| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عماد خليل بله
ekbelah@yahoo.com

 

 

 

                                                                                  الثلاثاء 14/5/ 2013

 

اوراق متناثرة من الحلة (3)

الطريق الى الشرقية الابتدائية

عماد خليل بِله

تصحيح حول ماسبق: تعقيبا على ماورد في الورقة 1 بعث لي صديقي المهندس سليم سعيد أمين مبارك زوج الابنة الصغرى للشهيد الزعيم الركن ماجد محمد أمين برسالة تصحح ماذكرته حول استشهاده، وان ماكتبته عن دور محمد سعيد الصحاف باعتقاله والمنقول من مصدر لا اتذكره ليس هو الواقع ، تقول الرسالة :
لم يعتقل الشهيد ماجد محمد امين ولم يشي به شقيق زوجته محمد سعيد الصحاف وانما استطاع الشهيد الخروج من بغداد متخفيا باتجاه النعمانية بعد ان قضى ليلتين في الكاظمية في بيت أحد المحبين له وللشهيد عبد الكريم قاسم ولكنه لم يستطع التوجه المباشر الى النعمانية بحكم كثرة سيطرات التفتيش وانتشار عناصر الحرس القومي. ومدينة النعمانية هي مسقط رأس الشهيد ويسكنها اشقاؤه وشقيقاته والكثير من اقربائه، ولو نجح بالوصول اليها لما استشهد، ولكن القدر كان له بالمرصاد يوم 15/2/1963 عندما تعرف عليه سائق سيارة أجرة كان يستقلها للعبور الى الجانب الثاني من نهر دجلة . والواقعة كما رواها أحد الركاب، بأن السائق اخذ بالصياح : هذا الراكب هو ماجد محمد امين الذي يبحث عنه الحرس القومي، ويجب أن أسلمه الى مركز الشرطة القريب، فقام الشهيد برفع اليشماغ الذي كان يلفه حول رأسه لاخفاء وجهه ،ويطوق به عنق السائق امرا بالتوقف. ترجل من السيارة حال وقوفها ، وركض مسرعا نحو النهر ،وقفز فيه سابحا نحو الضفة الاخرى. في هذه الأثناء وصل الى المكان بعض مجرمي الحرس القومي وأخذوا يطلقون باتجاه السابح بالنهر، فأصابت بعضها الزعيم الركن ماجد محمد أمين واردته قتيلا . اخرجوا جثته من النهر الى جهة غير معلومة وصوروها للتلفزيون ولا ندري ان كانوا قد دفنوه وأين قبره الآن.

باكرا غادرت نومي هذا الصباح، كانت ساحة البيت كعادتها تنشغل بحركة النساء من ساكنيه وهن يعدنَ الفطور.. ألبستني امي جديد ملابسي، بنطلون، وقميص، وحذاء، ودست في حقيبتي الصغيرة لفات طعام حاشرة لها مع دفترين وقلم وممحاة ومقطاطة، وقالت: أخاف تجوع. خرجت من البيت بحماسة واندفاع لم يسبق ان عرفتهما ربما هي انفعال لبدء مرحلة جديدة من حياتي ، هي اللبنة الاولى مما سيلحقها من احداث العمر وتلاوينه الدراسية. عبرت الجسر العتيق واتجهت جنوبا مع مجرى النهر تاركا رسم خطى اقدامي لست سنوات على ذات الرصيف أمام مقهى ابي سراج وما بعدها.

كانت المحلات على جهة الشارع المواجهة والمختصة ببيع الخمور، تنتهي حيث يكون المكتب الكبير للمقاول الوجيه الاسطة جابر، والبناء الذي يضم المحلات يعود اليه، ويسمى قيصرية الاسطة جابر، التي يلاصقها بيت وحيد تسكنه عائلة عبد علي عيسى صاحب مطعم الفرات ، ووالد كل من نذير وفارس تلميذا المدرسة الشرقية، وهذا مسكنهم قبل أنتقالهم لسكن جديد في الخسروية. يتمدد أمام البيت جزء من الجدار الابيض لعلوة السمك هو الجزء الظاهر ناحية الشمال، ذات صباح وأنا في طريقي المعتاد لمحت في اعلى ذلك الجدار كلمات معدودة خُطت بحبر أحمر لم تمكني معرفتي للغة من تهجي صحيح لحروفها ، وبقيت أجهل ما تقولان.

للمدرسة بوابتان تقع الاولى عند اول محلة الطاق، ، بمواجهة بوابة المدرسة الغربية النموذجية للبنات التي تناظرها على الجانب الاخر من الشارع. والبوابة تمثل مدخل يدلف عبره المعلمون والتلاميذ صباحا اذ يتوافدون للدوام، وتبقى مفتوحة حتى موعد اغلاق المدرسة. عند البوابة وقف شخصان الاول رجل تجاوز الخمسين من سني عمره يغطي رأسه بيشماغ وعقال بينما يكتفي الاخر الاصغر عمرا و ضخم البنيان بارتداء قميص وبنطلون. مع الايام عرفت ان مرتدي العقال هو العم عبد الفراش، والفراش الثاني هو حسوني ، والد علي زميلنا بالصف، ويسكنون في محلة الاكراد او في محلة التعيس. اذ تتقدم خطوتين نحو الامام تشاهد على يمينك الباب الجانبي لغرفة المدير، وعلى اليسار ممر يقودك لساحة المدرسة. بمحاذاة سور البناية وعلى كلا الجانبين تمددت حديقة زهور منوعة بعرض يزيد عن متر وتسير مع جدار البناية من مدخل الباب، لتنتهي عند الساحة جهة اليمين وتتواصل عند اليسار لتتوقف حيث ينتهي مجال النظر من شباك يتوسط الجدار الخلفي لغرفة المدير، الذي يستطيع الاطلال على تجمع الزهور. ثم تأتيك أول غرفة على يسار الداخل تأخذ شكلا مستطيلا، هي اكبر غرف المدرسة مساحة ، عُلق على الجدار عند بابها لوحة صغيرة تُعرفها "غرفة المعلمين". والغرفتان الملاصقتان لها على التوالي الكلمات التي كُتبت على لوحتيهما قالت احداهما : الصف السادس ب، والثانية قالت: الخامس ب. وتواجدت لوحتا السادس والخامس أ على جداري غرفتين في الجهة الاخرى للبناية. في المساحة الفاصلة بين الصفوف أ وب وجد باب كبير مارأيته مغلقا خلال سنوات الدراسة، وكأن لاحاجة له. ، يُفتح على صالة في طرفيها الصفان الرابع أ وب، وتتوسط مساحة الفراغ الواسع منضدتان مستطيلتان من خشب صبغوه بالون الاخضر الغامق، واحدة بكل جانب من الصالة، عند هاتين الطاولتين يقضي بعض الطلاب زمن الفرص بين الدروس يلعبون كرة الطاولة. يمكنك ان تخرج من باب مماثل للباب الاول ويواجهه لتجد غرفتي الصفين الثالث أ وب. وبعد بضعة خطوات في الممر عليك ان تنزل ثلاث درجات على يسارك لتدخل الصف الثاني ب، وان خرجت منه الى ساحة اللعب والتجمع تشاهد على جهة اليمين خمسة غرف تتلاصق متوالية. الغرفة الاخيرة عند الزاوية هي الاصغر مساحة وهي غرفة الرياضة لحفظ وخزن ادوات اللعب، امامها بُني صندوق من الاسمنت تتوسط اعلاه فتحة يغلقها غطاء حديدي. زاوية صندوق فتحة المجاري اصبحت لسنوات قادمة مقر تجمع العصابة. الغرفة التالية يشغلها الصف الثاني أ، ويأتي بعدها الصفوف الاول أ،ب ،ج. بجانب الاول ج مدخل يأخذك الى غرفتين غير متكاملتين، في واحدة وضع خزان لماء الشرب ، والثانية بُنيت فيها مجموعة من المرافق الصحية. ما تبقى من بناية المدرسة عبارة عن ساحة صغيرة تعود بك الى غرفتي الصف الثالث، ثم تسير لتلتقي بحديقة غرفة المدير من الخلف. هذا الجزء من المدرسة لاشيء فيه الا الحانوت الرئيسي ، حيث تباع مأكولات منوعة، وحنفية لماء الشرب عند الجدار. للساحة باب حديدي كبير يقفل بسلسة حديدية يلفونها حول وسط دفتي الباب وبين حلقتين من السلسلة يتموضع قفل، هذه باب الخروج الرئيسية عبرها يغادر التلاميذ بعد ان يصرخ الجرس مُخبرا بانتهاء الدوام. تتحدد الساحة بطرفها البعيد عن الشارع بارض مرتفع اشبه برصيف، و ينتصب فيها حانوت المدرسة المختص ببيع الصمون وعصير الفيحاء.

اشار عمو عبد أن اذهب باتجاه الساحة. مشيت مع من تواجد وقتها من تلاميذ جلهم في مثل حالتي يجتازون بوابة المدرسة لاول مرة. في وسط الساحة وقف معلم أرشد القادمين كل الى صفه. دخلت الصف فألفيته مزدحم ، والتلاميذ منتشرون حول رحلات ( مقاعد) مرصوفة خلف بعضها بثلاثة خطوط تفصل بين كل اثنين منها ممر ، وتترك بينها وبين السبورة مساحة فارغة. وجدت لي مكانا في رحلة الثانية قبل الاخير عند الجهة البعيدة عن باب الصف، و حيث تشغل معظم الجدار ثلاثة شبابيك تطل على ممر ضيق، بعده سور المدرسة الذي يفصلنها عن الشارع العام. مضت بضع دقائق وأذ يدخل رجل قصير القامة به سمنة متوسطة ،و يرتدي بدلة ذات لون بين الرمادي الكالح والاخضر الخفيف، وتتدلى فوق قميصه ربطة عنق بلون منسجم مع لون بدلته. وقفنا تحية له، وجلسنا عندما اشار بالجلوس. بسطت رهبة رؤية معلم أول مرة داخل صف حقيقي وليس لعبة اطفال ثقل غيومها فوقنا، وأطبق صمت من مشاعر مختلطة بين خوف وأحترام ، وترقب ، وفرح ،وانتظار. هي لحظات صمت كسره الوجه المرسوم بالطيبة للاستاذ حسن بريسم وصوته الجهوري يرتفع ب: صباح الخير، فتدفق استرخاء باوصال التلاميذ وهم يردون بصوت عالِ : صباح النور، وحل ارتياح ساد العلاقة بين معلمنا حسن بريسم وبيننا خلال الايام التالية من السنة الدراسية. اخرج استاذ حسن قائمة من جيب جاكيتته وقرأ أسماءنا واحدا بعد اخر، وكان كل من يسمع اسمه يقف و يجيب بنعم، ليعود الى جلسته. أنتهت قراءة الاسماء، فصاح المعلم : قيام. قمنا أخروجوا الى الساحة صفوفا منتظمة. فخرجنا من الغرفة صفوفا بعد بعضنا بدءا من التلاميذ الجالسين قريبا من باب الصف وانتهاءا بتلاميذ الصف الاخير، فكنت بذلك من اواخر من يغادر الغرفة.

أوضحت الحركة في الساحة ان ماجرى معنا قد تم مع الصفوف الاخرى لكل المراحل الدراسية وان هناك تجمع للتلاميذ يسمونه اصطفاف. يأخذ الاصطفاف شكل مربع يشكل التلاميذ ثلاثة من اضلاعه ، وتشكل ادراة المدرسة ضلعه الرابع.

يتبع
 

April 2013


 


 

free web counter