| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسام آل زوين

 

 

الأحد 7/2/ 2010

 

 الشهيد ملازم جـواد .. باسما ً

حسـام آل زوين

ارتسمت صورته في المخيلة مبتسما ً ضاحكاً ، منذ ذلك الفجر الشتوي القارص عند تلال في اطراف مدينة القامشلي ، يجيد النكته والضحكة ، يبعث السرور والانشراح في نفوس الرفاق ، والذين تجمعوا لاجل القيام بتدريباتهم الانصارية ومنها السير الليلي حاملين اسلحتهم وبزي البيشمركة ، اول التعارف بالشهيد زهير موسى عمران بذلك اللقاء بمجموعة الضباط المتخرجين من كليات عسكرية والقادمين من بلدان العالم المختلفة ، والجميع كان على اهبة الاستعداد بالالتحاق بقوات الانصار ، لولا هطول الثلوج المبكر ذلك العام وانسداد الطرق المؤدية الى داخل الوطن عبر الحدود الشمالية والشمالية الغربية ، كان بداية شتاء 1982 . رأه يحمل سلاح العفاروف والذي يتناسب مع عرض كتفه وطوله وضخامة جسمه الرياضي ! ، منذ ذلك اللقاء ترك الشهيد ملازم جواد انطباعا ً طيبا ً وحسنا ، بوجهه الفراتي السماوي الكوتي ، البسمة والنكتة لا تفارقه ، ويحرص المشتاق للحديث العـراقي ان يجلـس بجواره ليسمع النكات والضحكة والنابعة من الصميم .
مرت الايام بسرعة البرق ، دخلت مفـرزتهم الكبيرة مشتركة مع احد الاحزاب ، وتلاحظ الشهيد جواد يحمل سلاحة الثقيل وكأنه حاملا قلمـا ً، وهو احد ابناء المنطقة ، عبروا انهارأ ليلا ونهارا ، انهـار جارفة متلاطمة سريعة ً، كان بشق الانفس ، غـاصوا بالوحل والطين ، بعد خروج المفرزة من بيوت الشعر عند الحدود ، مجسات ورادارات السلطة بقوتها ، داهم الطيران الحربي المقاتل ، لم يكن بالقرب منهم شيئ يحتمون به الا مستنقعا عميقا تظلله اغصان شجيرات الصفصاف ، حامت الطائرات واحدة بعد الاخرى ، حتى خيل للجميع سوف يحصل الانزال وهم غاطسون حتى الرؤوس في المستنقع سوية مع قيادة المفرزة بملابسنا واسلحتنا متجمدين ينتظرون غروب الشمس لكي يتسنى لهم الخروج والتوجه الى صوب الجبل الابيض قبل بـزوغ الشمس او بالقرب منه ، متعبين منهكي القوى ، والكل جديد على هذا الوضع ، وصلوا سـفح الجبل الابيض ، صعوبة صعوده وتسلقه ، لا احد يحسن التسلق الا الماعز الاسود يراقص احجار وصخورالجبل بتفنن ، وكل واحد من الانصار خرجت فقاعات جلده من طول المشي وحمولة الاثقال الغير معتادة ، اختير الرأي ان يأخذ الانصار قسطا من الراحة ، وهم بهذه الحالة يتسلقون المرتفع والماعزالذي يرتع في ارضه يعرفها حجرا حجرا ، يتراكض يتراقص يستهزأ يضحك عليهم ، قيل بان هنالك في المرتفع مكان محصن يتخـذ مكانا لاخذ قسطا من الراحة والنوم : والشهيد جواد غاصا في ضحكته ، قال : والله لو تعلم امي بانني لكي انام اتسلق كل هذا الارتفاع ؟ ايعقل هذا ! . وصل الجميع الهدف (الاشكفته ) الغار او الاصح الكهف عند الليل وقد انهكهم التعب ، كان صاحبنا طيلة الوقت بجانب الشهيد ، يستمع لحديثه المُطـَعمُ بالنكاتِ والضحكِ المتواصل الذي انساه والجميع الالم والتعب والجوع والعطش .

اشعل الانصار الاغصان المرمية في هذا الكهف العالي الواسع العميق المحفور في قلب الجبل الابيض ، تطاير شرار النارالى كل الاركان فتحول المكان الى نور وتنور، وبعد توزيع الحراسات وسر الليل غفى ونام الجميع بملابسهم واحذيتهم الرطبة ، مخداتهم اسلحتهم . عند الصباح استيقظ الشباب وسط رائحة الروث وفضلات الغنم والماعز والحيوانات والدود ، حيث لم يشعر الجميع لتعبهم الشديد ، انفجر الشهيد ضحكا ً ؛ والله سوف اقص ذلك لامي ! ، ايعقـل ان نصعد كل هذا الارتفاع العالي في هذا الجبل كي ننام في هـذا الفـراش البعـروري والذي تفـوح منه كل الروائح ! .
اه لو تعلم امي بانني نمت هذه النومة وبهذا الارتفاع ! .

اولى المحطات التي جمعتهم سوية في قاطع بهدينان ، وما ان وصلت مفرزة الضباط حتى بدأ التدخل التركي في الارض العراقية ، جمعته مع الملازم جواد والبغل الكبير ثالثهم في خيمة الدوشكا بدأت اطلاقاتها تلعلع في الجبل ولها صداها ، اصدرت الاوامر بالانسحاب الى الخلف ، رميت ونثرت بعض الحاجات التي تعيق عملية الانسحاب وبسرعة متناهية وضعوا الدوشكا على اكتافهم وملازم جواد في المقدمة لطوله ، وانزلوها الى الوادي بعدما تنحر البغل رافضا حملها ، وهم بهذه الحالة بدأت النكات والضحك تتداخل وانستهم ثقل الدوشكا في ذلك الليل القمري ، وعند الفجر اصبحوا في اطراف الوادي الذي تجمع به الانصار . لا اطلب اي شيئ ، كل ما اريده بعد الانتصار ان اكون ضابطا في التجنيد ، واه لو تعلم امي ! قالها الشهيد بصدق .
كم من السـنين مرت وذكـراه الطيبة لازالت في القلـوب وبالاعمـاق ، باســما ً ضـاحكا ً.

نم قرير العين ؛ لقد سقط الصنم ، اتعلم بان قسما ً من الانصار تعرض الى سموم الغاز الكيمياوي من قبل النظام ، وتعلم بان كثيراً من الشهداء لحق بموكبكم موكب الشهادة ، هل تعلم بانه لم يكرم الانصار حق التكريم على صعيد الساحة الكردستانية او في العـراق الجديد كبقية المحاربين في دول المعسكر الاشتراكي سابقا او في الدول الاخرى ... اكرموهم خير تكريم وبكل اعتبار واعتزاز واحترام ، وبالاعياد الوطنية يستقبلون بحفاوة وورود ، والانصار الان ؛ لا هم في العير ولا في النفير، هدت الغربة اللئيمة قواهم وكسى البياض روؤسهم ، وحلت بدل الانصار مجاميع القتلة والمسلحين الهمج والرعاع والظلاميين المأجورين ، انحل الجيش العراقي ولم يعد هناك دوائر للتجنيد ، اتعلم بانه قد تغـرب الانصار بعيدا عن الوطن مرة اخرى ، بعد ان ضحكـوا ... فرحوا كثيرا بتوجههم الى كردستان ، بكى وحزن الكثير بخروجهم منها بعد انتهاء الحرب ، كثيرون هم في الشتات ، حاملين مآساتهم وحزنهم وألمهم .. لم تكتمل افراحهم بسقوط الاصنام ، اغلبيتهم تتحسر على خبز التنور والبصل في كردسـتان ، واذا اردت ان تزور العراق من خلال مطار اربيل فلا تتفاجئ ان تقف في طابور مخصص للعرب والاجانب وتخضع للتفتيش ، وهل تعلم بان قسم منهم لحد الان بدون جواز وزواج ، واغتنى ضباط التجنيد من الرشاوي بشدات الدولارات الخضراء والتي تجمع من الناس عنوة ، وان الفساد الاداري والمالي ، النهب والسلب قد نخر المجتمع ، هل تعلم بان العراق ابتلى بمفاهيم المحاصصة الطائفية المقيتة والجهالة ، واحزاب وعناصر لم ينزل بها الله من قبل ، اشبعت العراقيين جوعـا ومواعـيد ، والنفط ما يزال يهرّب بتقديم ما يسمى خمـس السـيد بوضح النهار. ما القـول ايها الشهيد ، وماذا تقول انت لمن سبقك وتبعك من رفاقك الانصار.

نعم من تبقى لازال على ذلك النهج ، يسرون النفس بالامال وعيون الناس تتبعهم ، باقون على العـهد من اجل الـوطن الحـر والشـعب السـعيد . انتم في القلـوب .

في يوم الشـهيد لكم تحية اجلالٍ وسـلاما .

 


 

free web counter