|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة 29/7/ 2011                                 هيثم القّيم                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أفكار لمعالجة مشكلة ميناء مبارك الكويـتي ..!

هـيــثم القــيّم *
haitham52@aol.com

لا تزال قضية أقدام الكويت على أنشاء ميناء تجاري كبير في جزيرة بوبيان المتاخمة لحدودنا البحرية في الجنوب .. لا تزال تتفاعل بين الطرفين العراقي والكويتي .. ما بين المهادنة والتشدد .. وما بين التهديدات والتهدئة .. ولا يزال الموقف العراقي تتجاذبه عدة رؤى وردود فعل تتراوح بين الهدوء الدبلوماسي المقرف الذي يقوده وزير الخارجية هوشيار زيباري وبين التشدد العنيف المصحوب بزوابع من التهديدات الذي يقوده وزير النقل هادي العامري .. وما بين الموقفين تقف الحكومـــة العراقية محتارة ومـُترددة ..فلا هي قادرة على أتخاذ موقف حاسم ..ولا هي قادرة على دفن رأسها بالرمل أزاء الضغط الشعبي والأعلامي الذي يدفع باتجاه تحديد موقف واضح يصب في مصلحة العراق ..!!

سأحاول الأختصار قدر الأمكان ..رغم أن الموضوع يتطلب مساحة واسعة من الشرح والتفصيل:-
منذ طردهم من الجزيرة العربية بأتجاه الشمال الغربي على يد آل الرشيد في معركة الصريف عام 1917 .. تجمعت الأسر والقبائل المهزومة تحت قيادة آل الصباح في هذه المنطقة التي تسمى الكويت الآن .. وكان جدهم مبارك الكبير قد أفتتح عهده في حكم الأمارة الوليدة أوائل عام 1896 باغتيال شقيقيه محمد بن صباح الصباح وجرّاح بن صباح الصباح .. وجميع حكام الكويت فيما بعد كانوا من نسل مبارك وحسب ما نص عليه الدستور المؤقت في حينها .. هذه اللمحة التاريخية ضرورية لمعرفة الخلفية الأخلاقية والقيمية لحكام الكويت المـُتتابعين ولحد الآن ..! كان يطلق على حكام الكويت ( يهود الخليج ) ولا أعلم هل لا تزال هذه التسمية سارية لحد الآن أم تغييّرت ليحل محلها ( تجار الخليج ) ..ويبدو لي أن التسميتان تذهبان الى نفس المعنى ..!!

أي أن التعامل مع حكام الكويت بمنطق الدبلوماسية والسياسة قد لا يكون مـُجدياً ما لم يـُغلـّفه المنطق التجاري بكل ما فيه من خبث ودهاء وتــَحسـّـب ..!! ولعمري ربما أحدى أخطاء الدكتاتور المقبور صدام .. لا هو أنجز المهمة الى نهايتها ليـُريحنا ويريحهم .. ولا أستطاع كبح جماح حماقته ورعونته ليـُكفينا سـيل المصائب والخراب الذي أجتاحنا منذ أجتياحه الكويت ولحد الآن..!!

بدأت فكرة أنشاء ميناء مبارك الكويتي عام 2006 ..ثم تحوّل الأمر الى فعل حقيقي عام 2007 حيث بدأت مرحلة الدراسات ومن ثم مرحلة التصاميم .. يتكون المشروع من أربعة مراحل .. يـفترض أن تنتهي المرحلة الأولى منه عام 2015 .. وقد بوشر بالأعمال الأولية بداية هذا العام 2011 والتي تتضمن تعميق وكري الخط الملاحي ودفن مساحات مائية محاذية لحافات جزيرة بوبيان .

 

ويبدو جلياً الأصرار الكويتي على المضي قدما في أنشاء الميناء .. وعلى وفق التصريحات الرسمية والبرلمانية والأعلامية تحت دعاوى أن هذا شأن كويتي داخلي ويدخل ضمن السيادة ..!! من الناحية القانونية فقط يـُعتبر هذا الطرح صحيح .. ولكن من الناحية الأخلاقية وناحية العلاقات الأخوية ومنطق الجيرة والمصالح المتبادلة فهو غير صحيح .. ويشكل ضرراً على مصالح العراق كما سنتناوله بعد قليل ..! خصوصاً وأن النظام السابق قد أنتهى ولم يعد ما يـُبرر للكويت أتخاذها مواقف مؤذية للعراق ..ألا أذا كان العـِرقُ دسـّاس فعلاً ..!!

بدأت فكرة ميناء الفاو الكبير منذ عام 1985 .. عندما طرحت مجموعة من الشركات الأوربية الفكرة على النظام السابق كبديل لميناء هونج كونج الذي كان في طريقه للعودة الى الحضن الصيني ..رفض النظام السابق الفكرة بسبب أشتعال الحرب مع أيران وبسبب أن الفكرة كانت تقول بتشغيل الميناء من قبل الشركات صاحبة الأقتراح لمدة خمسين عاماً ..!!
بعد أنتهاء حرب الكويت وفي فترة بداية الحصار ..وبالتحديد عام 1992 عاودت نفس مجموعة الشركات ولكن بواسطة شركة أماراتية يملك جزء كبير من أسهمها عراقيين مقيمين هناك .. وتم رفض المشروع مرة ثانية بحجة أن العراق تحت الحصار وقد يشكل المشروع وسيلة ضغط على العراق ..!!
بعد سقوط النظام السابق .. أعيد طرح الموضوع مجدداً عام 2004 من قبل بعض الكوادر العراقية المتخصصة في شؤون الموانئ البحرية .. ووضعت دراسة أولية عن المشروع وقدمت الى وزارة النقل في حينها .. ونام الموضوع في الأدراج منذ عام 2004 ولغاية عام 2010 حيث وضع حجر الأساس للمشروع ولكن من دون تنفيذ أي خطوة عملية ولحد لحظة كتابة هذا الموضوع ..!!!

أذن ضيّع العراق ثلاث فرص ثمينة لأنشاء ميناء الفاو الكبير ..أثنتان منها في العهد الديكتاتوري وواحدة في العهد الديمقراطي ..!!
ولا أعرف في أي عهد سيبدأ أنشاء المشروع ..؟ وهل ستبقى له قيمة أقتصادية وتجارية بعد أنشاء الميناء الكويتي ..؟
لنلقي نظرة سريعة على مكونات مشروع الفاو المقترح لنعرف مــدى فداحة الخطيئة التي أرتـُكبت بحق العراق والشعب العراقي جرّاء أهمال المشروع سابقاً ولاحقاً ..!
يتكون ميناء الفاو الكبير كما طـُرح في بداية الأمر من المكونات الرئيسية التالية :
• منشــئات الميناء الرئيسية من أرصفة ومخازن ورافعات وملحقات أخرى.
• أنشاء منطقة حــرّة دولية قرب الميناء .
• أنشاء مدينة سكنية كبيرة مع كافة خدماتها وملحقاتها .. لأسكان العراقيين والعرب والأجانب العاملين في الميناء.
• خطوط سكك حديد جديدة تمتد من الفاو الى تركيا وقد تتفرع الى سوريا أيضاً ..لنقل البضائع والمواد المختلفة من آسيا الى أوروبا وبالعكس.
• أنشاء طريق مرور دولي جديد يمتد بنفس الطريقة ونفس الأتجاه لسكة القطار المقترحة .. والطريق الجديد يــُصمَم على أساس تحمـّل حمل محوري يتراوح بين 12 -14 طن ..بينما الطريق الحالي مصمم لحمل محوري يبلغ 9 طن.

يتضح من مكونات المشروع أعلاه أن الفكرة الأساسية من المشروع ليست لخدمة العراق مباشرة ..وأنما لخدمة التجارة الدولية بكافة أنواعها.. أذ تشير الدراسات أن الفرق الزمني بين مرور التجارة الدولية من الفاو الى أوربا وبالعكس .. هو بحدود 25 – 30 يوم عنها فيما لو أستخدمت الطريق التقليدي من البحر الأبيض مروراً بقناة السويس فالبحر الأحمر ثم مضيق باب المندب ثم بحر العرب ومنه الى آسيا أو الخليج العربي وأيران وبالعكس أيضاً..!!

هذا المشروع لو كـُتب له أن يـُنجز سيؤدي الى توفير حوالي نصف مليون فرصة عمل لأبناء الجنوب وخصوصاً البصرة ضمن المشروع وحواليه .. زائداً آلاف الفرص الأخرى لباقي أبناء المحافظات الأخرى التي سيمر بها الطريق الدولي الجديد وسكة القطار الجديدة .. مثل المطاعم وورش الصيانة ومحطات الأستراحة وورش الغسل والتشحيم والأسواق الغذائية وتسويق الفواكه والخُضر والمشروبات ..وما شابه ذلك ..!!

ماهي أضرار الميناء الكويتي من الناحية الفنية على الجانب العراقي :
لنتأمل الصورة الرادارية التي التقطتها أحدى السفن المغادرة من ميناء أم قصر نحو البحر، والتي تكشف حجم الزحف الذي حققـته منشآت ميناء مبارك الكويتي باتجاه غلق الشريان الملاحي الوحيد المؤدي إلى موانئنا رغم ان نسبة الانجاز فيها 15% لحد الآن ، حيث يظهر اللسان الحجري البارز من الخط الساحلي لجزيرة بوبيان باتجاه المسار الملاحي المخصص لمرور السفن، بحيث اقتربت نهاية اللسان الحجري كثيراً من العوامات الملاحية (16) و(17).. وهي العوامات المُحددة لجوانب الممر الملاحي المؤدي إلى ميناء أم قصر.

من المعروف أن عمليات المد البحري التي تحصل كل ست ساعات تحمل في طياتها كميات كبيرة من الأطيان والغريـَن وخصوصاً على المناطق الساحلية .. وعند الجــَزر يعود قسم من هذه المواد مع مياه الجزر ..ولكن يبقى القسم الآخر مترسباً قرب السواحل وفي قيعان المياه القريبة من السواحل ..!! ومن الناحية الهيدروغرافية فأن كميات الأطيان غالباً تذهب بأتجاه القوس الأكبر من موجات المــد البحري ..وفي حالة منطقة الفاو فأن موجات القوس الأكبر تنتهي عند سواحل الفاو وبالتالي هذا يعني أن ساحل الفاو وبمرور الزمن وبدفع من منشئات ميناء مبارك وحركة البواخر .. سيتحول الى مياه ضحلة قد لا تصلح لاستخدام قوارب الصيد وربما حتى الشختورة (زورق صغير) ...!!

وهذا بالنتيجة سيؤدي الى تضييق الخط الملاحي الحالي بأتجاه ميناء أم قصر وميناء خور الزبير مما ينتج عنه موت سريري للمينائين .. الأمر الذي سيخنق تجارة العراق وواردات بضائعه من المنافذ البحرية ..!!

كيف السبيل لمواجهة الأمــر :-
مما يبدوا لحد الآن وكما ذكرنا أعلاه أن الكويت ماضية في بناء الميناء رغم كل ردود الفعل العراقية والمناشدات الأقليمية وآخرها ما سمعته قبل قليل وأنا أكتب الموضوع أن الحكومة العراقية طلبت من الكويت أيقاف عمليات بناء الميناء .. ولا أعتقد أن الكويت ستستجيب لهذا النداء ..! لذلك علينا العمل بسرعة لمعالجة الأمر.. والا لن ينفع الندم ساعتها ..!
• الحل الأول : هو الأسراع بدعوة الشركات العالمية الأستثمارية للبدء بتقديم عروضها لأقامة ميناء الفاو الكبير .. مع أختصار وألغاء كل الحلقات الروتينية التي ( تــُزيـّن ) نشاطنا وحركتنا الأستثمارية .. مع أستثناء المشروع من بعض المعوقات القانونية واللوجستية .. لغرض كسب الوقت واللحاق بمراحل بناء الميناء الكويتي ..! ويجب الأخذ بالحسبان أن ذلك سيؤدي تدريجياً الى ألغاء مينائي أم قصر وخور الزبير .. ويمكن في هذه الحالة تجميد أي عمليات تطوير للمينائين ومن ثم الأستفادة من منشآت المينائين كخلفية لوجستية أو كموقع للمنطقة الدولية الحرة المقترحة ضمن مشروع ميناء الفاو وكذلك الأستفادة من المعدات والرافعات الموجودة في المينائين ونصبها في الميناء الجديد.

• الحل الثاني : أجراء محادثات حاسمة وجدية مع الكويت تؤدي الى أبرام أتفاق يقول : أن ميناء مبارك يكون في خدمة التجارة العراقية بدون مقابل ..بمعنى أعفاء واردات وتجارة العراق البحرية من أي ضرائب أو مبالغ ترانزيت أو خزن ...الخ ويكون جزء من أرصفة ميناء مبارك مخصصة لتجارة العراق .. كما حصل أبان الحرب العراقية / الأيرانية .. مع الأحتفاظ للعراق بحقه في فرض أية رسوم وضرائب على جميع البضائع التي ستمر عبر الأراضي العراقية الى الدول الأخرى .. ويكون ذلك بأتفاق واضح ومعلن وموثق .

• الحل الثالث : قد يكون غائباً عن ذهن البعض أن ميناء مبارك بدون العراق وتسهيلات العراق ..سيتحول الى ميناء كبير بالأسم والمنشاءات فقط ..ولكن في الحقيقة سيكون كالهيكل العظمي من الناحية الأقتصادية والتجارية .. والسبب أن الكويت لديها حالياً خمسة موانئ بحرية ..وعليه هي ليست بحاجة الى ميناء بهذا الحجم لاحتياجاتها الخاصة .. ولكنها تـُخطط لكي يكون ميناء مبارك ميناءاً دوليا تعبر منه التجارة الدولية .. ولكن الى أين ومن أين ..؟؟ لا يوجد غير العراق وأرض العراق معبراً للتجارة الدولية .. وبدون فتح المجال العراقي سيموت ميناء مبارك موتاً سريرياً أيضاً ..! أذ بمجرد أن يغلق العراق منفذ صفوان وباقي حدوده مع الكويت .. وتـُمنع التجارة معه .. سيكون هذا الأجراء هو المقتل لمينائهم اللا مبارك ...!!!

وهذه الورقة يمكن التلويح بها الآن .. ويـُمكن أستعمالها مستقبلاً في حالة عدم أنصياع الكويت لمنطق المصالح المتبادلة وعلاقات الأخوة والجيرة .



ملاحظة :
أستعنتُ في بعض المعلومات الواردة أعلاه بالأقتباس من الدراسة القيــّمة التي نشرها الأستاذ حسن الأسدي حول قصة ميناء الفاو .

 

* كاتب صحفي
ماليزيا


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter