| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

إبراهيم عبد الحسن

ibrahemabdalhasen@yahoo.com

 

 

 

 

الأحد 30/ 7 / 2006

 

 
 
الناصرية قبل نصف قرن

 

تقديم : ابراهيم عبد الحسن

استظافت الناصرية وبدعوة من جامعة ذي قار عام ( 2000) عددا من الاساتذة والباحثين في ندوة عن ماضي الناصرية وحاضرها كان من ضمنهم ( خالي ) المرحوم سعدي عبد الرزاق دفتر وقد القى هذا البحث في قاعة بهو الناصرية وسلمه لي مانحا لي حرية نشره ..

(( جئت الناصرية وعمرها لما يزل ثلاث وثمانون سنة فقط اذ انها بنيت عام 1869 م على غرار المدن الاسلامية الاولى البصرو والكوفة وواسط فقد طلب بانيها المرحوم الشيخ ناصر باشا بن راشد بن ثامر السعدون والي البصرة ايم الوالي مدحت باشا من المهندس البلجيكي ( جولن تلي ) ان يخطط المدينة على احسن معرفته وخبرته 0 فجاءت من ابدع المدن نستقينة الشوارع فسيحة الساحات والحدائق تحيطها بساتين النخيل ويحفها الفرات الجميل فكانت بحق كما وصفها الشاعر النجفي السيد محمود الحبوبي

ما جنة الفردوس الا ما ارى فليغتبط بنعيمها من نالها

                                      فانا وشعري والطبيعة والهوى والناصرية واقفون حيالها

او كما تغنى فيها شاعرها الاستاذ عناية الحسيناوي

                                      الناصرية جنة قد زانها سحر الربيع معطرا اجواها

الناصرية من فؤادي قطعة وانا لباب نخيلها وثراها

                                      الله اودع سره بظلالها بسهولها وربيعها وقراها

وكنت قد جئتها مع مجموعة من ابناء ( الالوية ) المحافظات والمدن الاخرى للدخول في الدورة التربوية المقامة فيها فكان هادي السيد عليوي من الديوانية ثم تركنا بغد ان فتحت دورة فيها وكاظم شمخي وحسن بريسم من الحلة وعبد السلام اموري اخ الملحن محمد جواد اموري ومجيد مزهر مهنا وجواد كاظم الدفاعي من طوريج او سدة الهندية ونامق نعمان من تلعفر وراضي هلول الشطري وكاظم ناهي الكناني ومن سوق الشيوخ شاكر السيد سلمان اما من الناصرية فكان ثامر سعدون الفتاح وحسن طارش العكلة وهادي مشعل اخ الخياط المعروف علوان مشعل وكان قد ترك عمله في التصوير الشعاعي والتحق بالدورة .

اما من الفتيات فكانت الاخوات فاطمة كامل وادي ورباب خضير وفوزية محمود مرزة وقدريه الحاج حنطة وكنت من الكوت استدعاني خالي المرحوم ( عبد الحسن علوان الحلاق ) * وكان معروفا بظرفه ولطفه وثقافته وانتمائه للحزب الوطني الديمقراطي وصلته باقطابه الثلاثة ( كامل الجادرجي ومحمد حديد وحسين جميل ) رحمهم الله وكان يحلق للنخبة ولنتصرف اللواء ومدير شرطته فكان يذهب اليهم بثيابه الفضفاضة وجسمه الضخم وحقيبته الانيقة وفي بيوتهم يستولي على شعرهم ومشاعرهم يخوض معهم كل المواضيع بابتسامة مقنعه وبحجج ساطعة.

وكنت في بيته يحوطني برعايته زمنا ثم فكر زملائي باستئجار دار بدل الفنادق الرخيصة التي ينزلونها فرجوناه في هذا فكان بيت الحاج مديح مناسبا وعملت المستحيل لاقناعه انني مع اصحابي على فرصة للدراسة اكثر فاقتنع واستاءجر لنا الدار بكفالته فسكنا فيه .

وبداءنا نتعرف غلى المدينة واشترينا من ( الصفاة) حاجاتنا البسيطة سرير بمائتي فلس وحصير بعشرين فلسا وادوات مطبخ زهيدة واتفقنا مع عبد موسى صاحب مطعم بسيط على تناول الفطور عنده ووافق على افطارنا ثلاثين يوما بدينار واحد وهو لايعمل غير طعام واحد هو ( الجل فراي ) قطع من اللحم والطماطة والبصل ولكن اللحم يكون في الايام الثلاثة الاولى من الشهر ثم يختفي قطعة قطعة لتنتهي عند منتصف الشهر لتعود قطعة قطعة لتكتمل عند استلام الدينار ثم تعزد الى دورتها .

وكنا نصنع غذائنا بانفسنا وفي المساء كان التمر الديري والراشي بثلاث عانات يسد الحاجة وان كنا في آخر الشهر فالخبز والشاي اخف العشاء وهكذا سارت بنا الايام نرتاد مقهى حبيب ابي ظاهر وفيها نلتقي بعدد من مثقفكان الشتاء ياتي مبكراي المدينة كالاستاذ علي عبد الطالب والاستاذ الشاعر عنايه الحسيناوي ومدرس الرسم السيد طالب وعدد من خيار الناس وقد عرفوا بطيبتهم وحسن تعاملهم .

كان الشتاء ياتي مبكرا وكانت الشرطة وقطاعات الجيش تستبدل ملابسها الصيقية اواسط تشرين وصادف ان كانت بعض قطعات الجيش في فرضيات خارج مناطقها الاعتيادية وفاجئها برد شديد استشهد بسببه عدد من الجنود لخفة ملابسهم او لمهاجمة الذئاب الجائعة وشيعوا في المدينة بموكب مهيب 00 ثم كانت انتفاضة تشرين اذ كانت اوضاع العراق السياسية في اضطراب دائم بداء من وثبة كانون 1948 مرورا بتاميم النفط بايران عام 1951 فظلا عن نشاط حكام ذاك الزمان وكان عبد الاله يتلقى توجيهات اسياده ويحاول تنقيذها فيواجه بمقاومة الشعب له فيضطر للمراوغة ويعد باجراء انتخابات نزيهة ولكن الاحزاب الوطنية تدرك الاعيبه فترد عليه 2 تشرين الثاني عبر بيان لها بمقاطعة الانتخابات لانعدام الجو الديمقراطي وهيمنة الارهاب والبطش والقوانين الرجعية القائمة السجون الرهيبة واصدر الحوب الوطني الديمقراطي وحزب الجبهة الشعبية العلنيان مذكرة احتجاج الى عبد الاله ايدتها الاحزاب السرية في استنكارها واحتجاجها مطالبين بالغاء معاهدة 1930 وتوحيد الجهود والنضال للتخلص من شرورها وانتشر الاضراب وعم حتى شمل بقية المدارس والكليات اثر هذه البيانات واجتاحت الانتفاضة  والنضال للتخلص من شرورها وادانت تعاون السلطة مع الاستعمار .

وانتشر الاضراب وعم حتى شمل بقية المدارس والكليات واجتاحت الانتفاضة باقي مدن العراق ونواحيه وسقطت وزارة مصطفى العمري وحاول عبد الاله تاليف وزارة مماثلة لها في العمالة برئاية جميل المدفعي ولكن انتفاضة الشعب ومظاهراته الصاخبة ومطالبتها بتشكيل وزارة وطنية ائتلافية احبطت محاولته وافشلتها.

وعجزت الشرطة من اعادة الآمن فاستدعي الجيش للتدخل وطلب من رئيس اركانه نور الدين محمود بتاليف الوزارة والفها مساء ذلك اليوم الصاخب واذاع بيانه بتاليف الوزارة ومسؤولية الادارة وحفظ الآمن ودعا الى السكينة وعدم تعكير صفو الامن واعلنت الاحكام العرفية ومنعت النظاهرات والتجمعات واغلقت الاحزاب وعطلت الصحف ولكن المظاهرات استمرت وشملت انحاء البلاد كافة ومنها الناصرية وبيت الحاج مديح .

وشملتنا الاعتقالات ونلنا حصتنا من اهوالها وعندها ادرك الشعب ممثلا باحزابه العلنية والسرية انه بحاجة الى جبهة وطنية موحدة ذات منهج متفق عليه لمواجهة العدو المشترك ورغم استقالة وزارة نور الدين محمود بعد ثمانين يوما فقط الا ان ذكراها ودروسها توجتها فاعلية الاحزاب .



واستمرت عجلة الحياة وبداءنا زيارة المدارس وشاهدما المدرسة المركزية ومديرها السيد باقر وشد انتباهنا معلم الاول الابتدائي في المركزية بدري قمر خيث تمكن من تعليم اطفال الروضة درسا متقدما من القراءة الخلدونية بقابلية ولباقة عجيبتين اذ درسهم فانوس ونحن لما نزل في لصف السنة الاول .

ثم كان الربيع واحتفلت به الناصرية احتقالا رائعا وازدانت فضاءات المدينة بعلامات الفرح وازدحمت ساحة سيد خضير على طريق سوق الشيوخ بالصبايا والفتيان وهم يلبسون اجمل الالوان ويرقصون اغذب الالحان .

ثم جاء موسم تكاثر الاسماك وكانت الزرة وامتلات المدينة بالسمك الطازج حتى بيعت السمكة بعانة واحدة ( اربعة فلوس ) وكان التطبيق في مدرية فيصل الاول وكان السيد بافر مديرا حازما نشيطا خريصا غلى طلابه ومثله كان معلمها السيد الشبيبي والاستاذ المغربي ومعلم الرياضة استاذ خضير ومن طلابها النشيطين جبار كنن ومكي تامول لقد كانت ايام واصبحت ذكريات وتحولت الى تاريخ مضى عليه اكثر من نصف قرن.


* عبد الحسن علوان الحلاق ( والد مقدم هذه المادة)