار كانت ادارة سينما الفرات تضع بوسترات الدعاية لأفلامها، وتتكأ لوحة الدعاية الخشبية عليه بعد ان يعود بها حاملها وموزع المناشير من جولة الاعلان في شوارع المدينة مشيا على الاقدام مرة وركوبا في عربة " الربل" مرة اخرى. ويفصل محل الحلاقة عن مدخل سينما الفرات زقاق صغير يسبقه دكان جواد ابو اللبن وهو محل عطارة فقير بمحتوياته من بضاعة مقارنة بسعته. عُرف جواد ببيع اللبن البارد صيفا، ومنه اخذ لقبه. اعتاد باعة اللبن واكثرهم حينها من المتجولين بأن يحمل الواحد منهم سطلين، في واحدة يتموج اللبن وقطع الثلج ، وفي السطل الثانية ماء لغسل الكاسات بعد الاستعمال. اختلف جواد عنهم مبتدعا طريقة تمثلت بوضع اللبن في قناني المياه الغازية الفارغة وغلقها بفلينة، وان تذهب اليه لشراء قنينة كما تعودتُ سترى القناني ممدة وسط ماء مثلج في ثلاجة معدنية كبيرة عند مدخل الدكان. راى البعض ان طريقة تقديمه اللبن البارد افضل صحيا مما اتبعه الباعة المتجولون فازدهرت مبيعاته بين المتعلمين خاصة. جواد رجل مرح حلو المعشر، يحب الجلوس على دكة الدكان ويدخل في حوارات مع الزبائن و المارة ، احاديث تسللت الى اذنيَ مقاطع منها دون ان افهم عما تدور غير اسماء وكلمات كانت رائجة على ألسنة الناس انذاك منها عبد الكريم قاسم وجمال عبد الناصر وعفلق وأكرم الحوراني والحزب الشيوعي والقوميين والناصرين والبعثيين. يشترك مع جواد في الجلوس على الدكة ثلاثة اخوة ، اصغرهم يكبرني بسنتين، وهم ضياء وصفاء وصادق اولاد الحاج عبد الملك الساعاتي اذ تقطن العائلة الدار المقابلة لباب خروج جمهور "ابو اربعين" لسينما الفرات في الزقاق، ولكثرة تواجد الاخوة في الدكان حسبتهم كغيري بداية أنهم اقارب جواد. يلقب المرحوم عبد الملك الساعاتي بالعجمي لأصوله الايرانية وهو من بائعي ومصلحي الساعات المعروفين بالمدينة.

يقع محل عبد الملك عند مدخل سوق الهرج ، ويفصله دكانين عن مكتبة الرشاد لصاحبنها الاستاذ ...... الناصر ، بينما يقابله على الجهة الاخرى من الشارع محل وكالة سكائر غازي التي غير اسمها الى الاهلية ، ثم جمهوري بعد قيام الجمهورية العراقية، لتمنح اخيرا لقب سكائر بغداد، والتي كانت بداية كبقية السكائر العراقية بدون الفلتر الذي دخل الى صناعتها لاحقا. يقبع دكان وكالة السكائر في ركن زقاق خاص بنوعية محلاته التي تنحصر في الجهة اليمنى للزقاق هي جزء من بناية اسطة جابر. لاتمر امرأة فيه ابدا، و يتردد الشخص خاصة الصغير كثيرا قبل ان يتجاوزه ليكون شبه خالي من المارة. والمحلات هذه عبارة عن ملحقات بمحال بيع العرق والكحوليات المتمركزة في هذا المكان من المدينة. امام كل محل وعلى الرصيف تنتشر " طشوت" تسبح وتتكدس وسطها قناني الخمرة الفارغة ويجلس حولها عمال منهمكون بغسلها بالماء والصابونمستخدمين فرشاة ذات ذراع طويلة، ثم ترصف بالمقلوب داخل المحل على الارضية لتجف قبل اعادة تعبأتها. واذا وقفت عند وكالة السكائر تتابع المارة في الشارع الرئيسي يكون على يسارك اشهر محل لبيع الاثاث والذي تعلو واجهته لوحة خط عليها " محلات سومر للاثاث المنزلية" يمتلكها اويديرها الاخوة .... وهم من اصول ايرانية ايضا. وتنتصب عربة صغيرة شاغلة الجدار الصغير الفاصل بيم محلات سومر ووكالة السكائر، وضعت عليها صواني الحلويات يقف خلفها ابو سامي الاخ الفقير لاصحاب محلات سومر، ويعتاش من بيع الحلويات في هذا المكان شتاءا، بينما ينقل عربته خلال فصل الصيف ليحجز مكانا في رصيف مصرف الرافدين الذي تحول الى مجمع للباعة اصحاب العربات لفترة التسوق الصباحية ، مبدلا صواني البقلاوة والزلابية بعلبتين زجاجيتين كبيرتين ليبيع الشربت. بُني المصرف خلال عهد ثورة الرابع عشر من تموز، وكنا نحن جمع من صغار المدينة نقف من بعيد نشاهد البناء الشاهق بقيم زمانه وهو يرتفع بينما يكد عمال اخرون في انشاء حديقة ونافورة مزججة بالموزائيك الازرق قريبا منه لتكون فلكة. كنا ننتظر نهاية العمل يوميا لنسرع نلقط من الارض قطع الموزائيك اللامعة المتساقطة والمكسرة، ومن يحصل على بعضها " يشلع الى بيتهم" فرحا كي لايسرقها الاخرون منه. حين قرر ابو سامي مغادرة الحلة ليجرب حظه في بغداد كان اولاده سامي وعادل وستار زملاءنا في الصف الخامس الابتدائي في المدرسة الشرقية الابتدائية، فحمل عائلته ومهنته لينطلق من دكان صغير في شارع ابي نؤاس، ليصبح بعدها الشهير جبار ابو الشربت.أما عبد الملك الساعاتي فانتقل بعائلته الى دار في ارقى محلة سكن "حي بابل" في الشارع الواقع خلف منزل الدكتور عبد الغني البيرماني. وهنا يحضرني موقف جدي الكبير المرحوم عبد علي خلف حمادي وهو صاحب اللقب بِلَه فقد كانت بعض بساتينه تقع في الارض التي سُميت حي بابل. حين ارادت الحكومة استملاك البساتين لانشاء حي سكني حديث اعطت لمالكي البساتين الحق بان يحتفظ كل منهم بقطعين من الارض، لم يقبل الحاج عبد علي قائلا " اكو عاقل يترك محلة الكُلج بوسط الولاية ويروح يسكن الجول" واستلم تعويضا قدره 150 فلسا للمتر المربع. على اثر الحرب البعثصدامية الايرانية 1980 شملت حملة التهجير القسري عائلة الساعاتي عبد الملك. واعتقل ابن له بتهمة الانتماء لحزب الدعوة واستشهد تحت التعذيب أطنه ضياء. وما نفع الحاج ابو ضياء تمسكه بلبس الزي العربي، ولانفعه اصدقاءه العروبيون حيث كان محله مُلتقى لهم ، ومن ابرز اصدقاءه الاستاذ الانصاري مدير مصلحة نقل الركاب في الحلة، وهو والد الدكتور فاضل الانصاري الحاصل على دكتوراه من بلغاريا عن اطروحته حول جغرافية العراق والذي اصبح عضوا في القيادة القومية لتنظيم البعث في سورية خلال التسعينات من القرن العشرين بدعم من الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد وقيل لاحداث توازن مع العضو العراقي الاخر في القيادة الاستاذ فوزي الراوي. بينما هرب صادق من ايران الملالي ليقيم بدمشق ويتزوج هناك ويقطن حي الامين حارة تمركز شيعة دمشق، ويطلق عليهم اهل الشام (المتاولة) لموالاتهم الامام علي بن ابي طالب. ولم يوصفوا بشيعة قبل صعود الرئيس حافظ الاسد لسدة السلطة 1972. عمل ابو جعفر في مكتب المنظمات الشعبية العراقية التابع للقيادة القومية، وكان يردد الحلة كانت تُسمى موسكو الصغرى. يبدو ان الشيوعي جواد ابو اللبن لم يكن له تأثير فكري على الاخوة الثلاثة.

على الجهة الاخرى للمحل يوجد فندق... لايزال قائما للان يليه مقهى ابو جمال ، التي لم يقتصر روادها على ابناء محلتي الجامعين والطاق القريبة منها بل اتسمت بكونها مكان تجمع الناصريين والقوميين العرب من مختلف المحلات، لذلك مثلا ان اضعت ابن الكَلج العروبي الاستاذ عبد الاله عبد الوهاب هبة تجده هناك، كما حال اخيه الصغير الاستاذ سلام هبة. وبعد سينما الفرات تتلاصق بضعة محلات ليستدير الشارع عند صف من بيوت تميزت ببناء حديث استخدم فيه طابوق من الانتاج المحلي لمعمل طابوق الوجيه الحاج حسان مرجان، الذي مثل بداية الصناعة المحلية الحديثة وتميز بجودة انتاجه. وبهذا تختلف تلك البيوت عن بقية بيوت المدينة التي استخدم في بناءها طابوق الكورة او طابوق تمت سرقته من بقايا مدينة بابل الاثرية وبذلك ساهم جهلنا بتدمير تراث ورمز حضارة العالم. يتوسع الشارع هنا ليشكل ساحة سعيد الامين التي تقع المدرسة الشرقية في جهتها الاخرى. ثم يتواصل الشارع مارا بحسينية ابن طاووس مخترقا محلة الجامعين ليحط نهايته في ساحة باب المشهد، وهذا الجزء من الشارع يسمى شارع الامام علي. تعتبر البيوت المذكورة جزءا من محلة السنية. وكانت غرفها المطلة على الشارع محمولة باعمدة خرسانية ضخمة تنتصب على الشارع ، وهناك عمود يحمل لوحة تقول" موقف باص" و يحمل ايضا او يحمل عمود بجانبه لوحة اخرى كتب عليها " المحامي عماد سعيد الامين". في بيت كريم من هذه البيوت نشأ وتشبع بالروح الوطنية واحد من فخر رجال العراق. من القادة الشرفاء لثورة 14 تموز، انه الشهيد ماجد محمد أمين، مدعي عام محكمة الشعب. يُروى ان ماجد أعتقل وأعدم على اثر انقلاب 8 شباط الاسود على اثر وشاية من اخ زوجته المدعو محمد سعيد الصحاف. وعلى الجهة الاخرى من ساحة سعيد الامين تقع بداية محلة الطاق وفي مقدمتها مدرسة الشرقية الابتدائية للبنين التي هي امتداد لاول مدرسة نظامية أنشات بالحلة عام 1918 باسم المدرسة الاولية.

حين انتقل اسماعيل بله الى محله الجديد اصطحب معه ابن اخيه الذي لم يبلغ سن الدراسة بعد ليساعده وهكذا تركت محل الشيخ علي المزين منتقلا للمحل الجديد. كانت مهمتي في المحلين هي تنظيف ادوات الحلاقة ورفع الشعر المقصوص عن الارض بعد انتهاء تزيين الزبون، واجرتي بشكل عام هي البخشيش الذي يقدمه الزبون ، وازداد عما حصلت عليه في المحل السابق لكون الزبائن من ابناء المدينة والافندية. كانت العانة ذات قيمة ايام ما كانت عانة ثم زادها الزعيم فلسا لتصبح خمسة فلوس وقال الناس" عاش الزعيم الزود العانة فلس".

في بداية عهد الجمهورية العراقية ارتأت العائلة ان وقت التحاقي بعالم المدارس قد حل، وكُلف عمي اسماعيل بالمهمة، فأختار لي الشرقية الابتدائية. كان هناك فحص طبي وتقدير للعمر في مستوصف يقع في بيت قديم وكبير بقرب متوسطة الحلة للبنات بداية محلة الجامعين. في ذلك المستوصف قال الطبيب اني لم ابلغ سن الدراسة فما كان الا ان يتفق عمي مع اللجنة على تغيير سنة الميلاد واكون اكبر بسنة واحدة، وبدأت حياتي المدرسية مع اول سنة دراسية للجمهورية ، ووضع اسمي في الصف الاول الابتدائي "ب". ضمت الشرقية من ابناء الصوب الصغير كل من فوزي وجاسم من الخسروية، بيتهم في البستان المحاذي لسكة القطار مقابل بيوت الخسروية، ونهاد محيي علوش واخوه الاكبر من الخسروية ايضا، بينما من الكَلج كل من الاخوة علي وعماد وسعد ونمير اولاد حمزة العميدي، وعبد الحكيم وعبد الحليم نور شبر ، بالاضافة لي. كنت وعبد الحليم وعماد حمزة في مرحلة واحدة ، وعبد الحليم صديقي، لذا كان عليَ الذهاب صباح كل يوم الى بيت السيد نور شبر لأستعجاله وانتظاره لنذهب معا للمدرسة، فهو يتأخر في نومه وفي استعداده، يساعد في التأخير تزاحمه مع اخويه الاكبر عبد العظيم وعبدالحكيم التلميذان ايضا حول استخدام المغاسل. ولم يندر ان اقوم بمهمة ايقاضه. واصل حليم الدراسة معي حتى انهى المرحلة المتوسطة في ثانوية الفيحاء للبنين والتحق بالمدرسة الصناعية للجيش ليكون عريف مهني. اشهر مواقفه حدث يوم دراستنا في ثانوية الفيحاء للبنين في درس اللغة الانكليزية للاستاذ فاضل حسن وتوت وكان الدرس قصة (The Lady with The lamp) التي تتحدث عن دور فلورنس نايتنكل كممرضة اثناء الحرب لتعطي صورة عن اهمية العمل الانساني للتمريض ، يبدو ان عناية الانسة نايتنكل بالمرضى لم ترق للسيد عبد الحليم الذي يجلس على اخر مقعد في الصف فصاح " اذا هن الممرضات هسه ماشاء الله اكيد فلورنس وابذاك البلد ماقصرت" حدث ضحك واستنكار فضه صوت الجرس الذي انهى الحصة. وهو يشتهر الان ببيع القرطاسية ونماذج اسئلة الامتحانات.

في الشرقية الابتدائية كانت قاعة الصف الاول (ب) محصورة بين الصفين الاول أ والاول ج في جناح المدرسة الذي تنتهي غرفه بغرفة الرياضة. في ذلك الصف التم شمل مجموعة من التلاميذ بعضهم كبر معا وتواصلت علاقاتهم لسنوات تالية ساعدت على بقاء اسماء في الذاكرة منهم العزيز المتواصل معي عباس ديكَان درويش، ،واحسان صالح العطار، وصفاء محمد مهدي، وعلي عبد الحسين علوش، وزياد خالد، ومعتز عبد القادر، وستار لفته،وعبد الواحد، وكريم الاكيرع كما نسميه، واديب عبد الغني ، وخالد، ونهاد محيي علوش، وعلي وناس، وفؤاد بهجت الدرزي، ومحمد مهدي السعيد، وسعد علوش ونجيب حرفوش، وعلي جابر شعابث، وجاسم، وعلي حسوني، وكوثر عجام. تقاسمت الرحلة الثالثة على يمين الصف بجانب الشباك، مع زميلي الذي قضى ايام الدراسة يملأ دفاتره بكتابة رقم خمسة. لم يكن معلم يقاطعه ولا ان يحاسبه ، انه باسم صاحب السباك مالك المطبعة العصرية وربما كانت المطبعة الوحيدة في الحلة، وكان أخيه عماد يسبقنا بسنة او اثنتين. داس قطار الزمن على سكة ايامنا ليصبح باسم بعد وفاة والده دون رعاية كافية واخر مرة رأيته يقضي يومه بجولة في السوق على محلات أقرباءه ومعارفه ، كان ذاك في عام 2006 وكنت اقف في محل صديقي العزيز وابن عمه رياض علي الحاج حسين السباك. اما أسماء الاخرين فمعذرة اذ سطر الذاكرة غير واضح.

ادعو من يقرأ هذه المقتطفات من الزملاء وبالاخص الدكتور صباح والدكتور عباس للمساهمة بما عليهما. والجزء التالي سيكون من قلب المدرسة.

 

April 2013


 


 

free web counter