| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

الأربعاء 15/4/ 2009



الى المندائية هدى شاهين عشية الرحيل

عماد خليل بله

كما هي عادتها هادئة باسمة حتى في لحظات يغلي فيها الدم في عروقها ولاتفضحه الا نظرات معاتبة بلا كلمات، ترجلت هدى شاهين من على صهوة الحياة... فارسة ما توانت عن اقتحام الميدان ، رغم المعارك الخاسرة لان قناعتها بذاك الحلم الجميل رغم خياليته كانت راسخة، وهل هناك اجمل من ان يحمل الانسان راية بناء مجتمع متوازن العلاقات ، كما حلم وحاول اسلافه على هذا الكوكب الذي خربه جشع البعض. هكذا هو حصة كل منا في الزمن الذي يقضيه بين الناس. قد لن تكسب الحرب، لكنها شهرت سيفا بوجه الظلم، واختارت ان تخوض النضال. العراق كان همها الكبير... عراق تتالف بناته وابناءه محبة في تنوعهم، عراق يمارس حياة هو جدير بها مع كل التنوع الذي يشكل باقة شعبه...مع كل العقول المبدعة الفاعلة المجادلة المجالدة... ومع كل مايختزنه من ثروات مادية... لكن من اين لهدى شاهين زمنا ترعى فيه زهور حديقة منزلها الصغير في بغداد وطاعون فكري وسياسي وحكومي قد انتشر بين البيوت العراقية ليحيلها الى خرائب. كان الاختيار قاسيا بين الحياة او الموت، ولما كان الامل لم يزل يستحق محاولة الوصول اليه، اختارت المهندسة الكيمياوية هدى شاهين المنفى مع الاف غيرها. دام المنفى طويلا مكدِسا حزنا ثقيلا من شوق يومي للعراق، حتى ظنت هدى وغيرها من المنفيون ان شمسا لن تلوح وجوههم ثانية تحت سماء العراق. وحدث ان سقط الطغيان، وهلل الحالمون بالعودة، الا ان البذور العفنة التي غرسها نظام الطاغية في عقول الناس تحولت الى اعشاب ضارة اغتالت الفرحة وحولت التغيير الى حلم متواصل. لم تجد المندائية الوادعة فرصة لتغطس في مياه دجلة فتعود ثانية تلامس عراقيتها الواقعية... زهرة تلو زهرة ذبلت باقة ايامها المتبقية بفعل " السرطان". وكما هي باسمة دائمة الهدوء ، وفارسة تؤمن بانها ستغادر الميدان يوما انتظرت قدرها. غادرتنا الصديقة الغالية ، زميلتنا في "اتحاد الطلبة العام" في كلية الهندسة في سبعينيات القرن العشرين، ولا زلت اتذكر نظراتها المعاتبة بهدوء ودون كلمة لعصبيتنا العراقية ال( طكة ونص) المعتادة حمية ايام الشباب. رحلت بعد ان قدمت ما ملكت من قدرات على بساط النضال الوطني العراقي.

وداعا ايتها الفارسة الهادئة الطباع.. لقد كنت رائعة بقناعاتك وباصدقائك.. وان رحيلك المحزن حدث استثنائي في عراق اليوم الذي يحاول ان يخرج من دوامة الرعب الطائفي حين اجتمع لوداعك في ( المندي) في بغداد احبة مسلمون ومسيحيون مع اهلك المندائيون ليتذكروك، في وقت يضم جسدك تراب السويد الذي منحك فرصة حياة. ستبقين بين الاحبة عصية على النسيان.

تغمدك الله الحي القيوم برحمته وألهم ذويك الصبر والسلوان.

 

صديق من الزمن الجميل يلحق بك في حينه
كندا 8 نيسان 2009
 

free web counter