| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

إبراهيم عبد الحسن

ibrahemabdalhasen@yahoo.com

 

 

 

 

الأثنين 24/ 7 / 2006

 

 
 

فؤاد مكطوف .. خط لنا الدرس ورحل

 

إبراهيم عبد الحسن

في صفحات تاريخ الناصرية رموز بقيت راسخة في أفكار ووجدان أبناء المدينة، وإذا صح أنها مضت وسط غبار الماضي ولم تظهر في أوقاتها، فإنه يصح كذلك ان الذاكرة تتجدد مع حركة التاريخ لتدون مآثرهم التي هي مع مآثر الاخرين تشكل تاريخ مدينة الناصرية، التي نسعى في موقع سومريون.نت إلى لتدوين رموزها، الناصرية التي خرج من رحمها الكثير من السياسيين والشعراء والفنانين وبقية المبدعين، وهذا هو سرها في كل دورة زمن تجود علينا بأسماء جديدة.
وقفتنا اليوم مع الشيوعي فؤاد مكطوف المعلم الذي خط لنا الدرس ورحل، فلنستمع الى شهادة رفبق دربه وهو حي يرزق : الاستاذ عبد الله ناصر.
- كان الرفيق أبا فارس هو الابن الثاني من بين الاولاد الاربعة، اذ كان اخوه الاكبر فليح ومهنته الخياطة ثم فؤاد ثم كمال وقد انتقل الى جوار ربه شابا ثم محمد وثلاث بنات أصغرهن زهراء وقد تزوجت من السياسي المعروف الاستاذ معاذ عبد الرحيم  .



الراحل فؤاد مكطوف مع الأستاذ معاذ عبد الرحيم
(باحة سجن الخيالة بالناصرية 1963)

كان والدهم مكطوف جبر من بسطاء الناصرية يعمل في (( سوك العبايجيه))، ومن هنا ترسخت هوية العائلة الطبقية وكانوا كذلك مثالا للوداعة والطيبة، في بيتهم العامر في الزقاق المقابل الى بيت العالم الشيخ عباس الخويبراوي، ويقابلهم بيت كاظم مخيفي والد الرفيق المرحوم جواد وبيت ابن الولايه المعروف كاظم عريبي في محلة السيف.
كان الرفيق فؤاد واحدا من أبرز الشباب اللذين يتمتعون بقابليات عدة : فهو لاعب كرة قدم له سحره الكروي يوم كان يلعب ضمن فريق الهواة الاهلي ذكيا لامعا، ثم معلما ناجحا ومخلصا في عمله، رؤوفا محبا لتلا ميذه، وبهذا كله كسب محبة واعجاب الناس وتقديرهم لهذه الشخصية.
إرتبطت بالرفيق فؤاد منذ الاربعينيات وهو اصغر مني سنا، إذ هو من مواليد 1936، وانخرط في العمل الحزبي عام 1954 شابا نشطا وذو كفاءة وقدرات تنظيمية عالية، منها أنه حظي بعلاقات واسعة في صفوف الطلبة ( إتحاد الطلبة العام )، وكان يشكل فريقا حيويا نشطا مع الرفاق : المرحوم يوسف الصيدلي والمرحوم كاظم العجمي وحميد غني وعبد الحسين جولان وجواد السنجري وكتاب سعدون ورزاق النجار ورزاق رشيد.
كانت علا قتي به من نوع خاص : علا قة عائلية اذ تربطني معهم علا قة القربى من النساء، فكنت معه وكان معي في عملي الخاص والعام والحزبي، وكان شديد التطلع الى كل شيء وله ولع كبير بالقراءة فأسسنا مكتبة اسميناها في تلك الأيام مكتبة المحلة، وكانت موضوعة في بيت صديقنا المرحوم ابراهيم عبد غصاب وكان فؤاد هو مسؤول المكتبة، يشتري الكتب والكراريس التي تصل الى الناصرية يومذاك، وكنا نجمع التبرعات من الاصدقاء لادامة المكتبة.
ومن المفارقات التي لازالت في الذاكرة، اننا كنا جالسين في بيت الرفيق الراحل فؤاد اذ طُرق الباب فأسرعت لمعرفة الطارق فوجدت على الباب (عفون وعتيوي!!)، وهما من شرطة الامن المعروفين يومها في الناصرية، فأوصدت الباب وتساعدت مع الراحل برمي الكتب الممنوعة على بيت الجيران الطيبين بيت (أم سماوي)، وكان يفصلنا عنهم جدار واطيء، ومن ثم وضعنا الاقداح وقنينة الخمر على الطاولة ولم تستغرق العملية وقتا طويلا، ثم أسرعت إلى الباب وفتحته فدخل عفون وعتيوي فرحبنا بهما واجلسناهما واجبرناهما على تناول كأسين فأبى أحدهما وشرب الثاني ثم غادرا.
كان المرحوم فؤاد شيوعيا نشطا اثار انتباه السلطات فتعرض للا ضطهاد والملاحقة والسجون وانواع التعذيب، وكان ضمن الشيوعيين الذين اودعوا في سجون الخيالة وسجن الحلة، تعلم انه ظل نقيا وفيا للعراق والناصرية .

وفي شهادة لرفيق دربه السيد غانم خليل المصور يقول فيها :
تمتد معرفتي بالراحل الشيوعي فؤاد مكطوف يوم كنا معا في مدرسة المنتفك الابتدائية، حيث كنا مجموعة من الصبيان أصبح لبعضهم شأن بالتدرج الوظيفي، وآخرين في محافل السياسة والصحافة وغيرهم سحقتهم عجلة الزمن فعاشوا مهمشين في الزوايا، يلهثون وراء الرزق، او ما يقيم الآود، فكان استحقاقهم في الحياة سياط الفاقة التي لاترحم كان فؤاد صديقي وكنا لانفترق الا بعد انصرافنا من المدرسة، ومن ثم نخرج من بيوتنا بعد أن نرتدي الدشداشة لنلتقي مرة اخرى: نجوب شوارع مدينتنا الهادئة الوادعة او الانطلاق في بساتينها الكبيرة المثمرة، لقد سجل لنا نهر الفرات النائمة على كتفه مدينتنا الرائعة قصصا جميلة لاتنسى.
كانت الحياة هنا غاية في الجمال أكاد اجزم أنه ما من شارع أو منعطف زقاق أو رصيف، الا وكان شاهدا على جذل الطفولة وحلاوة الايام الخوالي، وفي الصف السادس الابتدائي نمت مداركنا وبدأنا نعي ما يدور وراء الآكمة، كانت أوضاع المدينة في أربعينيات القرن الماضي تغلي كالمرجل، وكانت موجة من الحس الوطني تسود اوساطا كثيرة، مثلا دواوين بعض الشخصيات كان النقاش فيها يحتدم ويتعالى الصراخ حتى لتشعر انك امام حالة قد تصل الى العراك!!، فالنازي يحاول أن يبسط رأيه معتبرا ان ما يفعله هتلر إنما يصيب كبد الحقيقة!، وجماعة الوطني التابعون الى جعفر ابو التمن يرون العكس، كنا ندس انفسنا في ليالي الشتاء القارس وسط هذه الثلة من البشر قلت له اي الى فؤاد ما رأيك بمعلم الانكليزية قال ان حدسك مضبوط اذن فلنختبره!!، ورسم كل منا على دفتره المنجل والمطرقة نظر اليها المعلم بإمعان ثم ابتسم قائلا : شعار من هذا قلنا سوية انه شعارنا!!، وجلجلت أصواتنا بالضحك ثم همس المعلم ومن انتما قلنا له اننا الشيوعيون فما كان منه إلا أن مسح فوق رؤوسنا بلطف!!، اكتموا هذا الامر وسألتقي بكم لاحقا قال لنا المعلم، هكذا بدأت علاقتنا بالتنظيم ثم انتقلنا الى المتوسطة فكان لنشاطنا دور في كسب العديد من الشباب، ممن جهدنا ان يظل تفكيرهم رصينا وجادا، بعيدا عن متاهات كولن ولسون أو البير كامي أو وهج الفكر الوجودي والفوضوي، تلك الأفكار التي تمكنت من الوصول الى عقول بعض الشباب، فكان الرفيق فؤاد يحاول جاهدا تهيئة ادبيات الحزب ومؤلفات الرفيق الخالد فهد، إضافة الى كتب غوركي ودستوفسكي ومؤلفات لينين كان يفرضها بأسلوب مهذب وشفاف، بحيث انها اعطت ثمارها وأنكب الشباب على قراءتها ثم انخرطوا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي،وبعد ذلك تركت رفيقي فؤاد لأنهي عامين من السجن اطلق بعدها سراحي فوجدت الرفيق فؤاد معلما في احد المدارس الريفية.
ثم عادت لقاءاتنا في العطلة الصيفية كما السابق  .
لقد عانى الرفيق الكثير من العذاب الذي كان يصفه بالحلاوة والجمال، فقد انتقل من سجن الكوت الى سجن العمارة، ثم ليقضي حكما بالسجن عشرة سنوات في سجن الحلة ورغم هذا لم تنقطع علاقتي به، فقد كنا مجموعة اتذكر منهم المرحوم صالح هادي شنان والرفيق صبري نعيم وخليل الفخري، ثم أبعد الرحل فؤاد مكطوف الى ابعد نقطة في الشمال حتى قيام ثورة تموز، حيث عاد بعدها ليواصل النضال حتى قيام مجزرة شباط الاسود، فأودع السجن ثانية ليبعد بعد فترة إلى الاهوار!
لقد كانت بحق حياة مناضل شيوعي قدم زهرة شبابه من أجل الشعب والحزب
الف رحمة على روحك يارفيقي ونورعلى ثراك ايها المناضل المثابر الطيب
وسيظل رفاقك يرسمون الدرب مثلما رسمته للاجيال
فها هو الوطن الحر والشعب السعيد قد بدأت يارفيقي ملامحه تلوح في أفق العراق