موقع الناس     http://al-nnas.com/

 

حي الاسكان في الناصرية


ابراهيم عبد الحسن

السبت 17/ 6 / 2006

أنشيء حي الاسكان في الناصرية كواحد من انجازات ثورة تموز 1958 المجيدة، إسوة بالاحياء التي أنشأت في العراق وحملت نفس الاسم، وقد نال الفقراء والعمال ومراتب الجيش والشرطة قسطهم من هذا الانجاز وبهذا ترسخت الهوية الطبقية لهذه الاحياء منذ الانشاء وبالتالي فلا غرابة أن تكون بيوتات هذا الحي في صف القوى التقدمية عامة والحزب الشيوعي العراقي خاصة، وقد ظل هذا الانجاز محط افتخار مؤسس هذا الحي الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، ففي ساعاته الاخيرة من ظهر يوم 9 شباط الاسود عام 1963 اثر انقلاب 8 شباط 1963 الذي اقدم علية البعث الفاشي، وخلال إستجوابه من قبل قادة الانقلاب مع بعض من معاونيه الشجعان في إحدى قاعات مبنى الاذاعة والتلفزيون في الصالحية ببغداد، أشار الزعيم الشهيد في معرض دفاعه : انني بنيت المساكن للفقراء والعمال وهو بالتأكيد كان يعني احياء الاسكان في العراق ومنها حي الاسكان في الناصرية.
يقع الحي جنوب الناصرية في صوب الشامية او مانطلق عليه الصوب الثاني قريبا من حامية الناصرية، التي كانت تضم مقرات وحدات الجيش العراقي في الناصرية ومنها مقر لواء المشاة 14 ، ومن المفارقات ان الزعيم الراحل كان آمرا لاحد افواج هذا اللواء قبل ثورة تموز ولربما اطلع على احالة المشروع ايام الحكم المباد ورسم بذهنه فكرة انشاء هذه الاحياء كما رسم في ذهنه فكرة الثورة .
يتكون التصميم الاساسي لحي الاسكان من وحدات سكنية يفصلها شارع عريض خصص لانشاء المرافق الصحية والخدمية منها مركز صحي ودائرة للبريد وحوانيت عدد 12 للتسوق ومرافق صحية تتخلل هذه المرافق كلها ساحات لعب الاطفال وحدائق إضافة الى الحديقة الخاصة بكل وحدة سكنية!!، وكذلك شبكة للماء الصالح للشرب مع خزان ماء خاص للحي كان يعلو في الجانب الغربي من الحي قبل ان تبيعه حكومة صدام وفق (قانون 32 لسنة 1986 ) الخاص ببيع وإيجار اموال الدولة خلال سني الحصار، وبهذا زال معلم جميل وخدمي من معالم الحي، هذا اضافة الى شبكة انابيب لصرف المياه الصحية التي تعطلت اليوم بالكامل نتيجة الخراب والاهمال.
خصصت الوحدات السكنية في شمال الحي والتي تتكون من غرفتين وهول ومرافق صحية لاسكان افراد الشرطة، فيما خصصت بعض الوحدات السكنية في جنوب الحي والتي تتكون من غرقة واحدة وصالة ومرافق صحية، الى مراتب الجيش، كما انه منحت دوائر الدولة حصة لترشيخ منتسبيها للسكن في الحي .
اشرف على تنفيذ المشروع المهندس حسين الدجيلي واشرف على البناء المرحوم حمودي الحاج طالب ومثلما اشرنا سابقا الى الهوية الطبقية لساكني هذا الحي، فقد استثمرها نشاط الشيوعيين فكانت جل البيوت من تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي ونادرا او قد لاتجد بيتا واحدا يخلو من الانتماء الشيوعي او على الاقل من الانتماء الى اتحاد الطلبة العام، حيث كان الحزب الشيوعي العراقي ولازال المدافع والمعبر الحقيقي عن تطلعات واماني جماهير الشعب، وبهذا نال الحي من الدمار والاهمال والخراب والمطاردة على مر عقود الزمن المر، فقد استبد الطغاة فأعدم وغيب وطورد وهاجر العديد من أبناء هذا الحي عقابا لهويتهم الوطنية الصادقة.
وقد شهدت اغلب بيوتات هذا الحي تلك الاماسي التي عشناها في اوائل سبعينيات القرن الماضي ونحن نحتفل بمناسبة حزبية او وطنية منها 14 نيسان مولد اتحاد الطلبة و31 اذار مولد الحزب الشيوعي العراقي، حيث كان هذا اليوم مشهودا في حي الاسكان رغم عيون ازلام النظام البائد التي تضيف التحرشات والترصد الامني حلاوة للتحدي في إحياء احتفالية مولد الحزب، لذا كانت خطواتنا تتردد على حي الاسكان ولنساء هذا الحي طقوس جميلة لازال الجيل الماضي يتذكرها وهي افتراشهن الارض عصر كل يوم وبمجموعات متفرقة امام بيوتهن ليدور الحديث في شؤون الساعة!!، وبالتاكيد تاخذ السياسة حيزا من تلك الاحاديث التي تمتد الى خيوط الاصيل الاولى قبل ان يتغير حديثهن ايام حكم البعث الفاشي نحو ازمة السكن والنقل والبيض والمعجون وكثير من الازمات التي كان يفتعلها النظام يوم ذاك، وقد اختفت تلك الطقوس تماما في ثمانينيات القرن الماضي لا لسبب إلا خوف أولئك النسوة من سوقهن الى مسيرة او اجتماع جبري لاتحاد النساء سي الصيت.
وحينما كنا نمر من امام تلك النسوة وهن يعرفن بالتاكيد مغزى قدومنا : اما لاحتفال وطني او حزبي او لاجتماع حزبي لذا تقابل تحياتنا لهن بالود والمحبة والدعاء تعبيرا عن حبهن الصادق لمهمتنا .
سكنت هذا الحي ولازالت عوائل فيما هاجرت اخرى نتيجة الاضطاد والمطاردة الا ان مآثرها لازالت تطرز تاريخ الحي الوطني واخص بالذكر العائلة الشيوعية المعروفة في حي الاسكان عائلة ( أمين منشد وابنائها البررة الشهيدة المونليزا والشهيدة سحر امين والاستاذ داوود امين وسمير وامير وجمال ).
خرج من معطف الاسكان العديد من السياسين والشهداء والادباء والفنانين والرياضيين نذكر منهم عائلة الشهيد الشيوعي صباح طارش زوج الشهيدة سحر امين وسعد عبد الله وعائلة المهوال غزاي واولاده سامس وطالب وغالب وعائلة المرحوم صبر سالم ومنها الاستاذ خالد وضياء وعادل وعجة ثامر واولاده جمال وكمال ومحمد والمرحوم سعيد ذياب وولده علوان سعيد والحاج حسين رويضي واولاده ناصر وجليل ومحمد والشهيد فريد ماضي وشقيقه وليد ماضي وسعد ناجي واحمد جادر واشقائة صادق وعادل والفنان حميد كاظم وعلي بصيص وثائر خضير وفاطمة منخي وعدوية منخي وايمان منخي والمرحوم فؤاد جهاد واياد جهاد ومحمد وحسن عبد علوان وصلاح عبد الرحمن وجاسم بريسم والشهيد اياد خالد والشهيد هاني ناجي وسعد ناجي وعائلة عبد الجليل منهم الشهيد وائل عبد الجليل ورياض ووليد انها قائمة تطول معذرة للاسماء الاخرى .
شهد الاسكان العديد من حالات التصادم بين الشيوعيين وازلام النظام المقبور ولازالت ذاكرة الجيل تتذكر عصابات الاتحاد الوطني وهي تعترض ابناء الحي وطلابه من طلبة اعدادية الناصرية معقل اتحاد الطلبة العام رغم انف السلطة، وكذلك حادثة التصادم بين الشهيد الشيوعي البطل صباح طارش وتصديه البطولي لازلام النظام يوم وقف والدته وهي تشد ازر اولادها بعد ان شدت هي ازرها وهي تحمل ( العمود ) وتتصدى معهم !!!
مرحى والف مرحى للمرأة التي انجبت مثل صباح طارش.
هكذا مسيرة وتاريخ حي طبقي .. نقف في خاتمة مقالنا هذا مع نادرة طريفة .. حيث تقع حامية الناصرية وبعض قطاعات الجيش العراقي ومنها لواء المشاة 14 محاذية لبيوت حي الاسكان وبهذا شهد الحي استعراضات الجيش وتوزيع الحلوى والصمون طيب الطعم انذاك بمناسبة ذكرى تاسيس الجيش العراقي في 6 كانون الثاني، فقد كان ينهض الحي على وقع بوق النهوض الذي يدوي في الحي وينام الجميع على وقع بوق النوم وحدهم الشيوعيون كانوا يسهرون لاكمال محاضر اجتماعاتهم!
تحية حب واجلال لكل ابناء الحي وشهدائه البررة وأبطاله المامين.